رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رائدة كتابة المسكوت عنه.. من هي أليفة رفعت التي يحتفل «جوجل» بميلادها؟

أليفة رفعت
أليفة رفعت

احتفل محرك البحث العالمي جوجل٬ بالذكري الـ 91 لميلاد الكاتبة القاصة الروائية المصرية أليفة رفعت٬ والتي ولدت في مثل هذا اليوم من العام 1930 ورحلت عام 1996 عن عمر ناهز السادسة والستين٬ مخلفة ورائها إرثا أدبيا وإبداعيا كبيرا، حيث نُشر لها حوالي 90 قصة في المجلات العربية والمصرية والدوريات الأدبية المختلفة، وأُذيع لها الكثير من قصصها بالإذاعة المصرية، وبعض القصص نشرت بمجلة "هنا لندن" وأذيعت بالإذاعة البريطانية.

صدر للكاتبة أليفة رفعت باللغة الإنجليزية مجموعة عن دار "كوارتيت" وعن دار "هاينمان" تحت اسم "منظر بعيد لمئذنة"، وصدر لها باللغة الألمانية مجموعة بعنوان "منصورة"، كما نشرت قصصها بمجلة "فكر وفن" الألمانية.

وصدر لها رواية تاريخية عن دار الهلال بعنوان "جوهرة فرعون".ولها رواية بعنوان "بيت في أرض الموتى"، وأخرى بعنوان "كاد لي الهوى" لم ينشرا حتى الآن للأسف. يقول أحمد بهاء الدين عن أدبها: "خـير ما كُتب عن المرأة المصرية حتى الآن خصوصاً الفلاَّحة والعاملة البسيـطة".

أمَّا المستشرق والمترجم دنيس جونسون دافيز٬ فقال عنها إنها: كشفت النقاب عن وجه جديد للمرأة العربية. وقال د. ناجي نجيب أستاذ الأدب العربي بألمانيا، ومترجم الألمانية المعروف: ما يميز قصصها هو البعد عن الافتعال والركاكة الرومانسية الصاخبة والإحكام في الروي. وقالت الناقدة الإنجليزية جان موريس: ناعمة وخطيرة مع المخلوقات، وأدبها يدور حول الجنس والموت.

يتابع الكاتب محمد عبد الهادي شهادته عن الكاتبة أليف رفعت: أليفة رفعت من مواليد قرية الزهراء مركز الزقازيق شرقية، تزوجت وعاشت في القاهرة في كنف أسرة ناجحة، زوجة للواء شرطة، وأم لطبيبة ومهندس ميكانيكا ومهندس بالقوات المسلحة، رحلتْ عن الحياة عام 1996، والمعروف عنها أنها سافرت لدول كثيرة منها انجلترا وألمانيا وكندا والمغرب وتونس والنمسا وقبرص وتركيا والسعودية، وأدّت مناسك الحج، وترجمت أعمالها للانجليزية والألمانية والسويدية والهولندية.

ــ لماذا كانت أليف رفعت كاتبة مثيرة للجدل؟
عن هذا السؤال يجيب الكاتب محمد عبد الهادي في تصريحات خاصة لــ "الدستور": كانت في شبابها ترغب في الالتحاق بالجامعة، لكن والديها أجبراها علي الزواج، ولعل هذه الحادثة كان لها تأثير كبير علي كتاباتها التي كانت صرخة احتجاج علي معاملة المرأة وحرمانها من اختيار حياتها.

ولقد وصف البعض أدبها بأدب "الاحتجاج"، لقد تناولت حالة الوحدة عند النساء، والفصل الحاد بين عالم المرأة والرجل، ودعت لاحترام رغبات المرأة الجنسية، وتناولت السحاق في أعمالها واتخاذ الحبيبة بدلًا من الزوج، وفضول المراهقين والمراهقات لاكتشاف وظائف الأعضاء لدى كل منهما، وأدى هذا التناول في قصصها لمهاجمتها لما في كتاباتها من تحدٍ للتقاليد السائدة. 

