رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام.. والفصام البريطانى



هيئة تنظيم الاتصالات فى بريطانيا «OFCOM»، سحبت ترخيص قناة «سى جى تى إن» التليفزيونية الصينية العامة، الناطقة بالإنجليزية، بزعم أن برامج القناة تخضع لرقابة «الحزب الشيوعى الصينى» الحاكم، وتجاهلت قنوات «الجزيرة» و«العربى» و«الحوار»، مثلًا، التى تخضع لرقابة العائلة الضالة، التى تحكم قطر بالوكالة. كما فاتها أن شبكة «بى بى سى» ليست بعيدة عن سيطرة الملكة والحكومة والمخابرات البريطانية.
الهيئة البريطانية قالت، فى بيان، إن حقوق البث تم منحها لشركة «ستار تشاينا ميديا ليميتد»، لكنها «لا تمارس أى مسئولية تحريرية على المحتوى» الذى تبثه القناة، وأنه لم يكن ممكنًا نقل الترخيص إلى الكيان الذى يتحكم فعليًا فى القناة، لأنها «تخضع لرقابة الحزب الشيوعى الصينى» الحاكم، كما هدّدت بأنها ستطلق «قريبًا» آلية لفرض عقوبات ضد القناة الصينية بسبب تغطيتها، التى وصفتها بأنها «منحازة وغير عادلة ومخالفة لاحترام الخصوصية».
إجراء «أوفكوم» استند إلى اتهامها للقناة، فى يوليو الماضى، بأنها خرقت الحياد لدى تغطية قضية اعتقال صحفى بريطانى فى الصين. وإلى اتهام آخر بالانحياز، فى مايو، عند تغطية مظاهرات هونج كونج. وفى المقابل، استنكرت القناة قرار سحب ترخيصها، مؤكدة أنها أظهرت «موضوعية وعقلانية وحيادية» منذ انطلاقها سنة ٢٠٠٠، وأرجعت القرار إلى «تلاعب مجموعات من اليمين المتطرف وقوى معادية للصين». أما وزارة الخارجية الصينية، فلوحت باتخاذ إجراءات ضد شبكة «بى بى سى»، التى اتهمتها ببث أخبار كاذبة والتحيز الأيديولوجى.
المفارقة، أن بريطانيا، كانت ولا تزال، مرتعًا لقنوات تحت مستوى الشبهات، يديرها الإسرائيلى القطرى عزمى بشارة، والإسرائيلى البريطانى عزام التميمى وغيرهما. وكثيرًا ما أصدرت شبكة «الجزيرة» بيانات تشير فيها إلى أنها تعمل وفقًا للمعايير والقواعد التنظيمية البريطانية، وبأن كل خدماتها التليفزيونية مرخصة من «أوفكوم»، ما يجعل الشك فى إصابة تلك الهيئة بالفصام، أو الشيزوفرينيا، مبررًا، واتهامها بازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين، منطقيًا.
تقارير عديدة اتهمت «أوفكوم» بتوفير الحماية لـ«الجزيرة»، وتجاهل شكاوى وانتقادات وجهها سياسيون وإعلاميون فى بريطانيا ضد تلك القناة القطرية، التى تحولت إلى منصة دعاية لتنظيمات الإسلام السياسى فى أوروبا، ولا تخفى تعاطفها مع متشددين وإرهابيين توظفهم قطر كأدوات أساسية، وتنتهج سياسة تعكس نظرة إيجابية أو تعاطفًا خلال تغطياتها أخبار التنظيمات الإرهابية، بما فيها تنظيم داعش، الذى تصفه بأنه «منظمة»، وليس تنظيمًا أو جماعة إرهابية.
أبرز الاتهامات الموجهة للهيئة، التى يقال إنها مستقلة، تضمنتها شكوى رسمية تقدم بها عدد من السفراء العرب، فى ٣ سبتمبر ٢٠١٧، استندت إلى لوائح تنظيم البث الإذاعى والتليفزيونى فى أوروبا، وطالبت بالتحقيق فى خمس نقاط محددة متصلة بتغطيات موثقة بالتواريخ والأحداث وطريقة تعامل قناة «الجزيرة» معها.
فى ١٥ ديسمبر ٢٠١٥، أذاعت القناة نقاشًا تحت عنوان «خطر المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش على دولهم»، تضمن مقطع فيديو لمتحدث باسم التنظيم يدعو فيه أنصاره فى أوروبا إلى شن هجمات على غير المسلمين، وإلى استهداف الأمريكيين والفرنسيين. وفى حلقة من برنامج «الاتجاه المعاكس»، أذيعت فى ١٣ سبتمبر ٢٠١٦، قام مقدم البرنامج فيصل القاسم وضيفه عبدالمنعم زين الدين، الذى وصفه بأنه «أحد قادة المعارضة السورية»، بالتحريض على الشيعة.
النقاط الخمس تضمنت، أيضًا، تقريرًا بثه تنظيم داعش يوم ١١ أبريل ٢٠١٧، يظهر عمليات قنص لجنود مصريين فى سيناء. كما أذاعت القناة تقريرًا آخر يظهر تفاصيل إطلاق الرصاص على جندى مصرى إلى جانب قتل مدنى آخر ذبحًا، وتبنى التقرير مزاعم التنظيم بأن ذلك يأتى ردًا على قيام المدفعية المصرية بهدم المنازل على رءوس أطفال سيناء!
سقطات أكثر من هذه، ارتكبتها هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»، التى يواجه رئيسها الجديد، ريتشارد شارب، أكبر تحديات تهدد مستقبل الهيئة منذ تأسيسها. ولظروف المساحة، لن نتوقف عند تلك السقطات، مكتفين بالإشارة إلى أن سجلات بريطانية رسمية أظهرت أن «شارب» تبرع بأكثر من ٤٠٠ ألف جنيه إسترلينى «حوالى ٥٥٠ ألف دولار أمريكى» لحزب المحافظين الحاكم، إضافة إلى أنه كان مستشارًا لوزير المالية، حين اختارته الحكومة، كما جرت العادة، رئيسًا لمجلس إدارة الهيئة، وبصمت الملكة على قرار تعيينه، ما ينسف مزاعم استقلال الهيئة، التى يتم تمويل قناتها المحلية من خلال رسوم، تقوم الحكومة بتحصيلها من المواطنين، بينما تقوم وزارة الخارجية بتمويل القنوات الموجهة، الناطقة بلغات مختلفة.
الشبكة البريطانية، إذن، ليست بعيدة عن سيطرة الملكة والحزب الحاكم والمخابرات البريطانية. بالضبط، مثل «الجزيرة» وأخواتها، وكل قنوات العائلة القطرية الضالة، المنتشرة على نطاق واسع فى بريطانيا، ويستطيع البريطانيون والمقيمون مشاهدة نسختيها العربية والإنجليزية، عبر أجهزة البث المحلية، دون الحاجة إلى أجهزة بث متصلة بالقمرين نايل سات أو عرب سات.