رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى افتتاح الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية

فى 25 يونيو 1968 تم أفتتاح الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية. يوجد بالكاتدرائية مدفن خاص بالقديس مرقس والذى عادت رفاته من كاتدرائية "سان ماركو" بفينيسيا بإيطاليا. وكان البابا كيرلس السادس قد أرسل وفداً إلى روما مكوناً من 75 فرداً بينهم أساقفة وكهنة ورهبان وعلمانيين من بينهم سيادة المستشار فريد الفرعونى وكيل مجلس ملى الإسكندرية فى عصره الذهبى، مع وفد من الكنيسة الأثيوبية، أقلتهم جميعاً طائرة خاصة فى صباح الثلاثاء 18 يونيو 1968. وقد تم أستقبال الوفد القبطى فى روما بحفاوة بالغة. وتم الأحتفال رسمياً يوم 22 يونيو 1968 فى روما بتسلم رفات القديس مرقس من البابا بولس السادس بابا الفاتيكان وسط فرحة غامرة. ثم أستقل الوفد الطائرة عائداً مساء يوم الأثنين 24 يونيو 1968 حيث وصلت الطائرة إلى مطار القاهرة الدولى فى الساعة الحادية عشر والنصف ليلاً  وكان يحيط بها خمس طائرات أخرى – خاصة أيضاً – بها وفود من رجال الدين الذين يمثلون الدول الأوروبية ويواصلون رحلتهم إلى القاهرة تحيط بطائرة القديس مرقس وكأن هناك زفة رائعة فى السماء من أبناء الكنيسة القبطية ووفود الكنائس تكريماً للقديس مرقس، وكان فى أستقبالهم ما يزيد على 100 ألف مواطن فضلاً عن أعضاء الوفود الأجنبية والهيئات الدينية والدولية والمصرية. وصعد البابا كيرلس السادس سلم الطائرة، وحمل الجسد المبارك وسط تهليل الجموع وهتافهم فأهتزت أرجاء المطار. وجد البابا كيرلس السادس مشقة بالغة للوصول إلى سيارته وهو حامل رفات القديس مرقس على كتفه، وبالتالى لم يتمكن الوفد القبطى المرافق أن ينتظم فى الموكب المُعد لذلك. توجه البابا كيرلس السادس ومطارنة الكنيسة القبطية والكهنة إلى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأزبكية حيث تم وضع رفات القديس مرقس على منضدة أمام هيكل الكاتدرائية، وفى الصباح تم أصطحاب الرفات إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
فى صباح الثلاثاء 25 يونيو 1968 وفى تمام الساعة التاسعة حضر إلى السرادق الكبير – يتسع لعدد 7000 شخص - والذى أُقيم بجوار الكاتدرائية الجديدة، الرئيس جمال عبدالناصر وفى صحبته الأمبراطور هيلاسلاسى والسيد حسين الشافعى نائب رئيس الجمهورية والسيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة والسيد عبدالخالق حسونة سكرتير عام جامعة الدول العربية وكان فى أستقبالهم قداسة البابا كيرلس السادس وأعضاء المجمع المقدس للكنيسة القبطية الذين كانوا من شيوخ المطارنة ولهم شخصيتهم المؤثرة فى المجتمع المصرى، وضيوف قداسة البابا كيرلس من أنحاء العالم من ممثلى كنائس العالم من نيوزيلندا والهند جنوباً إلى الدانمرك والهند شمالاً ومن اليابان والفلبين والأتحاد السوفيتى شرقاً إلى كندا وأمريكا غرباً. وجلس الرئيس فى مكانه بالصدارة وإلى يساره البابا كيرلس السادس وعن يمينه جلالة الأمبراطور هيلاسلاسى، ثم رؤساء الوفود المشاركة. وفى جانب المنصة جلس أعضاء الوفود ورؤساء الكنائس ومندوب فضيلة شيخ الأزهر وتلميذ البابا كيرلس السادس الشماس روفائيل صبحى (حالياً الراهب القمص رافائيل آفا مينا وكان أحد المرشحين الشرعيين للكرسى البابوى فى إنتخابات 2012 )، وفى الجانب الآخر من المنصة جلس رجال السلك الدبلوماسى وكبار الزوار. قام بتقديم المتكلمين الأنبا صموئيل (1920 – 1981) أسقف الخدمات العامة والأجتماعية. أفتخر أن والدى الأستاذ بديع عبد الملك (1908 – 1979) خبير الآثار المصرية بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية وأحد مؤسسى جمعية مارمينا العجائبى للدراسات القبطية بالإسكندرية قد وصلته دعوة لحضور حفل أفتتاح الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، وأذكر أن هيئة السكك الحديدية بمصر مشاركة منها فى هذه المناسبة الرائعة قد قامت بإجراء تخفيض بنسبة 50% على المشاركين فى الأحتفال والقادمين من شتى المحافظات المصرية وذلك عن طريق عدم شراء تذكرة عودة من القاهرة – بعد أنتهاء الأحتفال – إلى المحافظات المختلفة.
