رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف غيرت الفوتوغرافيا حياتنا (هل أثر ظهور الفوتوغرافيا علي الفن)

في الواقع ثمة تأثير متبادل ما بين الفوتوغرافيا والفن التشكيلي، فمنذ نشأة الفوتوغرافيا ولها دورعظيم في التأثير علي الفن  في القرن السادس عشر وبإختراع كاميرا الغرفة المظلمة  تمكن الرسامون الهولنديون من رسم صور للمناظر الطبيعية ،باستخدام عدسات مكبرة من أجل نقل التأثير الواقعي لموضوعاتهم المرسومة .              

تألفت الغرفة المظلمة من حجرة مضادة للضوء ومن خلال ثقب صغير جدا يواجه المنظر المطلوب نقله بحيث  تنعكس صورته  علي الجدار المقابل مقلوبة ومعكوسة وبذلك تمكن الفنانون أن ينقلوا تفاصيل المنظر المصور بدقة
بعد اكتشاف الداجيرو تايب انتشرت الفوتوغرافيا ومنذ ذاك الوقت وثمة نزاع ما بين التصوير الزيتي والفوتوغرافي  ، كانت اللوحات منتشرة ما بين قصور النبلاء وكان الفنانون قادرون علي رسم لوحات شديدة الواقعية عالية الجودة من حيث اللون والتكوين والمنظور ، لكن الفوتوغرافيا تفوقت في كونها أقدر علي نقل التفاصيل وتمثيل الواقع كما أنها شعبية فلم تكن يوما فن النبلاء وطبقة القصور وهي نقطة جعلت الفوتوغرافيا أكثر تميزا من الرسم 
أثر الإنتشار السريع للفوتوغرافيا  تدريجيا علي الشكل الأكاديمي للفن وتسبب في تغيير شكله ومفهومه فلقد أثرت فعليًا على رسامي البورترية فلم يعد داعي لاستغراق الوقت في رسم بورترية بينما يمكن تصويره في دقائق  ،اعتبر العديد من الرسامين  أن الفوتوغرافيا هي تهديد لرسوماتهم الزيتية، وهو ما دفعهم للتشدد في نقل التفاصيل والاستغراق في الواقعية الشديدة معاندين الوسيط الجديد القادم بقوة  مثل لوحات ديفيد آنجرز  ذات الواقعية البصرية والتفاصيل الدقيقة لتنافس الصور الفوتوغرافية الصغيرة 
 


 

(David d'Angers)


في الوقت نفسه عمل الفوتوغرافيون   فى استوديوهات البورتريهات لدي الفنانين كمنقحي صور أو لعمل دراسات فوتوغرافية حول الأشخاص والمناظر الطبيعية قبل رسمها وهو ما دفع الفوتوغرافيون للتأثر باللوحات ذات الحجم الكبير والتفاصيل الدقيقة ومالوا لاستعارة موضوعات من الفنانين الزيتين المعاصرين فاحتوت صورهم الفوتوغرافية علي موضوعات مسرحية قصصية أو أسطورية  وكانت صورهم سابقة الإعداد         بدأت مجتمعات التصوير الفوتوغرافي تتشكل في منتصف القرن التاسع عشر ، مما أدى إلى اعتبار التصوير الفوتوغرافي وسيلة جمالية. في عام 1853 ، شكلت جمعية التصوير الفوتوغرافي ، وهي النواة الأساسية لجمعية التصوير الملكية الحالية ، في لندن ، وفي العام التالي أسست Société Française de Photography في باريس. قرب نهاية القرن التاسع عشر ، إلى جانب هذه المنظمات ، ظهرت أيضًا المجلات التي تروج للتصوير الفوتوغرافي كفن. 
بدأ العديد من المصورين في الجمع بين عدة سلبيات لعمل صورة من طباعة واحدة. كانت تتألف من تراكيب اعتبرت معقدة للغاية بحيث لا يمكن تصويرها بطريقة مباشرة ، وبالتالي يخرج التصوير الفوتوغرافي إلى ما هو أبعد من كونه أداة ميكانيكية تنقل الواقع . ومن الأمثلة الشهيرة على هذا الأسلوب O.G. Rejlander ، فنان سويدي درس الفن في روما وكان يمارس التصوير الفوتوغرافي في إنجلترا. ضم  30 سلبيًا لإنتاج صورة واحدة طباعة 31 × 16 بوصة (79 × 41 سم) بعنوان طريقتان للحياة (1857) ، وهي صورة رمزية توضح طريق المباركة من خلال الأعمال الصالحة و العمل الملعون من خلال الرذيلة. ذكر Rejlander ، الذي وصف التقنية بالتفصيل في مجلات التصوير الفوتوغرافي ، أن هدفه كان أن يثبت للفنانين الإمكانيات الجمالية للتصوير الفوتوغرافي ، عُرضت الصورة في معرض كنوز مانشستر الفنية عام 1857 واشترتها الملكة فيكتوريا للأمير ألبرت 
 

