رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتوغرافيا حياتنا؟ (تصوير ما لا نراه 2)

لطالما استخدم التصوير الفوتوغرافي باعتباره أسلوبًا موضوعيًا للملاحظة الدقيقة في التجارب العلمية، متحررًا من احتمال حدوث الخطأ البشري الذي يحدث في الطريقة القديمة لرسم الملاحظات التجريبية.

على سبيل المثال، عام 1878، حسمت الصور التي التقطها إيدويرد مويبريدج لحصان متحرك نزاعًا طويل الأمد حول ما إذا كانت أقدام الحصان الأربعة جميعها تبتعدعن الأرض في نفس الوقت.

 

صور تحليل الحركة Eadweard J. Muybridge

 

كذلك، تُظهر التعريضات التي تستمر لساعات والتي تلتقط عبر الكاميرات التلسكوبية تفاصيل فلكية لا يمكن رؤيتها فتسجل مجرات تقع على بعد أربعة مليار سنة ضوئية من الأرض، كما في صور مرصد شاندرا للأشعة السينية التابع لناسا واكتشاف كوكب بلوتو.

 

 

صور مرصد شاندرا للأشعة السينية التابع لناسا

صور مرصد شاندرا للأشعة السينية التابع لناسا
صور مرصد شاندرا للأشعة السينية التابع لناسا
صور مرصد شاندرا للأشعة السينية التابع لناسا

وفي عام 2017 اصطدم نجمان واستخدم الباحثون بقيادة جامعة نورث وسترن تلسكوب هابل لالتقاط أول صورة بصرية للاندماج النيوتروني لنجمين بعد أن تلاشى الانفجار اللامع إلى اللون الأسود ما عرف باسم مشروع ما بعد الوهج (afterglow - the last bit of the famed event’s life cycle).

صور اصطدام نجمين 2017

 

علي الجانب الآخر  بمقياس آخر من الزمان والمكان، يمكن للتصوير الفوتوغرافي جمع البيانات التي لا تستطيع العين البشرية رؤيتها على الإطلاق، مثلا في عام 1932، التقطت واحدة من أولى الصور التي تظهر وجود النيوترون، والتي اكتشفها جيمس تشادويك في مختبر كافنديش في كامبريدج. التقط الصورة عالما الفيزياء الفرنسيان إيرين كوري وفريدريك جوليو، وفي عام 1942 صورت الفيروسات. 

 

الصور الأولي للنيترون

في عام 1952 كشف التركيب الدقيق لجزيئات الحمض النووي المتشابكة- وهو ما نعرفه الآن باسم الحلزون المزدوج، ساعدت الصورة الرائدة التي التقطتها عالمة الكيمياء الفيزيائية روزاليند فرانكلين، التي لم تحظ بالتقدير خلال حياتها، على تغيير علم الوراثة.

الحلزون المزدوج 1952

عملية التقاط الصور بالمجهر تتطلب مهارة عالية التخصص تستغرق سنوات عديدة من الممارسة لتحقيق نتائج جيدة. لكن الكاميرات الرقمية غيرت ذلك إلى حد كبير، حيث تسمح مشاهدة النتائج الفورية بتصحيح الأخطاء آنيًا، أول من اقترح إمكانية التصوير المجهري كان توماس ويدجوود (1771 - 1805) في مقالته الشهيرة عام 1802 "وصف لطريقة نسخ اللوحات على الزجاج"، والتي نُشرت في مجلات المؤسسة الملكية، حيث وجد أن صورة الأجسام الصغيرة، التي تنتج بواسطة المجهر، يمكن نسخها دون صعوبة على ورق مُجهز.

 

 

 

صورة مجهرية لخلايا كائنات حية
صورة مجهرية لخلايا كائنات حية

 

خلية القرنبيط

 

يمكن للعين البشرية، رغم كونها مبهرة في تعقيدها، أن ترى نطاقًا محدودًا فقط من الطيف الكهرومغناطيسي بأكمله، تعد الأشعة تحت الحمراء طاقة مشعة غير مرئية ذات أطوال موجية أطول من الضوء العادي وتمتد فقط عبر الحافة الحمراء للطيف المرئي، تُقاس هذه الأطوال الموجية بالنانومتر.