توفي زوجها وهي في سن 48، وهي من قبل ومن بعد امرأة مبدعة، تتناول ما هو مسكوت عنه في حياة المرأة (المهمّشة) إبداعًا قصصيًّا، والمفارقة التي نستطيع الإشارة إليها هنا بأسف، أن أليفة رفعت، ككاتبة وأديبة متميزة، ظلت أيضًا في الهامش، بالنسبة لمبدعي ومبدعات جيلها عامة، بل وتم نسيانها، وربّما إسقاط اسمها كلية، من الحياة الأدبية المصرية.

وأضاف: "أشهد في حدود علمي ومتابعتي، أنني لم أجد إشارة لها، أو اهتمام بكتاباتها، من ناقد متخصص بعد رحيلها، أو محورا عنها يتناول بالنقد والتحليل إبداعاتها في مجلة أدبية أو دورية متخصصة، كإعادة قراءة أو تقييم لتجربتها في القص، وبالتالي كان طبيعيًّا ألاّ يلتفت أحد لتكريم اسمها في أي محفل أدبي يتم فيه تكريم من هن، أو هم، أقل شأنا منها، بل وأكاد أجزم أن الأجيال الجديدة من كتّاب السرد، بشتّى أنواعه، ربّما لا يعرفونها، وبالتالي لم يطلعوا علي إبداعها، الذي اختفى مع مرور السنوات من مصادر طباعته، بل ولا أعرف أي أحد من أبناء أسرتها أهتم بتراثها الأدبي، بإحيائه وتجميعه، أو إعادة طباعته، ليكون متوفرًا للقراء والباحثين، أو حتى محاولة نشره مرّة أخرى، وهذا ليس من الأمور الصعبة، علي وسائل الاتصال الحديثة علي مواقع شبكة النت، كمواقع الكتب الالكترونية الأدبية الشهيرة وغيرها، وكأنه لا يكفي ما لاقته كاتبتنا من هجوم واتهامات سلبية علي إبداعاتها أثناء حياتها الأدبية، بل ويتواصل هذا الإمعان بالتجاهل والنسيان بعد رحيلها، لتدخل ـ هي وما أبدعته ـ في ليل الشتاء الطويل ـ حسب عنوان مجموعتها القصصية التي أهدتها لي".

ــ أليفة رفعت رائدة كتابة المسكوت عنه 
ويلفت محمد عبد الهادي إلي: ولعل أليفة رفعت كانت من أوائل الأديبات التي اقتحمت بقلمها هذا المحظور، أو المسكوت عنه، حتى حينه، في عالم نساء الهامش، متسلحة بموهبتها وقدرتها ومعرفتها الصادقة ببنات جنسها، بل ـ ربّما ـ رغبتها كأديبة في التميّز عن غيرها في مجال هي الأقدر علي اقتحامه، ومعرفتها المسبقة بما قد يوجه لها ولأدبها من اتهامات، فمهدت الطريق لمن جئن بعدها وتناولن نفس القضايا في إبداعهن وربما تفوقن عليها، وكن أكثر جرأة منها، وهن يقتحمن أماكن وموضوعات إبداعية أخرى شائكة في حياة المرأة المصرية.

والحقيقة أن الطريق الذي سلكته أليفة رفعت في إبداعها آنذاك، لم يكن سهلًا معبدًا، لقد تناولت كثير من الأقلام الصحفية والأدبية إبداع أليفة رفعت المغاير، والفاضح، والجرئ، بصورة سلبية، متهمة إيّاه بالركاكة والسطحية والمباشرة، أو البعد عن الموضوعية، خاصة عندما يتناول حياة المرأة الشرقية، المصرية تحديدًا هنا، بصورة معينة لا تكذب ولا تتجمل، صورة كما ادّعوا تروق للغرب، ومن أجل الغرب، الباحث عن الغموض والإثارة في مخادع الحريم، ولهذا سعى لترجمة أعمالها التي تسيء لحقيقة وضع المرأة العربية، الذي يرونه من وجهة نظرهم، أفضل مما هو عليه في قصص أليفة رفعت.

