رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: إلى مناضلى المظاهرات.. لا أراكم الله مكروهًا فى قضية لديكم

محمد الباز
محمد الباز

كتب أحدهم «لولا ما جرى على الإخوان المسلمين بمصر من الظلم والأسى، لكانت شوارع القاهرة والإسكندرية اليوم تهتف: ع القدس رايحين... شهداء بالملايين».

ورغم أننى لا أصدق أى إخوانى فى أى شىء يقوله، فإننى أصدق الذى يتحدث هنا، عن أنهم لو كانوا لا يزالون بيننا، لخرجوا فى مظاهرات، وأشعلوا الشوارع بالهتافات الحماسية، كنا سنرى اللافتات الضخمة والبكائيات التى لا تنتهى، والصور التى تعبّر عن المأساة. 

لكننا أيضًا كنا سنرى نهاية المشهد كما كان ينتهى كل مرة.. إلى لا شىء.. لا شىء على الإطلاق. 

بعد أن تنتهى المظاهرات وتخفت الهتافات وتنكّس اللافتات وتبهت القصص وتختفى الصور، لا شىء يتغير، بل إن الذين أحاطت بهم التجربة القاسية لا يحصلون إلا على بعض العبارات الإنشائية التى لا تطفئ نارهم ولا تجفف دموعهم، ولا تصلب ظهورهم ولا تُنهى أوجاعهم. 

لا أُخفيكم سرًا أننى كل صباح تزداد ثقتى بأن ما فعلناه فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كان هو الصواب الكامل، فعندما قرر الشعب المصرى إزاحة جماعة الإخوان من حياتهم وليس من الحكم والسياسة، كان يتخلص من عبء ثقيل، تسبب فى تأخرنا وتدهورنا وتعطيلنا لعقود طويلة. 

لقد ظلت القضية الفلسطينية «سبوبة» جماعة الإخوان الإرهابية الكبرى، والتعبير دقيق ولا يفارق الحقيقة، وأقول سبوبة لأنها لم تكن مصدرًا للكسب السياسى فقط، بل كانت مبررًا لهم جمعوا من خلالها مليارات من أموال التبرعات، وهى المليارات التى لا يعرف أحد أين ذهبت، ولا مَنْ انتفع بها، وإن كانت كل المؤشرات تقودنا إلى أن الجماعة الإرهابية أنفقتها على أنشطتها التى لم تكن فى مصلحة أحد، إلا انتشارها وتوسعها وسيطرتها وخداعها للناس. 

لقد أنهت الدولة المصرية المستقرة الآمنة أسطورة الجماعة الإرهابية التى بنَتها فى سنين، وهى الأسطورة التى كانت تقوم على أنها الجماعة الوحيدة التى تناضل من أجل القضية الفلسطينية، تناصرها وتدافع عنها، وتهتف من أجلها. 

كان يمكن لمصر أن تكتفى، كما فعل الآخرون، بإصدار بيانات شجب وإدانة لما يحدث فى غزة، لكنها صنعت لنفسها طريقًا آخر، تحركت على الأرض من خلال وفد أمنى رفيع المستوى، تحدث وفاوض وضغط، واستغل كل الأوراق المتاحة، بالتوازى تم تقديم الدعم اللازم، قوافل غذائية وطبية ووقود، وفتح المستشفيات لاستقبال الجرحى والمصابين، وأطباء متطوعين لإسعاف أهلنا الفلسطينيين، وفتح معبر رفح لاستيعاب الموجوعين والمطاردين، ثم تخصيص ٥٠٠ مليون دولار لإعادة إعمار ما تم تخريبه وهو كثير. 

فعلت مصر كل ذلك دون هتاف، دون شعارات، دون مزايدات، وأعتقد أن ما فعلته يُنهى عصر النضال بالهتافات، فالدول الكبيرة لا تعرف الكلام بقدر ما تعرف الفعل. 

بعد كل ذلك تجد من تعفّن فى أفكاره وسلوكه، ويقول إننا كنا فى حاجة إلى مظاهرات وتجمعات حاشدة من أجل فلسطين، وتجد من يعتقد أن النصرة لا تأتى إلا من خلال الأغانى والأوبريتات الباكية. 

نسى هؤلاء أن المظاهرات ما كانت تخرج إلا من أجل الضغط على الأنظمة للتحرك، واتخاذ موقف، والتصرف على الأرض، ورغم أنها كانت حاشدة وساخنة وحماسية فإنها لم تكن تحقق شيئًا على الأرض، إلا أنها لم تكن تنقطع. 

الآن تحركت الدولة، أخذت موقفًا، أثبتت أنها تعرف خطواتها جيدًا، جاء ما فعلته بنتائج عظيمة، فما حاجتنا إلى مظاهرات أو هتافات أو شعارات. 

لقد تغيّرت مصر... لكن هناك من لا يريد أن يقتنع بذلك، وهؤلاء لا خير فيهم ولا منهم... ولا بقاء لهم، فالبقاء لمن يدركون حقائق الأمور ويتفاعلون معها