رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه كيف غيرت الفوتوغرافيا نظرتنا لأنفسنا (القبلات كما لم نراها من قبل)

تقول د. فوزية الدريع في مقدمة كتابها القبلة "أنت لا تقبّل بشفتيك، بل تقبّل بقلبك، بروحك، وبكل نبضة من جسدك" عندما نذكر القبلة تتكون في أذهاننا صورة بصرية مصحوبة بنشوة وابتسامة ولذة ثمة صورة حسية مخزنة في لا شعورنا الجمعي .علميّا ،أكدت الدراسات الخاصة بلغة الجسد أن شفاه المرأة أقدر على توصيل رسالة واضحة من شفاه الرجل، بسبب تاريخ منع المرأة من التعبير اللفظي، مما دفعها لتطوير التعبير البدني، فأجادت لغة العيون، والشفاه. وهناك أسبابفيزيولوجية أيضاً، في كون شفاه المرأة يتغير حجمها وشكلها ولونها حسب إحساسها أكثر من شفاه الرجل.

 في المقال السابق تعرضنا لصور القبلات المتطابقة مع صورتنا الذهنية عن القبلة باعتبارها فعلًا حميمًا، اليوم نتعرض للجانب الآخر من صور القبلات.. 

في عام 1945، في اليوم الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية، التقط ألفريد آيزنشتات، المصور الصحفي الأمريكي الشهير ،  إحدى أكثر الصور الأيقونية، حتى بعد مرور ستة عقود، لا تفشل الصورة في إلهام الشباب وعرض للعالم معنى الحب والبهجة. تُعرف باسم (Victory over Japan) Day Kiss، قبلة اليوم – النصر علي اليابان، خلقت الصورة الملتقطة لبحار يقبل ممرضة في ساحة تايمز سكوير بنيويورك في 14 أغسطس 1945 ، فيما يبدو أنه عناق عاطفي، ضجة في جميع أنحاء العالم بعد نشرها في مجلة لايف.

Credits: Lt. Victor Jorgensen/wikipedia.org
Victor Jorgensen

 

لم تكن الصورة معدة بل عفوية تماما، واعتبرت أيقونة للحب عبر عقود وصنفت من أهم الصور الصحفية في التاريخ ، كان البحار يبتهج بإعلان استسلام اليابان للقوات الأمريكية ، ووفقًا للمذكرات التي نقلها المصور إلى عدد قليل من المجلات، كان يحاول تقبيل كل امرأة أمامه لإظهار حماسته بشأن الفوز. وفقًا للمصور، كان العامل الأكثر أهمية الذي جعله يلتقط هذه اللحظة هو العفوية والمفاجأة في الطريقة التي قبل بها الجندي الممرضة، والتناقض بين اللونين الأبيض والأسود في رداءهما ما حقق التباين وجعلها لقطة جديرة بالاهتمام.

في العقود التي تلت التقاط الصورة ، تقدم 11 رجلًا وثلاث نساء بدعوى أنهم أبطال الصورة ، لكن لم يثبت أن أيًا منهم هو بطل الصورة. أخيرًا ، في أوائل الثمانينيات ، تقدمت امرأة تدعى غريتا فريدمان ووجد أنها الممرضة ومع ذلك ، لم يتمكن المصور نفسه من التحقق من ادعاءات السيدة فريدمان لكنها رفضت المشاركة في إعادة تمثيل الصورة. وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. كانت غريتا فريدمان، التي توفت عن عمر 92 عامًا في عام 2016 ، تبلغ من العمر 21 عامًا وقت التقاط الصورة.

علي الجانب الآخر أعلن ثلاثة رجال أنهم البحار في الصورة ولكن بعد إجراء العديد من اختبارات جهاز كشف الكذب والاختبارات الأخرى لتحديد صحة رواية الرجال الثلاثة ، أظهرت الخرائط الرقمية ثلاثية الأبعاد لوجه مندونسا في عام 2005 أن وجهه كان شبه مثالي لوجه الرجل الذي يمسك بفريدمان في الصورة، حسبما ذكرت صحيفة The Times.

