رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا لو لم تحدث «30 يونيو»؟

تمر علينا الذكرى الثامنة لثورة الثلاثين من يونيو، وهو اليوم الذى أراه أحد أعظم أيام التاريخ المصرى؛ يوم انتفض وثار فيه ملايين المصريين ضد حكم تنظيم فاشى استبدادى، ظن عناصره أن بمقدورهم ابتلاع مصر وتغيير هويتها وجعلها خاضعة للتنظيم الدولى للإخوان.. تأتى الذكرى الثامنة ومصر قد استعادت عافيتها، وتخلصت من هذا الكابوس المدمر الذى كلفنا الكثير من التضحيات التى قُدمت من دماء وعرق المواطنين من قوات الجيش والشرطة والمدنيين فى سبيل استرجاع مصر التى نعرفها، وليبدأ بناء مصر الجديدة كما حلم بها المصريون ممن خرجوا وثاروا فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، وحتى فى يناير ٢٠١١، وليكون البناء هذه المرة على أسس وطنية خالصة، يؤمن القائمون عليه بعظمة هذه الأمة وقدراتها الدفينة، ويفعلون المستحيل لاستنهاضها من جديد؛ لنكون جزءًا من العالم الذى نعيش فيه، ولا نكون عالة على أحد.

هناك عدد من الأسئلة الافتراضية يثار من وقت إلى آخر داخلنا، وطرح هذ الأسئلة باستمرار وتخيُّل إجاباتها يجعلنا نسجد لله شكرًا على ثورة الثلاثين من يونيو: ماذا لو فشلت ثورة الثلاثين من يونيو؟ ماذا لو لم يتحرك الجيش المصرى بقيادة وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى- وقتها- لتلبية نداء الملايين فى شوارع مصر وميادينها فى ٣ يوليو ٢٠١٣؟ ماذا لو خضعت المؤسسة العسكرية للضغوط الكبيرة التى كانت تُمارس عليها فى هذا الوقت من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بعدم التحرك ودعم حركة المصريين للإطاحة بحكم الإخوان؟ إلى ماذا كانت ستؤول أوضاع مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية لو استمر التنظيم ومكتب الإرشاد فى حكم مصر لسنوات أخرى؟ ماذا سيكون مصير مشروع التمكين الذى صاغه تنظيم الإخوان فى تسعينيات القرن الماضى؟ كيف ستكون تداخلات مصر فى الإقليم مع حلفائنا الخليجيين، وفى ليبيا وسوريا ومع إيران ومع السودان؟ كيف سيكون مصير ثروات المصريين فى شرق المتوسط واتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان؟ وما هو شكل علاقاتنا مع القوى الكبرى كأمريكا والاتحاد الأوروبى والصين وروسيا؟

هناك افتراضات وتساؤلات أخرى يمكن طرحها بشكل آخر مختلف، تخيل معى أن ثورة الثلاثين من يونيو فشلت وحدث التالى تباعًا خلال سنوات:

عُلّقت المشانق لقادة القوى المدنية وقادة القوى الشعبية فى كل محافظات مصر؛ عقابًا لهم على ثورتهم ضد حكم المرشد.

أصبح قادة الجيش والمخابرات العامة والحربية والأمن الوطنى من عناصر تنظيم الإخوان، وتنفيذ خطة التنظيم للسيطرة على كل هذه المؤسسات والأجهزة.

إنشاء حرس ثورى خاص يدين بالولاء لمكتب الإرشاد، ويكون منوطًا به حماية حكم التنظيم، والتنكيل بأى قوى مدنية تفكر فى الثورة على حكم مكتب الإرشاد.

أصبح المحافظون ورؤساء المدن وعُمد القرى ورؤساء المحليات من عناصر تنظيم الإخوان.

أصبح شيخ الأزهر الشريف من الإخوان، وتم تغيير مناهج الأزهر لتتوافق مع أيديولوجيا التنظيم.

أصبح كل رؤساء الصحف القومية والخاصة من الشخصيات الإخوانية أو المحسوبة عليهم، وتم تأميم كل المؤسسات الإعلامية، وأصبحت أفكار التطرف والتحريض على العنف والتمييز ومعاداة المختلف مع الإخوان هى العادى والمتعارف عليه.

أصبحت كل مصادر الإنتاج الثقافى والفنى والأدبى فى مصر تحت رقابة مكتب الإرشاد وقتها فى المقطم.