يمكن استخدام صور الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، التي تكشف عن الأطوال الموجية غير المرئية للضوء، لأغراض عديدة بما في ذلك علم الفلك والطب، واكتشاف الشقوق في الأنابيب في جميع هذه الحالات يمكن بسهولة تبادل الأدلة والنتائج التجريبية بين العلماء باستخدام الصور.

 

 

التصوير بالأشعة فوق البنفسجية

 

التصوير بالأشعة تحت الحمراء
التصوير بالأشعة تحت الحمراء

الشروع في رحلة التصوير بالأشعة تحت الحمراء يفتح عالمًا جديدًا من فرص التصوير الفوتوغرافي. في حين أن التصوير بالأشعة تحت الحمراء قد يبدو تقنيًا للغاية، وغريبًا بعض الشيء، لكن العملية بسيطة للغاية خاصة في الوقت الحاضرعصر التصويرالرقمي، لم يكن الأمر سهلًا من قبل مع استخدام الأفلام الحساسة، كان التصوير بالأشعة تحت الحمراء عملية معقدة وتستغرق وقتًا طويلاً.

هناك طريقتان للتصوير بالأشعة تحت الحمراء رقميًا، إما باستخدام كاميرا DSLR عادية مع مرشح Hoya R72 (أو ما يعادله) فجميع الكاميرات الحديثة مزودة بفلتر لحجب الأشعة تحت الحمراء وباستخدام مرشح R72 خارجي، يُحجب الضوء المرئي بحيث تمر الأشعة تحت الحمراء فقط إلى الوسيط الحساس وهو ما يحتاج لزيادة وقت التعريض واستخدام حامل والطريقة الثانية باستخدام كاميرا حولت خصيصًا للتصوير بالأشعة تحت الحمراء فقط.

يواصل العلماء والمهندسون اليوم العمل معًا لتطوير تقنيات تصوير علمية أكثر قوة، الأشعة السينية  في المستشفيات هي في الحقيقة صور فوتوغرافية بأشعة إكس بدلاً من الضوء المرئي، والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، الذي يقيس المجالات المغناطيسية لجزيئات الأكسجين في أعماق أنسجة المخ من أجل تتبع نشاط الدماغ، والفحص المجهري للقوة الذرية ( AFM)، والذي يستخدم أشعة الليزر المنعكسة لرسم خرائط للأسطح الدقيقة المعقدة لذرات الكربون المرتبطة.

أنتجت شركة  HyperCam كاميرا تستخدم كلاً من الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء  لتصوير الطبقات تحت جلود الكائنات الحية، ليس هذا فقط بلورت أيضًا برنامجًا ذكيًا يجد بسهولة الاختلافات "الخفية" بين ما تلتقطه الكاميرا الفائقة الطيفية وما يمكن رؤيته بالعين المجردة، فتعمل الكاميرا علي تكوين أنماط تُظهر لأعيننا ما ينقصها في كل صورة، إذ تكون صورة من 17 طول موجي مختلف، ثم يختار برنامجها المتكامل أفضل الأجزاء من كل صورة لتلائم معًا الشكل الكلي، عبر تمييز أجزاء الصورة التي تُظهر أشياء لا تدركها العين عادةً. يمكن لـ HyperCam رؤية الأوردة تحت جلد الإنسان. يمكن استخدام أنماط الوريد هذه، جنبًا إلى جنب مع صور الكاميرا فائقة التفصيل لأنماط سطح الجلد، لأغراض تحديد الهوية. 

 

تكشف صور HyperCam (على اليمين) عن أنماط مفصلة من الوريد ونسيج الجلد فريدة لكل فرد.

في تجربة شملت 25 شخصًا، تمكنت HyperCam من مطابقة صور الأيدي بدقة تزيد عن 99 بالمائة. يشير هذا المستوى العالي من الدقة إلى أن HyperCam يمكن أن يكون لها استخدامات في تجارب أكثر تقدمًا باستخدام أنماط الجلد لإلغاء قفل الهواتف الذكية.

يتجاوز التصوير الفوتوغرافي رؤية العالم كما نعرفه فالصور المألوفة لا تحركنا عادة لأننا رأينا العالم بهذه الطريقة من قبل الصور التي تحرك مشاعرنا وتثير عقولنا، هي التي تُظهر لنا العالم كما لا نراه وتُظهر لنا طريقة أو زاوية، أو فهمًا جديدًا.