رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإسلاميون فى العقلية الغربية

لا تزال الأدبيات والدوريات الأكاديمية الغربية تنظر لتيارات الإسلام السياسى من منطلق واحد ترفض تغييره والتراجع عنه، وهو أنه يمكن دمج هذه التيارات فى المجتمعات الشرق أوسطية وجعلها جزءًا من صناعة القرار، على أن يتم ذلك وفق الأطر والآليات الديمقراطية التى ترسخت فى الغرب على مدى عقود، متجاوزة طبيعة هذه المجتمعات وبنيتها الاجتماعية، ومخاطر وجود هذه التيارات على رأس أى سلطة، والتى فى كثير من الأحيان أدت لكوارث وفشل حقيقى فى إدارة الحكم.

لكن مع التمعن فى مواقف الغرب تجاه حالة الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط، نجد أنهم يتعاملون بازدواجية، ففى حين أنهم رفضوا ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ على تنظيم الإخوان المسلمين، نجدهم مؤيدين لثورة الشعب السودانى على حكم البشير فى السودان، وهو نظام نشأ بالأساس على تحالف بين العسكريين بقيادة البشير والإسلاميين «الإخوان» بقيادة حسن الترابى، وتحوّل على مدى ثلاثين عامًا لنظام ثيوقراطى «يحكم باسم الدين» استبدادى أوصل السودان لحالة من التدهور والفقر الشديد واتساع رقعة الحرب والاقتتال الداخلى، بل جعل السودان فى فترة من الفترات ساحة لإيواء عناصر أصولية متطرفة للتدريب، كما حدث فى التسعينيات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

لا حديث عن نظم ديمقراطية بالمفهوم الغربى فى الإقليم طالما أن الإسلاميين جزء من المعادلة، بعد أن أثبتت التجربة، فى العقد الأخير، أنهم خطر حقيقى على فكرة الدولة الوطنية وعلى الاستقرار والسلام الاجتماعى، فمع وصولهم للحكم تصبح الحقوق المدنية والسياسية لا معنى ولا وجود لها، فوقتها سيتم الزج بمعارضيهم من التيارات الليبرالية واليسارية فى السجون، وستتراجع حقوق المرأة العربية التى اكتسبتها خلال العقود الماضية، وستصبح حقوق الأقليات فى المساواة والمواطنة الكاملة منعدمة.

العقلية الغربية ترفض حكم «ولاية الفقيه» فى إيران و«حماس» فى غزة و«الإنقاذ» فى السودان سابقًا، لكنها تراهن على إسلاميى مصر وتونس وليبيا وضرورة دمجهم فى المجتمع ومؤسسات الحكم!.. تراهم يضعون «حماس وحسم ولواء الثورة» وهى أذرع مسلحة تابعة للإخوان، على قوائم الإرهاب، فى حين يرفضون تصنيف الجماعة الأم نفسها التى أفرزت هذه المجموعات المسلحة كتنظيم إرهابى!

الغريب فى الأمر أن النظم الديمقراطية الغربية لا تأثير للكنيسة أو الدين فيها على النظام العام والقيم المدنية العلمانية، فى حين أنها تريد النقيض لمجتمعاتنا العربية والشرق أوسطية، ترغب فى أن نُحكم باسم الدين من قوى وتنظيمات غير ديمقراطية وغير وطنية فى الأساس!

أصبح سخيفًا ومدعى للسخرية والامتعاض أن تجد مؤسسات بحثية وحقوقية وبرلمانية غربية مُصرة على أخذ تنظيرات وأطروحات الإسلاميين عن الديمقراطية والحريات على محمل الجد، رغم أن تجاربها فى الحكم كانت مزيجًا من الفشل وتعميق الأدوات الاستبدادية وتوظيف الميليشيات والفواعل من غير الدول لمحاربة الجيوش الوطنية.

البديل للنظم الديمقراطية لا يعنى بالضرورة قبول نظم استبدادية، بل نظم وشكل من أشكال الإدارة يسعى القائمون عليها إلى تقديم نموذج يرسخ لدولة القانون والدستور والعدل والحكم الرشيد، لتحقيق تنمية ونهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية تنعكس بالرخاء والرفاهية على شعوب المنطقة، والعمل بالتوازى على مجابهة تنظيمات الإسلام السياسى بكل الوسائل لمنع تسللها وعودتها مرة أخرى للمجال العام، وبناء وعى جمعى مستدام وناضج، يسهم مستقبلًا فى تطبيق كل أشكال العملية الديمقراطية دون خوف من اختراقها.

فى النهاية، من الضرورى فتح قنوات تواصل أوسع مع المؤسسات الغربية المختلفة وشرح ومناقشة خطورة استمرار الاستثمار الغربى فى هذه التنظيمات الأصولية التى تعيش خريفًا صعبًا فى الإقليم سيمتد لعقود بعد أن لفظتها الشعوب.