رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمال صحراء مصر.. المثقال بدولار



عندما تعامد عقربا الساعة، عند منتصف ليل اليوم الأخير من شهر ديسمبر، انطلقت واحدة من روائع الألعاب النارية والأضواء الراقصة، فوق كوبرى «تحيا مصر» بالقاهرة، احتفالًا ببدء العام الميلادى الجديد.. قامت على تنظيمها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية UMS.. قال البعض إنها تكلفت كثيرًا، وكان الأولى بهذه الأموال، أن تكون دعمًا فى مواجهة الموجة الثانية من كورونا!.. فكان هذا البعض مثل عواجيز الفرح.. كانوا كالأنعام، بل أضل.. لأنهم تناسوا المرامى والأهداف التى وقفت وراء تنظيم هذه الاحتفالية الرائعة ورسالتها إلى أصقاع الدنيا.
كل عواصم العالم تقيم مثل هذه الاحتفاليات، ونحن فى مصر، كنا نخوض التجربة الأولى لنا بهذه الاحتفالية، كمدن العالم المتحضر.. ليس لأننا نبعثر الأموال، بل لنجنى مزيدًا من هذه الأموال.. كيف؟
أرادت مصر أن تكون حاضرة بقوة، وعبر شاشات العالم، حيث المراسلون الأجانب ينقلون الحدث، لتقول للعالم «أنا هنا»، حيث لا خوف ولا ضعف، بل أمان وقوة.. أنا مصر الحضارة والحداثة، أنا مصر المنارة والسياحة.. فهل تتوافر لمصر مثل هذه الفرصة لتضيعها، دون أن تمارس دعاية سياحية عن نفسها، وعلى أوسع نطاق؟.. شكرًا لمن فكر ودبر، ووضع القاهرة فى بؤرة إدراك العالم، مع الدقائق الأولى للعام الجديد.
على كلٍ.. دعونى ومع نهاية الأسبوع الأول من العام الجديد، أقر بأنه يملأنى الأمل والتفاؤل، المبنى على يقين، من قراءة الواقع، بأن مصر ستكون بخير، بل إنها ستبدأ جنى ثمار إنجازها التنموى، الذى بدأته قبل بضع سنين.. أقول بملء الفم، ذهبت السنون العجاف، وستأتى السنوات السمان.. تلك التى سينعم فيها المواطن بنتاج صبره وتحمله، وتقديره لتبعات الإصلاح الاقتصادى، الذى خاضته الدولة، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعلم ورؤية ثاقبة، ورباطة جأش، تجاه كل دعاوى المشككين والمحرضين.
ستقول بأنى أسبح فى الخيال.. فأرد على الفور: لا.. بل هى، وكما قلت، قراءة للواقع.. ومن لا يدرك ما حدث على أرض مصر، فهو الأعمى الذى لا يُبصر، أو من يرى ولكنه يُنكر، لحاجة فى نفسه، لن يقضيها الله له، ولن ينعم بما كان يريده لمصر من ضعف وانحلال، واضمحلال وانهيار.. وتعالوا نقرأ ما حدث، بعيدًا عن الأرقام.. فقط، دعونا نرَ الآثار التى أصبحت على الأرض.
أين ذهبت العشوائيات؟.. راحت إلى غير رجعة، عندما آمن الرئيس بأن من حق المواطن أن يكون كريمًا فى مسكنه، آمنًا فى بيته، لا تتهدده مخاطر الانهيار أو الانجراف.. استوعبت المجتمعات العمرانية الجديدة، كل أهالينا، الذين سكنوا المناطق الخطيرة، أو الفقيرة وغير الآدمية.. انتقلوا إليها، وقد أصبحوا آمنين هانئين، بما أفاض الله عليهم، وحققته لهم الدولة، من مسكن كريم، استشعروا فيه، وربما لأول مرة، أنهم آدميون.. وذلك استثمار فى البشر، لا يدركه إلا من عرف أن نهضة أى أمة لا تبدأ إلا بمواطنيها، عندما تتحقق لهم معانى المواطنة الحقيقية، من مسكن ملائم، وتعليم مناسب، ورعاية صحية تقيهم شر الأمراض، وتهيئة ثقافية ورياضية، تجعل منهم مواطنين على قدر بلد يسمى «مصر».
إن ما حدث من تغيرات على مستوى الحياة فى مصر، برهن للعامة أن هناك قائدًا لا يفكر، ليل نهار، إلا فى سبل رفعتها وتحقيق رفاهة مواطنيها.. نفس ما حدث، أوغر صدور الحاقدين على أرض الكنانة، فراحوا يشككون فى كل إنجاز، ويهيلون التراب على كل مشروع، من شأنه أن يدفع مصر إلى الأمام.. غير مدركين أن المصريين شعب لا يمكن الاستهانة بعقله، أو أنه لا يجوز معه، أن تجعله يقبل ما يرفضه عقله، ويأباه وعيه.