استمر الاحتفاء بالصورة كرمز للحب والانتصار، إلا انه بمرور الزمن وتغير الأفكار في عام 2014 كتبت مجلة تايم  مقالًا بعنوان [6 طرق للتحرش الجنسي تضر بصحة المرأة] وأدرجت الصورة الأيقونة على أنها "عمل علني  من الاعتداء الجنسي" وفقًا للمجلة هي قبلة غير رضائية بين رجل وامرأة غريبين ، وتعمق الكثيرون في تفسير لغة جسد الممرضة كون أنها لا تشعر بالراحة قال ميندونسا: "أعتقد أنه لو لم تكن تلك الفتاة ترتدي زي الممرضة، ما كنت لأمسك بها".وقالت فريدمان في مقابلة  إن الحادثة بالتأكيد لم تكن "حدثًا رومانسيًا" بالنسبة لها.

وهكذا تحولت صورة القبلة من رمز للحب لرمز للاعتداء الجنسي، ما يقودنا للتفكر فيما يمكن آن يفعله الزمن بآفكارنا وتفضيلاتنا ورؤيتنا وفهمنا للصور.

مع بداية الثمانينيات وبعد هزيمة الولايات المتحدة في حرب فيتنام ،تحولت ثقافة المجتمع الأمريكي  وكسبت الرأسمالية الحرب ضد الشيوعية، وانغمس الناس في شراء منتجات لتحقيق الحلم الأمريكي والحياة المثالية الوهمية، تغيرت المعايير المجتمعية وتمركزت الحياة حول الفرد نفسه وتحقيق ذاته، تمحورت القوالب النمطية حول صنع عالم مصطنع موحد لا يُقبل فيه المختلف والقبيح والغريب.

في ظل هذا التحول تأثر الفنانون المعاصرون بهذه المفاهيم الجديدة ومن هنا قدم المصور  جويل بيتر ويتكين عمله (القبلة) كانWitkin مصورًا لحرب فيتنام من 1960 إلى 1964 ، وقد اختبر الموت بشكل مباشر ، وبدأ في تصوير المسكوت عنه في المجتمع الأمريكي بعد حرب فيتنام، مهتمًا بالمهمشين والمنبوذين والموت،معتبرًا أنه جزء طبيعي من الحياة، فهو عملية لا مفر منها وغير قابلة للتفسير.

WITKIN-kiss
The Kiss is a photo made by Joe Peter Witkin/ New Mexico in 1982

 

منذ طفولته وهو مأخوذ بفكرة الموت  يقول آن الشرارة الأولي لذلك عندما كان صغيرا ويتجول مع والدته وأخيه عندها حدث انفجار ضخم وفجأة، تدحرج رأس من إحدى السيارات المقلوبة توقف الرأس عند قدميه ،لا ينسي المشهد، كان الرأس لفتاة صغيرة ، عندما انحني للمس الوجه لكن أحدًا ما حمله بعيدا.

عندما قدم عمله القبلة كان يهدف لخلق صدمة ما بين التصور الذهني المسبق عن القبلة بما تحمله لنا من ذكريات وحب وحميمية مثل قبلة والدتنا عندما نغادر المنزل أو أول قبلة عشناها مع شخص نحبه لكن ما نراه هو صورة مغايرة تكسر القالب المحفوظ عن القبلات .

نرى زوجين متقدمين في العمر يقبلان بعضهما البعض ، عيونهما مغلقة لكن بإمعان النظر يتضح أن الأمر ليس كما بدا لأول مرة، الزوجان من نفس الجنس، وهما متشابهان في المظهر لدرجة أنهما يمكن أن يكونا توأمين تقريبًا، رءوسهما ليست مرتبطة بأجسادهما، لأن الزوجين في الواقع ما هما إلا رأس واحد لشخص ميت، رأس واحد مقطوع إلى قسمين في انتظار تشريح الجثة، رتب المصور الرأس كما لو أنه تكوين طبيعة صامتة .

في حين أن الصورة مروعة ، لكن الصورة تنقلنا لعالم آخر وتساؤلات عدة عن ماهية الحياة والموت وهل يمكن أن نقبل الموت كجزء من الحياة أم كفقد مروع،. هذا التوتر بين الموت والحياة والوحشية والجمال هو علامة مميزة في أعمال ويتكن.

