رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فستان حبيبة

 

 

ربما كان «فستان حبيبة» هو «التريند» الوحيد الذى تمنيت له ألا ينتهى، فهذه واحدة من المرات القليلة التى تنتصر فيها مواقع التواصل الاجتماعى للحياة والاحتفال بها وبجمالها، فى مواجهة قطعان القبح والتخلف والمزايدات الرخيصة باسم الدين، وباسم العادات، والدين والعادات بريئان منها جميعًا.

قبلها بأسبوعين على وجه التقريب كنت أمازح ابنتى التى أكملت عامها السادس عشر برغبتى فى أن نذهب معًا لشراء فستان جديد لها، وأنه سوف يكون فستانها الأول كآنسة لا كطفلة، وكنت أحكى لها عن بطلة روايتى الجديدة التى قررت فى لحظة فارقة فى حياتها ألا ترتدى غير الفساتين، تغيّر من طولها ومن نوعية قماشها، واكسسواراتها تبعًا لتقلبات الطقس، لكنها لا تغير قرارها، ولا تتنازل عنه، بعد اكتشافها الخديعة التى تعرضت لها من زوجها، فجعلها ترتدى النقاب بسبب رهان بينه وبين اثنين من جيرانهما.

تذكرت تلك الجلسة مع ابنتى، عندما سمعت كلمات حبيبة، وما تعرضت له من تنمّر فى لجنة الامتحان بسبب خلعها الحجاب وارتدائها الفستان، وغرقت فى بحر من المرارة والامتعاض مما وصل إليه حالنا.. مصر التى علّمت الدنيا معانى المحبة والتسامح والجمال، كيف وصل بنا الحال إلى هذا الدرك من الجهل والتعصب؟ متى استوطن أرضنا أعداء الحياة هؤلاء؟ وكيف انتشروا؟ وإلى أى مدى يمكن أن نصل؟

تأملت فستان حبيبة بحثًا عن أى موطن للاعتراض أو التنمّر، فزاد إحساسى بالمرارة والقرف.. الفستان عادى جدًا، لطيف ومحتشم، لا هو فستان عارٍ، ولا مجسم ملتصق بالجسم مثلًا.. لا شىء.. مجرد فستان جميل، بسيط فى ألوانه، وتصميمه، ويبعث على البهجة.

لم يفلح فى إزاحة تلك الحالة من «القرف» سوى تلك الهجمة المرتدة من مواقع التواصل الاجتماعى دفاعًا عن حبيبة، وكل حبيبة، دفاعًا عن فساتين أمهاتنا وبناتنا، ومحبتنا للحياة.

على أن أجمل ما فى الموضوع هو ذلك الحماس الجماعى للدعوة إلى حرية النساء فى ارتداء ما يناسبهن ويريحهن، والتأكيد على التزام الجميع باحترام حريتهن دون وصاية من أحد، ودون تدخل من أحد، وهى الدعوات التى كنت أظن أنه لن يعلو لها صوت مرة أخرى فى مصر، بعد عقود من سيطرة العقول المغلقة على منصات الكلام، من أمثال «مجانص» وأشباهه وأتباعه.. ورغم استمتاعى بخرسهم فى تلك المعركة، إلا أن الأمر لم يخلُ من محاولات ذلك التيار لركوب «التريند»، والدخول على خط حوار الحرية، فدفعوا بواحدة من محترفاتهم لافتعال مشكلة فى حمام سباحة، والكلام عن منعها من نزوله مرتدية «البوركينى»، لكن الملفت فى الأمر أن أحدًا لم يصدقها، ولم ينسق إلى ما أرادته، ربما بسبب طريقتها «الهستيرية»، أو لغلبة الطابع «التمثيلى» على طريقة عرضها للمشكلة، وربما لعلاقتها «المعروفة» بالجماعة الإرهابية، وربما لأنه لم تكن هناك مشكلة أصلًا، فهى ترتاد حمامات السباحة فى كل مكان دون أن يمنعها أحد، إلا فى الأماكن الخاصة، ولأسباب لا علاقة لها بالملابس.. بل بزوار «المنتجع» ومُلاكه. 

والحقيقة أننى لم يكن لدىّ أدنى شك فى أنها مجرد حركة لركوب حوار حرية البنات فيما يرتدين الذى بدأته معركة «فستان حبيبة»، المعركة التى انتصر فيها المصريون بحق، وأعادت لنا الأمل فى إمكانية انتصار الجمال، وعودة الحياة فى مصر إلى ما كانت عليه قبل ظهور هؤلاء القتلة من غلاظ القلوب وعشاق الظلام، وعبّرت عنها بوضوح شديد التغريدة التى نشرتها الدكتورة مايا مرسى، رئيس المجلس القومى للمرأة، على صفحتها بموقع «تويتر»، بقولها: «البنت تُحترم، تلبس فستان تُحترم، تلبس حجاب تُحترم، تلبس لباس بحر تُحترم، تلبس بوركينى تُحترم.. فرض الوصاية على الناس جريمة والقانون موجود».