رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على سعدة يكتب: تلوث سمعى.. وسمعك

على سعدة
على سعدة

استمعت واستمتعت منذ أيام بحديث تليفزيونى للصديق المحترم الأستاذ أيمن جبر، رئيس جمعية بورسعيد التاريخية.. وبأسلوبه المنمق السلس، روى لنا تاريخ المدينة الباسلة وأسباب اختيارها هذا العام عاصمة للثقافة فى مصر رغم حرمانها من المتحف القومى والاستيلاء على أهم أثر تاريخى «تمثال ديليسبس»، وكذلك إهمال أحدث وأشيك دار أوبرا فى مصر تكلفت مئات الملايين من الجنيهات، ويتم استخدامها حاليًا كأحد قصور الثقافة المهملة.
لفت نظرى فى حواره الشيق تحليله للشخصية البورسعيدية واستنكاره لوضعها فى قالب «أبوالعربى» الفيلم الشهير، وأضاف أن للمواطن البورسعيدى لغة خاصة و«لكْنة» وصوتًا مرتفعًا وهى ظاهرة عامة لمواطنى كل المدن الساحلية الواقعة على البحر المتوسط نتيجة تأثرهم بالصوت العالى الناتج عن تلاطم الأمواج بالقرب من الشاطئ.
توقفت قليلًا عند تلك الملاحظة الذكية. فالصوت العالى هو نوع من أنواع التلوث السمعى أو الضوضاء كما يحب البعض تسميتها.. وهو ظاهرة خطيرة تؤثر سلبًا على سلوكيات مجتمعنا الذى يفتقر كثيرًا «خاصة فى المدن» إلى الهدوء.
لا شك أن الصوت يكون جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.. قد يكون ممتعًا حين يمدنا بالألحان العذبة أو بالموسيقى الراقية أو بتغاريد الطيور الحالمة أو يكون مزعجًا مثل أبواق السيارات المستمرة دون داعٍ وأصوات القطارات وسيارات النقل والدراجات البخارية على الطرق الأسفلتية واحتكاك الإطارات بها وأزيز الطائرات المزعج للسكان بالقرب من المطارات أو من أصوات الميكروفونات المزعجة فى الأفراح والباعة الجائلين وما شابهها. وحمدًا لله أن اقتصرت الجوامع على إذاعة الأذان فقط بالميكروفونات وعدم إذاعة خطبة الجمعة بقرار جرىء وصارم من وزارة الأوقاف.
ومن الآثار الجانبية للتلوث السمعى مما سبق التوتر العصبى وفقدان السمع وعدم القدرة على التركيز فى الأمور الذهنية والشعور بالضيق وبالصداع وآلام الرأس.
وتقاس الضوضاء بوحدة قياس تسمى «ديسيبل» وتختصر بـ«دى بى»، والحد الأقصى الذى يمكن للإنسان تحمله هو من ٣٠ لـ٣٥ ديسيبل.
الكثير من الدول المتقدمة تتجه لاستخدام أنواع من الأسفلت يعمل على امتصاص الضوضاء لحوالى ٥ ديسيبل فقط.. كما تشترط تلك الدول لاستصدار تراخيص المبانى التعهد بعدم استخدام معدات أو مولدات كهربائية دون استخدام كاتم للصوت، وألا يتم استخدامها ليلًا أثناء أوقات نوم المواطنين، وتقوم بتثبيت أجهزة لقياس درجة الضوضاء ونسبة الأصوات وتقننها بحد أقصى مسموح به، وألا تعرّض المخالف لغرامات مالية عالية وقد تصل فى بعض الأحيان للحبس من وزارة البيئة تجنبًا للتلوث السمعى الذى يؤثر نفسيًا وعصبيًا على كل فئات المجتمع خاصة الأطفال وكبار السن.
وأتمنى ألا تكون صدمتك كبيرة عزيزى القارئ حين تعلم أن الضوضاء فى شوارع القاهرة تصل إلى ٩٥ ديسيبل.. أى ما يقارب من ثلاثة أضعاف المسموح به عالميًا كى يتحمله البشر.
أرى أنه لا بد من التدخل السريع من وزارة البيئة المصرية للحد من هذه الظاهرة المخيفة رحمة بجهازنا العصبى.
وبمناسبة التلوث السمعى انتشر منذ أيام على وسائل التواصل الاجتماعى خبر فحواه أن تركيا بصدد غلق قنوات التلوث السمعى ضد مصر وقائدها.. لا أعتقد فى صحة الخبر.. لكن، دون شك، ستقل النبرة العدائية تدريجيًا ما دامت النية تحسين العلاقات التركية المصرية.. وهنا لا بد من استعارة المثل الشعبى الدارج «يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش».. ولله فى خلقه شئون.