والسؤال الذي يطرح نفسه في مواجهة هذا الاتهام غير الدقيق، والمبني علي افتراضات أخلاقية غير صحيحة في الغالب الأعم: ماذا يعني لو أن أدب أليفة رفعت لم يتعرّض لهذه القضايا الإنسانية في حياة المرأة / كنوع من الأساس؟ هل ستختفي هذه القضايا من تلقاء نفسها، وتقل معدلات الطلاق المفزعة التي وصل إليها المجتمع، فتصير كما نعامة تدسّ رأسها في الرمال؟ وهل وظيفة الأدب، ومنه ما سطرته كاتبتنا إبداعًا في قصصها، تجميل الواقع بما ليس فيه، ونقل صور كاذبة ومزيفة له، بحجة أن تناوله بالصراحة أو الوضوح، أو حتى بالغموض الفنّي، يسئ لوضع وصورة المرأة المصرية خاصة والعربية عامة؟ وكيف يكون تقييمنا لهذه الكتابات، لو أن هذه الأقلام، التي هاجمتْ أليفة رفعت في الماضي، تناولت هذه القضايا الآن، وبعد مرور كل هذه السنوات علي رحيلها، وتناسي ونسيان ما أبدعته، خاصة مع تعدد وانتشار كاتبات هذا الأدب، أو "الاتجاه الطاغي" كما قال وديع فلسطين مسبقًا؟.. ماذا ستكتب هذه الأقلام عن أدب أحلام مستغانمي وليلى العثمان ورجاء الصانع وفضيلة الفاروق وسلوى النعيمي وسمر يزبك، وغيرهن العشرات من الكاتبات المبدعات العربيات اللائي تناولن المرأة العربية في كلّ حالاتها وأخص خصوصياتها؟.

لقد بدأت معرفتي بأدب أليفة رفعت من خلال قصة قصيرة قرأتها مصادفة في مجلة الدوحة القطرية، في ثمانينيات القرن الماضي، الإصدار القديم الذي كان يترأس تحريره الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش. كانت القصة المنشورة بالمجلة بعنوان "في موسم الياسمين"، قصة تتحدث عن سيدة صعيدية فقدت زوجها فجأة، تتناول معاني الفقد وطقوسه في بيئة ريفية صعيدية، ومشاعرها الأنثوية المتقلبة كزوجة المصاحبة لهذا الفقد، تزامنًا مع طقوس الغُسل والتكفين والجنازة، وحالة البرود واللامبالاة التي سيطرت عليها إزاء فقدان رجل لم يقدم لها طوال حياته الزوجية شيئًا طيبًا يحرك مشاعرها تجاهه، قصة بديعة غاية في الجمال رغم موضوعها الشائك والحزين. 

لا بد أنني قرأت هذه القصة أكثر من مرة، وهذا ما دعاني فيما بعد للبحث عن إبداعات أليفة رفعت وكتاباتها، وتمكنت من معرفة رقم هاتفها التليفون الأرضي آنذاك، واتصلت بها مترددًا كشاب في أول مراحله الأدبية، وتحدثت معها متهيبًا متلعثمًا، حول قصصها من ناحية، وحول قضايا الأدب بصفة عامة، مما جعل المكالمة تطول، ولا تنتهي سريعًا كما توهمتُ، ووعدتني في نهايتها بأن ترسل لي كتبها بالبريد، بعد أن دونت عنواني البريدي عبر التليفون.

بالفعل، أهدتني بعض كتبها مرسلة إيّاها لي عبر البريد، ومنها مجموعة "في ليل الشتاء الطويل"، هذا غير إصداراتها الأخرى التي ترجم بعضها لعدد من اللغات الأوروبية. صدر لها من المجموعات القصصية: ـ حواء تعود بآدم 1975 ـ من يكون الرجل 1981 ـ صلاة الحب 1983.