رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى 30 يونيو «7».. الإخوان رفضوا كل اقتراحات الإنقاذ وحفروا قبرهم بأيديهم

الإغراءات الخارجية دفعتهم لسيناريو المغالبة بدلًا من المشاركة وعقيدتهم التكفيرية دعمت هذا 

الإعلان الدستورى كان المسمار الأول والأخير فى نعش الإخوان وما بعده كان «حلاوة روح» للجماعة

القوات المسلحة نصحت مرسى بالتغيير قبل أسبوع من ٣٠ يونيو لكن الجماعة أمرته ألا يستجيب 

تهديد خيرت الشاطر لوزير الدفاع باستخدام القوة قاد الجماعة إلى حتفها وأكد مصيرها 

الجماعة كانت تعانى من مرض نفسى اسمه إنكار الواقع والانفصال عنه

 

كان إصدار الإعلان الدستورى فى نوفمبر هو النهاية الحقيقية للإخوان فى الحكم والذى قادهم إلى مصيرهم المحتوم فيما بعد.. وكان فحوى الإعلان هو تصميمهم على الصدام وعلى المغالبة لا المشاركة، وهو عكس الشعار الذى رفعوه فى أول الثورة والذى لو تمسكوا به وصدقوا فيه لكانوا فى أحسن حال حتى الآن.. لكنه الغباء التاريخى الذى هو سمة أساسية للجماعة منذ نشأتها وحتى الآن.. وقد اختلفت التحليلات حتى الآن حول السبب الذى دفع الإخوان من رفع شعار المشاركة إلى رفع شعار المغالبة، وكان أقوى التحليلات هو أن ضوءًا أخضر من خارج مصر شجعهم على ذلك.. وربما أيضًا شجعهم زهد أعضاء المجلس العسكرى القديم، وأخطاء المرحلة الانتقالية، وهشاشة التيارات المدنية وقبول بعضها للتبعية للإخوان بثمن أو بدون ثمن.. وقد تواترت أخبار عن نصيحة من الإخوانى التونسى راشد الغنوشى لإخوان مصر بالتريث وعدم الاستيلاء على الحكم مبكرًا والمشاركة دون المغالبة.. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع راشد الغنوشى، فهو أكثر تعليمًا وثقافة من قادة الإخوان فى مصر بما يعادل مئة مرة تقريبًا.. وقد كان فى نصيحته نجاة الإخوان من المصيدة التى وضعوا أنفسهم فيها.. ولا شك أنه لا مجال للمقارنة بين إخوانى كالغنوشى وبين خيرت الشاطر وهو تاجر منى فاتورة وصاحب سوبر ماركت.. استولى على مقادير الجماعة الإرهابية ليضفى عليها مزيدًا من الغموض والتآمر والتحالف مع بقايا التنظيمات الإرهابية الأخرى التى خرجت من رحم الجماعة وعادت إليها مرة أخرى.. بعد الإعلان الدستورى كانت خطيئة أحداث الاتحادية.. وتعذيب المعتصمين وقتلهم.. ثم كانت الخطيئة السياسية الثالثة فى شهر مايو برفض دعوة القوات المسلحة للحوار الوطنى والذى كان يمكن أن يشكل مظلة واسعة تضم الإخوان مع غيرهم تحت مظلة أقوى مؤسسات الدولة المصرية وأكثرها حرصًا على تماسك الدولة.. وتواصلت الأخطاء مع الاصطدام بالقضاة وعزل النائب العام وتعيين نائب عام إخوانى.. ومعاقبة المحامى العام لشرق القاهرة الذى أفرج عن المعتصمين أمام الاتحادية.. ومع النهايات كانت حركة تعيين المحافظين والتى ضمت محافظين «إخوان»، فضلًا عن محافظ للأقصر كان قياديًا فى الجماعة الإسلامية التى كانت تقتل السياح.. وقد كانت حركة تعيين المحافظين والاعتراضات التى واجهتها إحدى علامات الفوضى والنهاية الأكيدة.