أخونة القضاء المصرى، وأصبح كل رؤساء الهيئات القضائية يدينون بالولاء لمكتب الإرشاد.

أصبح كل رؤساء الجامعات فى مصر من الإخوان والموالين لهم.

إدخال مناهج الإخوان وفكرهم ليكون جزءًا من مناهج التدريس فى المدارس المصرية، والتعامل مع حسن البنا كقائد تاريخى ووطنى فى مصر؛ فى وضع أشبه بتعامل الإيرانيين مع الخمينى.

أصبح «عصام الحداد»، مساعد مرسى للشئون الخارجية «مسجون حاليًا»، وزيرًا لخارجية مصر، وشرع فى الأخونة الكاملة للخارجية، وأدخل عناصر إخوانية للسلك الدبلوماسى وأصبحوا سفراء يمثلون مصر فى مختلف دول العالم.

أصبحت مصر قِبلة ومنطقة جذب وتوطين لكل التنظيمات والمجموعات الإرهابية فى العالم من أفغانستان وليبيا وسوريا وغيرها.

تقدم مصر الدعم السياسى والمادى لتنظيمات القاعدة وداعش والإخوان فى سوريا وليبيا، وتساعد هذه التنظيمات فى إسقاط الجيوش الوطنية والسيطرة على مقاليد الحكم فى هذه الدول.

تتدخل مصر وتمنع سقوط نظام البشير الإخوانى، ويشرف مكتب الإرشاد على إرسال مجموعات مسلحة تساعد نظام البشير على قمع ثورة الشعب السودانى على نظامه.

التغافل عن زيادة نمو الظاهرة الإرهابية فى سيناء والتعايش معها إلى أن تضيع ويصبح أمام إسرائيل المبرر أمام العالم لاحتلالها مرة أخرى، أو السماح بزيادة تمدد غزة داخل الحدود المصرية لإنشاء وطن بديل للفلسطينيين على أرض غزة وسيناء.

دخلت مصر فى قطيعة مع حلفائها الخليجيين، وأصبحت أنظمة الحكم فى الخليج مهددة جراء الدعم الذى سيقدمه تنظيم الإخوان لمجموعاتهم الخاملة والظاهرة فى هذه البلدان.

أصبحت مصر منبوذة دوليًا وفى عداء مع كل جيرانها ومع المجتمع الدولى، ولا تختلف كثيرًا عن الصورة الذهنية المرسومة لأفغانستان فى العالم.

ستصبح مصر من الدول الفاشلة اقتصاديًا، وسيعيش شعبها فى فقر مدقع، وسنصبح عالة على العالم.

تخلّت مصر عن مصالحها وثرواتها فى شرق المتوسط، ودخلت فى خلاف مع قبرص واليونان، وتماهت مع الرؤى التركية بمخالفة القانون الدولى للبحار فى شكل التقسيم بشرق المتوسط.

الافتراضات كثيرة وتحتاج إلى مئات المقالات لسرد كيف سيصبح شكل مصر لو فشلت ثورة الثلاثين من يونيو، أو ما ستؤول إليه أوضاعنا فى حالة نجاح تنظيم الإخوان الإرهابى فى السيطرة على مصر.. لكن السؤال الذى أختم به: هل كان تنظيم الإخوان يمتلك القدرة على إفشال ثورة الثلاثين من يونيو، ووقف زحف أكثر من ٣٠ مليون مصرى، ومنع قائد الجيش المصرى وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى من التحرك؟ بالتأكيد لا؛ فالأمة المصرية قادرة على ابتلاع كل هذه التنظيمات والقضاء عليها، والجيش المصرى والمؤسسات الأمنية المصرية ستظل دائمًا حائط الصد والدفاع الأول عن هذه الأمة ومنع سقوطها، وستظل مصر مقبرة لكل من تسول له نفسه الإضرار بها، فهى دولة قديمة وليست لقمة سائغة لابتلاعها.. المجد كل المجد لكل مصرى ومصرية، كل فى موقعه ودوره، أسهم، ولا يزال، فى حماية هذا الوطن، وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى تحمّل الدور الأكبر فى قيادة مصر والعبور بها وإنقاذها، ويكفيه دوره فى دعم إرادة الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو، ويكفيه أن نجح فى دفن مشروعات الإسلام السياسى، ليس فى مصر وحدها بل فى الإقليم بأكمله.