 

1864. Oscar Gustave Rejlander 1813


 


حفزت تقنية Rejlander هنري بيتش روبنسون ، المصور المحترف ، لإنتاج صور مماثلة وأصبح روبنسون عضوًا بارزا في جمعية التصوير الفوتوغرافي ، عام 1869 تم نشر أول طبعات وترجمات لكتابه ، التأثير البيكتوري في التصوير الفوتوغرافي. استعار روبنسون الصيغ التركيبية للصور من الرسم ، مدعيا أن استخدامها سيحقق نجاحا فنيا. وشدد على أهمية التوازن والضوء مقابل الظلام. كان جوهر حجته هو أن القواعد الموضوعة لأحد أشكال الفن يمكن تطبيقها على شكل آخر. 
 

Henry Peach Robinson


 


علي الجانب الأخر لجأ الفنانون لكسر الواقعية واعلنوا ظهور حركة الفن الطليعي (Avant-grade Art) والتى كسرت القواعد التقليدية ،وأوجدت  لغة فنية جديدة وإبداع شكل جديد من الفن فظهرت مدارس الفن التشكيلي كما نعرفها الأن 
لم يكتفي الفوتوغرافيون بمنافسة الفن التشكيلي ولكنهم دعوا لثورة ضد تقليد الرسم الزيتي والدعوة لخلق صور فوتوغرافية جمالية مستفيدين من إمكانيات الطباعة والتعريض وتأثيرات المعمل  ، يعتبر  ألفريد ستيغليتز ، واحد من الذين ناضلوا من أجل خلق  مكانة للتصوير الفوتوغرافي بين الفنون خلال الجزء الأول من القرن العشرين .

 

alfred stieglitz
 


فأسس حركة أطلق عليها اسم انفصال الصور  نادت أن تكون الفوتوغرافيا فن من اجل الفن ، ونشر مجلة ، Camera Work (1903 - 17) ، والتي كانت منبر للرأي المستنير والفكر النقدي في جميع الفنون.      
 

 

alfred stieglitz

 


وروبرت ديماشي  الذي طور أساليب معالجات في المعمل لتحاكي الفوتوغرافيا اللوحات التأثيرية  
 

 

Robert Demachy



"وبمراجعة صور فناني التأثيرية أمثال إدجار ديجا Edgar Degas  يتضح استخدامه للصور الفوتوغرافية كأساس لرسوماته الراقصة وقد ساعدت الصور الفوتوغرافية على تكوين لوحاته وتفاصيلها وقطع الأجسام من الحافة هو تأثير مباشر للفوتوغرافيا علي لوحاته . ووفقا لوصف أعماله في الموقع الإلكتروي للمتحف الوطني للفن National Gallery of Art  "يتضح إهتمامه بالفوتوغرافيا عبر تحليل أسلوبه الفني حيث الحركة البانوراميةpan  والتأطير  frames ، واللقطات البعيدة والمقربة long shots and close-ups ، والحركة الرأسية والتحولات في التركيز tilts and shifts in focus  وقطع الأجسام ووضعها بعيدا عن المنتصف" 
 

Edgar Degas  
Robert Demachy       


سعياً لتحديد جماليات التصوير الفوتوغرافي ، طور يوجين أتجيت وأندريه كيرتيس وهنري كارتييه بريسون أساليب شخصية مميزة تعتمد علي الحدث والمنظور وزاوية الكاميرا 
  

André Kertész 
 Henri Cartier-Bresson


التأثير التاريخي للتصوير الفوتوغرافي على الفن لا يمكن إنكاره  لقد أتاح التقاط الصور الثابتة وسيطًا جديدًا لالتقاط الواقع ، وغير طريقة الناس والفنانين في رؤية العالم ، وطور الفنانون مجموعة من تقنيات الرسم الجديدة. وبدلاً من التنافس مع قدرة الصورة على تسجيل "لحظة الحقيقة" ، حرص الفنانون علي  تمثيل ما رأوه بطريقة مختلفة تمامًا 
لكن يكمن تأثير المدارس الفنية التشكيلية علي الفوتوغرافيا في جعل المصورين يتمردون علي الشكل الوثائقي التسجيلي للصورة  ويتطرقون لمجالات أكثر إتساعا ويجربون أساليب مختلفة تعتمد علي التطورات الجديدة التي حدثت للوسيط نفسه وهو ما سنتطرق اليه في مقالات قادمة.