كان ثمة نشاطات مدنية بكل تأكيد تتصدى للإخوان، وكانت هناك فى الواجهة جبهة الإنقاذ، وكان هناك دور أكيد للإعلام.. لكن الأكيد أيضًا أن كل هؤلاء لم يكونوا ليعملوا بأمان- وربما لم يكونوا ليعملوا من الأساس- لو مظلة الحماية التى وفرتها القوات المسلحة ولولا تصريحات وزير الدفاع بأن القوات المسلحة لن تسمح بالمساس بالشعب المصرى.. لذلك بدا غريبًا جدًا أن تسمع أن صحفيًا مرتشيًا أو إعلاميًا فاسدًا هنا وهناك يطالب بأن يسمح له بالمزيد من الفساد، بحجة أنه أحد الذين صنعوا ٣٠ يونيو.. والحقيقة أنه أحد الذين ركبوا على ٣٠ يونيو وعلى كل ما هو نبيل فى مصر.. والحقيقة المؤكدة بعد كل هذه السنوات أن الذى صنع ٣٠ يونيو هو وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى ومجموعة من القادة والضباط الوطنيين التفوا حوله وساندوه ووضعوا رقابهم على أكفهم، والحقيقة أيضًا أن الشعب المصرى قرأ الرسالة وأدرك أن الثورة هى سبيل الخلاص الوحيد لمصر.. فنزل للشوارع ملبيًا النداء.. وما إن جاء شهر أبريل حتى بدت للجميع ملامح النهاية، وكان الجميع يعرف أن الجماعة فى طريقها إلى الزوال ما عدا الجماعة نفسها التى مارس أعضاؤها ومكتب إرشادها حالة من الإنكار.. وهى حالة معروفة فى الطب النفسى.. حيث ينكر المريض وجود مشكلة من الأساس، فضلًا عن أن يبذل مجهودًا فى علاجها.. ظهرت حركة تمرد فى أبريل، وكان قوامها الأساسى مجموعة من الصحفيين فى جريدة «الصباح» اليومية التى كنت أرأس تحريرها، وأغلقت أبوابها بعد رسالة من الإخوان لصاحبها أحمد بهجت حملها له أيمن نور.. وكان فحواها لماذا تتحمل فاتورة الصحفيين الذين يعملون معك ما داموا يعبرون عن آرائهم لا آرائك أنت؟ وقد أغلقت الصحيفة أبوابها فى شهر مارس حتى قامت ثورة ٣٠ يونيو، فأحس صاحبها بالندم وبأنه يريد أن يكون جزءًا من المشهد الجديد الذى يتشكل، فاتصل بى واعتذر عن إغلاقه الجريدة.. وطلب أن تعود للصدور بشكل أسبوعى.. وصدرت الجريدة صوتًا صادقًا ومعبرًا عن ثورة ٣٠ يونيو دون اتصال بأى من مؤسسات الدولة، أو وجود أى هدف سوى حب الوطن والإيمان به.. وقد استمرت الجريدة فى سياستها حتى حدث خلاف مع صاحبها حول خطها التحريرى، حيث بدا له أن الجريدة يجب أن تتبنى خطًا معارضًا أو بالأحرى خطًا معبرًا عن رؤية مجموعة من رجال الأعمال للأمور الداخلية.. وقلت له ببساطة إننى أرى أن المواجهة مع الإخوان لا تسمح بهذا الآن.. «كنا فى عام ٢٠١٦» وإنى أتصور أن الجريدة ناجحة بصيغتها الحالية.. استمع لى وصمت.. وفى الاجتماع التالى قال لى «أنا بطلت اقرا لك».. ثم لاحظت تأخيرًا مضاعفًا فى المرتبات، فأرسلت له استقالتى.. فقبلها.. ثم كان أن انتقم بطريقة أتعفف عن ذكرها احترامًا للموت ولقيمة أقدرها هى العيش والملح.. أيًا كان.. فقد بدأت «تمرد» العمل ووجدت من يساعدها ويتحمس لها ووصل عدد الاستمارات التى وقعها مصريون يطالبون بإقالة محمد مرسى إلى ٢٢ مليون استمارة.. وأسس الإرهابى عاصم عبدالماجد حركة مضادة لتمرد سماها «تجرد».. وبدأ الجو يتحول إلى حالة من السخونة السياسية.. وعقد الإخوان اجتماعًا ضخمًا لكل الأحزاب التابعة لهم وعددها وقتها حوالى ١٢ حزبًا وقرروا الاعتصام فى رابعة العدوية انتظارًا لـ٣٠ يونيو وما يحدث فيها، وصعد الإرهابى طارق الزمر إلى المنصة فى رابعة وقال تصريحه الشهير: سنسحقكم فى ٣٠ يونيو.