أذيع الحفل من اذاعة الجمهورية العربية المتحدة والتليفزيون المصرى على الهواء مباشرة. كما حضر الحفل 172 صحفياً أجنبياً من جميع أنحاء العالم وبدأ الاحتفال بكلمة البابا كيرلس السادس القاها الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج وسكرتير المجمع المقدس وجاء فيها: (مبارك الله الذى باركنا بكل بركة روحية وأعطانا أن نبنى هذا البيت ليحل فيه. وهو الذى فى السموات وسماء السموات لا تسعه. فلنشكر الله لأنه صالح ولأنه إلى الأبد رحمته. وليسبحه الواقفون فى بيت الرب، له العظمة والقدرة، له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين). ثم أضاف قائلاً: (يسرنى أن أذكر بالفخر والإعجاب فى هذه المناسبة ما تفضل به الرئيس جمال عبد الناصر من إرساء حجر أساس هذه الكاتدرائية فى 24 يوليو 1965 ومن المساهمة التى قدمها سيادته فى إقامتها تعبيراً عن سماحته وكرم مشاعره).
وبعد القاء الكلمات توجه البابا كيرلس وضيوفه الكرام نحو الكاتدرائية لإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية. ثم عاد البابا كيرلس إلى المقر البابوى بالأزبكية ممجداً الله على حُسن صنيعه معه. وفى صباح اليوم التالى أقيم أول قداس بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية رأسه البابا كيرلس السادس وأشترك معه فيه جميع رؤساء وممثلى كنائس العالم. وبعد أنتهاء الصلوات حمل البابا كيرلس رفات القديس مرقس ونزل به سلالم الكاتدرائية بصحبة الأمبراطور هيلاسلاسى ووفود الكنائس وسط  تهليل الحاضرين يحف بهم الكهنة والرهبان والشمامسة حيث تم إيداع رفات القديس مرقس فى المدفن الذى أعد خصيصاً له. ثم أستقبل قداسته أعضاء الوفود وأهداهم ميدالية تذكارية بهذه المناسبة التاريخية الجليلة. 
العظمة الحقيقية للبابا كيرلس السادس تجلت فى حرصه ألا تُغلق كنيسة واحدة فى فترة رعايته للكنيسة، ولا يُلغى دير واحد ويتششت رهبانه، وألا يكون هناك محتاج بين الأقباط. لأن مصر لا يكون وطن حقيقى لجميع المصريين إن كان بلا كنائس، وإلا صارت كرازة القديس مرقس باطلة، بل أن فى هذا هدم لتعب وجهاد القديس مرقس على أرض مصر الذى جاء إليها فى عام 64م وأستشهد فى شوارع مدينة الإسكندرية فى يوم الأحد 8 مايو عام 68م بينما أقباط مصر أبناء القديس مرقس يحتفلون بعيد القيامة (أو الفصح). لذلك قيمة مصر تتجلى فى تجاور مآذن المساجد مع منارات الكنائس تلك الى قالت عنهما د. نعمات أحمد فؤاد أنهما أمتداد للمسلة المصرية التى تشير إلى السماء.
الشئ المؤسف أن الأعمال الفنية التى تتم بداخل الكاتدرائية حالياً – بشهادة الفنانين الأقباط ذو الباع الطويل فى الفن والخبرة الوثيقة ومنهم الفنان طيب الذكر عادل نصيف – تتم بعبث شديد ولا يقوم بها متخصصون. يكفى أن رئيس لجنة أختيار الفنانين المتقدمين لمسابقة رسم الأيقونات كانت مُسندة لكاهن من الإسكندرية حاصل على بكالوريوس تجارة!! وبقية أعضاء اللجنة ليس لهم دراية بالفن القبطى!! مع أن الفن القبطى له فنانيه المعرفون على مستوى العالم ولهم خبرة واسعة وأعمال مجيدة فى جميع أنحاء العالم!!
فى تلك الذكرى العطرة – ذكرى أفتتاح الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية - نرسل بتحياتنا لروح الزعيم جمال عبدالناصر الوطنى والمُخلص والأب، وللروح العملاقة للبابا كيرلس السادس البطريرك الناسك والزاهد والتقى والمتواضع الذى كانت سنوات فترة بابويته الحادية عشر (10 مايو 1959 – 9 مارس 1971) كلها أمجاد حقيقية للكنيسة وفرح حقيقى لكل فرد. كانت فترة رائعة تمتعنا فيها جميعاً بروحانية الكنيسة الحقيقية.