Soviet leader Leonid Brezhnev and East German President Erich Honecker kiss on the occasion of GDR's 30th anniversary. 
Leonid Brezhnev and East German kiss on the occasion of GDR's 30th anniversary.RégisBossu

 

خلال الحرب الباردة ، غالبًا ما كان قادة الدول الشيوعية يحيون بعضهم البعض بما يسمى "القبلة الاشتراكية الأخوية". قد تكون على الخد أو الفم، ولكن المثال الأكثر شهرة هو صورة المصور الفرنسي ريجيسبوسو عام 1979 ليونيد بريجنيف من الاتحاد السوفيتي وإريك هونيكر من ألمانيا الشرقية يقبلان بعضهما من الفم التقطت صورة هذه القبلة عندما زار بريجنيف برلين الشرقية للاحتفال بالذكرى الثلاثين لجمهورية ألمانيا الديمقراطية (أي ألمانيا الشرقية). عندما انهار جدار برلين في عام 1989، أعاد الفنان السوفيتي دميتري فروبيل رسم الصورة في لوحة جدارية على الجانب الشرقي من الجدار. معقبًا: "يا إلهي ، ساعدني على النجاة من هذا الحب المميت."

 

10 Best Kisses in Famous Artworks - Man Ray - The Kiss
man ray, the kiss, 1922

 

ثمة طريقة معروفة في الفوتوغرافيا حيث يمكن  للفنان أن يصنع صورًا مباشرة على ورق فوتوغرافي بدون كاميرا. توضع العناصر على الورق وتعرض للضوء.تكون الصور الفوتوغرافية بهذه الطريقة معدة مسبقا كلوحة مرسومة لكنها  من جهة أخري مجردة وغامضة. 

يُصوِّرمان راي ، في صورته  القبلة ، اثنين من العشاق يقبلان بعضهما، تشبه الحلم لكنه تعمد قطعها لنصفين ،صرح راي "كنت سأصور فكرة وليس موضوعا ، حلمًا وليس فكرة.".

يظهر  مان راي ، في الصورة اليدين  معبرًا عن مستوي أعمق من الاتصال الجسدي فلا يوجد ما هو أكثر رومانسية من شخصين يمتزجان عبر فعل التقبيل ويديهما تحتضن الآخر فالتاريخ يبدا بقبلة.

كان مان راي متأثرًا بالأفكار النفسية المنتشرة عن الاحلام وتفسيرات فرويد فعبر عن ذاته الأصلية كذكر والأنا المتغيرة الجريئة ،.كما تأثر بفكرة الهوية الجنسية والتفضيلات الجنسية فلا تكشف الصورة عن  هوية المعانقين فيمكن أن يكون أي شخص ، بغض النظر عن جنسه.

 

The Kiss of Death (1957) - Wikipedia

قبلة الموت هي صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود لمصور مجهول ، التقطت في 12 مايو 1957. وهي تصور اللحظة التي قبلت الممثلة ليندا كريستيان ، وهي تميل في قبلة قصيرة مع سائق الفورمولا  ألفونسو دي بورتاجو الذي يرتدي ملابس السباق ؛ خوذة بيضاء ونظارات واقية وسترة جلدية. حشد من المتفرجين يحدقون بفرح ، بينما يخلد الصحفيون المشهد بكاميراتهم ،قُتل بورتاجو بعد لحظات بينما كان يأخذ منحنى بسرعة 150 م / ساعة.

اشتهرت الصورة في إيطاليا، وحصلت على لقب (قبلة الموت) في إشارة إلى وفاة بورتاجو بعد وقت قصير من التقاط الصورة. وأعطت مجلة لايف شهرة للصورة بعد أن نشرتها في عددها الصادر في مايو 1957 تحت عنوان "الموت يأخذ الرجل الذي يتودد إليها أخيرًا" على مر السنين ، أصبحت الصورة واحدة من أشهر صور القبلات ورمزًا لجرأة الشباب والعاطفة والموت. 

تذكر ليندا كريستيان هذه اللحظة:

"كان لدي إحساس غريب بهذه القبلة. كان الجو باردًا ، بدا وكأنه مومياء ، رمادية ، أشين ، كما لو كان مشدوها كانت لديه عيون شخص تعرض لصدمة شديدة".

تقول روزا يس "هناك نظرية قديمة ترى أن الأنفاس هي التي تجعل الروح متماسكة باقية. هذه الفكرة المخزّنة في اللاشعور أثناء التقبيل، تجعل تبادل النفس يخلق ارتباطاً غريباً. القبلة إذان تزاوج أرواح فتغدو القبلة أهم بند من بنود الحب والمتعة واللذة ".

وهو ما يحقق المثل القائل" القبلة هي الشيء الوحيد الذي لا تستطيع أن تأخذه دون أن تعطيه، أو تعطيه دون ان تأخذه".