وحسبما يسجل الأستاذ مصطفى بكرى فى كتابه «الدولة والفوضى»، فقد ذهب وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسى ومعه عدد من قادة القوات المسلحة للقاء محمد مرسى فى ٢٢ يونيو.. وحذروه من خطورة الوضع وطلبوا منه إقالة الحكومة وتعيين شخصية سياسية من غير الإخوان رئيسًا لحكومة إنقاذ، وطلبوا إقالة النائب العام الإخوانى طلعت عبدالله واختيار نائب عام جديد من ثلاث شخصيات يرشحها المجلس الأعلى للقضاء.. لكن مرسى اكتفى بإضاعة الوقت وقال لهم: «هنشوف».. وكان لدى الإخوان تقدير أن المظاهرات ستكون ضعيفة.. وهو تقدير يدل على انفصالهم عن الواقع.. فضلًا عن عدم التقدير والدراية بمؤسسات الدولة المصرية ودورها فى استقرار الوضع أو عدم استقراره.. أصدرت القوات المسلحة بيانها الشهير الذى يعطى كل الفرقاء السياسيين مهلة أسبوعًا للوصول إلى اتفاق.. وعقب صدور البيان طلب سعد الكتاتنى ومعه خيرت الشاطر موعدًا لمقابلة وزير الدفاع.. وعلى سبيل التحليل أقول إن المشير السيسى شعر بالنفور من خيرت الشاطر الذى كان حديثه خليطًا من العتاب والتهديد ومحاولة استعراض القوة.. حيث عاتب المشير السيسى على مساواة البيان بين الإخوان وبقية القوى السياسية بينما الإخوان يحتلون الرئاسة ومعهم ما يسميه هو «الشرعية».. ثم كان أن انتقل إلى التهديد وقال إن البلاد مليئة بالآلاف من المسلحين الإسلاميين وإن هؤلاء لن يسكتوا فى حالة خلع مرسى.. وقيل إنه رسم بإصبعه علامة الضغط على الزناد ليشرح المعنى.. وهو ما دفع المشير السيسى لأن يقول له: «يعنى يا تحكمونا يا تقتلونا؟!!» وهو سؤال بهدف الاستنكار والسخرية.. وقيل إن المشير السيسى نهر الشاطر أكثر من مرة وطلب منه أن يخفض صوته وتدخل الكتاتنى لتهدئة الجو.. وفى كل الأحوال انتهت المقابلة بالفشل الذريع.. ورفض الإخوان أى سيناريو للتهدئة.. والمشاركة.. ورفضوا تقديم أى تنازلات.. واستمروا فى حالة التكفير السياسى.. فجبهة الإنقاذ هى جبهة الخراب.. والمعارضون خونة مأجورون.. والجيش المصرى العظيم هو جيش النكسة كما قال البلتاجى على منصة رابعة.. والمظاهرات لن تحدث.. ولو حدثت فلن تتعدى المئات.

وفى ذلك الأسبوع الحاسم عُقدت الندوة التثقيفية الخامسة للقوات المسلحة وتحدث د. عبدالمنعم سعيد واستعرض انهيار الوضعين الاقتصادى والسياسى فى مصر، وبدا أن الجميع يطالبون الجيش بقيادة حركة الخلاص.. وأعادت القوات المسلحة مطالبة مرسى بإجراء استفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة وتعيين حكومة إنقاذ وطنى وإجراء تعديل دستورى، وأعاد مرسى المماطلة وخالف الاتفاق على أن يعلن عن كل هذه الإصلاحات فى الخطاب الشهير الذى ألقاه فى قاعة المؤتمرات يوم ٢٦ يونيو.. وذهب المشير السيسى لحضور الخطاب وأحاطت قوات الصاعقة بالقاعة التى امتلأت بالإخوان وغيرهم فى رسالة لا تخفى على أحد.. وجلس المشير ينتظر من مرسى إعلان حزمة الإصلاحات حتى يهدأ الوضع.. لكنه فوجئ به يقود السيارة فى اتجاه معاكس تمامًا ويسعى لأن يصطدم بها فى أقرب حائط.. حيث استجاب مرسى لأوامر مكتب الإرشاد وتراجع عن الإصلاحات وقرر شن هجوم مضاد على من يعارضونه.. وبدا خطابه وكأنه فاصل مسرحى كوميدى، حيث تحدث عن «فودة بتاع المنصورة» و«عاشور بتاع الدقهلية».. وكان يقصد عضوين سابقين فى مجلس الشعب عن الحزب الوطنى اتهمهما بأنهما يحركان الشارع ضده!! وتحدث عن الكاتب الراحل مكرم محمد أحمد.. وعن مجموعة صحفيين يجلسون فيما سماه «الحارة المزنوقة».. وهو ما دفع المشير السيسى لأن ينظر له نظرة معينة تجمع بين الدهشة والاستغراب والوعيد أيضًا.. وهو ما يؤكد أن كل شىء كان واضحًا وجليًا، وأنه لم تكن ثمة مفاجأة ولا مؤامرة فى الموضوع بقدر ما كان كل شىء معلنًا وواضحًا.. فقد نزلت القوات لتأمين الشوارع منذ قبل ٣٠ يونيو بأسبوع.. وعرضت القوات المسلحة على الرئيس حزمة الإصلاحات المطلوبة.. لكن الإخوان كانوا يراهنون على التدخل الأمريكى وعلى موقف السفيرة «آن باترسون» المنحاز لهم والمعادى للجيش المصرى بشكل واضح.. وهذا التأييد هو ما كان يدفعهم للتقليل من جدوى التظاهر ومن قدرة القوات المسلحة على التحرك.. لكن رهانهم خاب كما يحدث دائمًا.. وسقط الرئيس الإخوانى من كرسى الرئاسة وغادرت «آن باترسون» نفسها مصر وبقيت مصر والمصريون والشعب المصرى فوق الجميع. 

 

الحلقة المقبلة والأخيرة:

الطريق إلى الجمهورية الجديدة