قالوا، إن التفريعة الجديدة لقناة السويس، ممر مائى صغير، تكلف كثيرًا، دون أن تكون له عوائد حقيقية.. ولم ينتبهوا إلى أنها كانت ضرورة حتميــة، لرفــع قــدرة القنــاة القديمة، والحفــاظ علــى مكانــتها وأهميتهــا العالميــة، بصفتهــا أكبــر وأهــم ممــر ملاحــى لحركــة التجــارة العالميــة.. وأن مشـروع القنـاة الجديـدة يعد البنيـة التحتيــة لمشــروع التنميــة بمنطقــة القنــاة، لاسـتيعاب الزيـادة الكبيـرة المتوقعـة فـى أعـداد وحمـولات السـفن العابـرة، التـى تقـوم بنقـل تجـارة العالـم، ونقل مسـتلزمات الصناعـة والإنتـاج الكمـى المنتظـر مـن مشـروع التنميـة القومـى.. وكما قلت، لن أقترب من الأرقام، لتبيان ما تحقق من زيادة فى دخل القناة، منذ افتتاحها حتى الآن.
قالوا، إن بناء العاصمة الإدارية الجديدة، عبء على الخزينة المصرية، وإضعاف لاقتصادها.. ولم يدركوا أن هذا المشروع الحضارى الكبير، الذى سيخفف العبء على القاهرة القديمة، ويخلصها من ازدحامها، جعل من كل حبة رمل، فى الصحراء الواسعة، حيث تُبنى العاصمة الإدارية الآن، توزن بمثقال من ذهب.. رمال شاسعة، حولها المشروع العبقرى إلى مورد مالى ضخم، للإنفاق على البناء والتنمية.. وكلما علا البنيان فيها ارتفعت قيمة أراضيها.. هو فكر اقتصادى، ربما لم يلامس عقول المُغيبين.
قالوا، إن الحكومة ستفرغ وسط القاهرة من ساكنيه، ثم تطرح مبانيها للمستثمرين!.. فلينظروا إذن، لذلك المشروع الحضارى، الذى سيعيد للقاهرة رونقها وبهاءها، ويردها إلى سابق عهدها، يوم كانت تناطح أحدث المدن الأوروبية، فى فرنسا وغيرها.. فلينظروا إلى ما آل إليه ميدان التحرير، من روعة وجمال، وما سيطال القاهرة الخديوية من تطوير، وما سينفذ فى ما حولها من ميادين أخرى، وصولًا إلى ميدان الحسين.. كل ذلك من أجل أن تعود القاهرة، عاصمة السياحة فى العالم العربى، مستندة إلى تاريخها، وما تحتويه من تراث فرعونى وإسلامى ومسيحى.. هل فكر هؤلاء، فيما يمكن أن يعود به كل ذلك، من دخل للدولة، وللمواطن الذى انكوى بنار عصور القهر والإجحاف؟
هل يمكن لعاقل أن ينكر أن مواطنينا، من سكان العشوائيات، قد حمدوا للدولة المصرية وقياداتها، أن باتوا فى بحبوحة من العيش الكريم، بعد أن غادروا مساكن الخيش والصفيح، يهدد الموت حياتهم فى كل لحظة، إلى مدن واسعة، تم تخطيطها بما يجعل منهم مواطنين صالحين، يشعرون بالآدمية، كغيرهم من البشر.. وهل كان يمكن، لأى إنسان، أن يتخيل أن عشوائيات عين الصيرة وبرك المياه الراكدة، التى زكمت روائحها الأنوف، يمكن أن تتحول إلى بقعة من الجمال والحضارة، بين لحظة وضحاها؟
إنها عبقرية القيادة، التى خاضت غمار البناء والتغيير، مستعينة بالله أولًا، ثم بالعلم والتحدى، مستندة إلى أن وراءها مواطنًا مصريًا، يعرف كيف يميز بين الغث والثمين.. كيف يفرق بين من يبيع له الوهم، وبين من يجعله يعيش الحقيقة.. آمن بها، ووقف خلفها، وها نحن على مقربة من الفجر، يسطع نوره على مصر، التى كانت تراودنا فى الأحلام، فإذا بها، على يد رجل خاف الله، وعاهده على الإخلاص، تصبح حقيقة، مثل قرص الشمس فى وضح النهار.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.