رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتور حسن محمد: أمنيات الشهادة تهزم مخاوف كورونا.. والطب خُلق لإنقاذ الإنسانية (حوار)

حسن محمد
حسن محمد


الطبيب الشاب: لو طلبوا مني العودة لمستشفى العزل أكثر من مرة لفعلت

- حالات الولادة وشفاء مرضى الفشل الكلوي أسعد لحظاتي داخل العزل

- أهلي فخورين بيّ.. وهذه رسالتي لأهالي شهداء الأطقم الطبية


كانت الدروب كلها مُحاطة بالمخاطر.. شبح الوباء الذي أرهب العالم؛ ليس بعيدًا عن كل البشر، كما أنه كان قريبًا للغاية من أؤلئك الذين يُداوون آلام الناس من مُصابهم.. بات الأطباء أكثر تعرضًا لهذا الخطر المُسمى فيروس كورونا المستجد، يُواجهونه كل يوم في حروبهم لإنقاذ الإنسانية من ويلاته التي اجتاحت سريعًا لتحصد آرواح الآلاف يوميًا، وعشرات الآلاف من المصابين كانوا يتساقطون فوق الأسِرة يواجهون مصيرًا مجهولًا لمرض لم يفلح العُلماء في العثور على ترياق يُنهي توغله.. في تلك اللحظات كان الطبيب الشاب حسن محمد عبد الغفار، أخصائي الباطنة في مستشفى سيد جلال بباب الشعرية في القاهرة؛ يترقب ما يجري، مُنتظرًا أن يأخذ دوره بين صفوف جيش مصر الأبيض في مواجهة العدو وإنقاذ "أم الدنيا" من الدمار الذي خلّفه في بُلدان أخرى.. كانت أمنيات الشهادة في سبيل الله، السلاح الأول الذي طرد المخاوف من مصير كان يُهدده بأن يلقى مصير من يُداويهم.. هكذا قال لـ"الدستور" في حوار أجريناه معه عن مهمته داخل مستشفى العزل.

**في البداية؛ حدثنا عن كواليس انضمامك للجيش الأبيض في محاربة كورونا؟

كان انضمامي لفريق العزل في مستشفى العجوزة الخيري الإسلامي بمحافظة الجيزة، في السابع والعشرين من أبريل الماضي، وظللت هناك لمدة 14 يومًا، وكانت تلك الفترة خلال شهر رمضان، وبالطبع كانت هُناك مخاوف عليّ من جانب أسرتي، لكن الأمر كان مُختلفًا بالنسبة ليّ، فالمخاطر التي نواجهها في عملنا كل يوم كثيرة، وهذا ليس بجديد علينا كأطباء، لذلك لم يكن هناك أي خوف من مواجهة فيروس كورونا، كما أنني كنت أعرف جيدًا أنني مُقبل على إنقاذ مرضى، ومهمة إنسانية، وإن حدث ليّ أي شئ، فسوف أكون شهيد؛ فرسالة الطب أن تكون سبب في شفاء الناس؛ وكنت أعرف أن هذه هي رسالتي التي أنا مُقبل عليها.
**وكيف كان شعورك داخل مستشفى العزل؟
في حقيقة الأمر، فإن المستشفى مجهزة بكل الإمكانيات، وهو ما يُساعد في إنجاح مهمتنا، وكنا نُحاول طمأنة الجميع؛ لأن معظم المرضى كانوا يتعافون من الفيروس، وكنا سعداء للغاية ونحنُ نٌشاهد الحالات التي تُشفى من كورونا وتخرج، ومن بينها حالات كانت تُعاني من فشل كلوي وكانت تخضع لجلسات الغسيل الكلوي في المستشفى في ذات الوقت، وكانوا يتعافون من كورونا ويخرجون، وكنا نطمئن البقية بهذه الحالات، حيث أنهم (مرضى الكلى) مناعتهم تكون ضعيفة، ومع ذلك يتعافون من الفيروس، وهذا أمر رائع للغاية.. كذلك كنا نُطمئن عائلاتنا بأن الأمر ليس خطيرًا كما يعتقدون.

** وما هي أبرز المشاهد التي عايشتها داخل المستشفى خلال هذه الفترة؟ حدثنا عنها.
المشاهد كثيرة، لكن أبرزها وأكثرها سعادة كما أخبرتك هو خروج مرضى الفشل الكلوي بعد تعافيهم، كذلك كانت لحظات قدوم ضيوف جُدد إلى الدنيا، عند وضع إحدى المريضات داخل المستشفى لمولودها.. أصيبوا بالفيروس وهم في الشهور الأخيرة من الحمل وجرى حجزهم في مستشفى العزل معنا، وكان هُناك طبيب نساء وتوليد معنا.. وضعها للطفل وهي في حالة صحية جيدة، هذا أمر سعيد للغاية بالنسبة لنا كفريق طبي بالمستشفى التي كانت مجهزة لإجراء هذه العمليات.
لم تكن الولادة هي الأمر الأكثر إثارة داخل العزل، فكانت بعض الحالات من مُصابي كورونا تحتاج إلى قسطرة قلب، وإمكانيات المستشفى سمحت أيضًا بإجراء هذه العمليات داخلها.. حتى أننا كنا نُطمئن تلك الأسر التي كان معها ذويها من الأطفال مصابين بأن الأمر على ما يُرام والأمور تسير جيدة وليس هُناك أي شئ يدعوا إلى الخوف.. لأنهم كانوا قلقين للغاية على أطفالهم.

هُناك مواقف تبقى عالقة بذهن الإنسان مهما مرّ عليها الزمن.. هل واجهتك مثل هذه المواقف خلال فترة عملك داخل مستشفى العزل؟
نعم.. أبرزها تلك الفتاة التي كانت في العقد الثالث من عمرها، كانت مصابة بالفشل الكلوي، وحالتها الصحية لا تُساعدها لكي تتحرك جيدًا، وكانت معها خالتها وعمتها مصابتان هما أيضًا بفيروس كورونا، وكانتا تُعينانها على قضاء حوائجها، غير أنهما تماثلتا للشفاء وغادرتا المستشفى قبلها، وتركاها وحدها.
أمها ـالحديث على لسان الطبيب حسن ـ كانت تُتابعني عبر الهاتف باستمرار لتطمئن على ابنتها، وكنت أوصي طاقم التمريض عليها بمساعدتها في كل ما تحتاجه، وكنت أطمأن والدتها عليها طوال الوقت حتى أنها كانت تتصل بيّ في أوقات مختلفة؛ كانت تُهاتفني كثيرًا من خوفها على ابنتها، لدرجة أنني كنت أتلقى مكالمات هاتفية في أوقات متأخرة من الليلة، وظل الأمر حتى انتهت فترتي في المستشفى (أسبوعين) لكن ظللت متواصلًا مع زملائي للاطمئنان على هذه الفتاة، إضافة إلى أنني أعطيت والدتها هواتف للموجودين بالداخل للاطمئنان على ابنتها من خلالهم.
موقف آخر كان يتعلق بطبيبة زميلتنا.. كانت بصحبة والدتها؛ مصابتان بكورونا، وكانت الطبيبة لديها ثبات انفعالي كبير للغاية، كنت أذهب للكشف عليها هي ووالدتها، ولم تكن تُناقش في الأدوية التي كنا نُعطيها لها.. كانت تتناولها على الفور، على عكس غيرها ممن كانوا يجادلون في الأدوية أحيانًا، أو يرفضون تناول بعضها.. كنت أطمأنها على والدتها باستمرار بعد الكشف عليها، وكانت تقول ليّ أنها لا تريد الخروج سوى مع أمها؛ وأنها لا تستطيع تركها والخروج دونها.

** وماذا كان شعورك في نهاية مهمتك داخل مستشفى العزل؟
كانَ شعورًا رائعًا.. كنت في غاية السعادة لأنني قدمت شئ في مرضاة الله.. لا ننظر لأي ماديات ولا يُمكنها تحدث فارقًا بالنسبة.. أنا أعرف أن هناك أطباء كانوا يخشون الذهاب إلى مستشفيات العزل في بداية أزمة كورونا، لكني كنت على استعداد لو طلبوا مني الذهاب مرة واثنين وثلاثة لفعلت، لأنني إن لم أقف جوار هؤلاء المرضى، من سيفعل ذلك!.. أنا راضي عن نفسي لما فعلته، وأهلي فخورين بي، وهذا يكفي بالنسبة ليّ.

** هل متابعتك لأخبار شهداء الأطقم الطبية، جعلت الخوف يتسلل إليك في لحظة ما؟
الموت قد يأتي في أي وقت؛ لكن هذا شهيد واجب (يقصد شهداء الأطقم الطبية) والشهادة لا ينالها سوى الأنقياء؛ وطيلة أنك تقوم بالشئ الصحيح، فلا خوف.. من الممكن ألا يكون الطبيب ذهب لعمله، ولم يذهب لمستشفى عزل، ويُصاب بكورونا.. قد يحدث هذا.. هو الخوف فقط على أسرتك من بعدك في حال أنهم فقدوك.. لا خوف من شئ غير هذا.

** ولو كان بإمكانك أن توجه رسالة لأسر زملاؤك من شهداء الأطقم الطبية.. ماذا تقول لهم؟
أقول لأسرهم؛ أنهم نالوا الشهادة، وعليهم أن يفتخروا بذلك.. أن أبناؤهم ارتقوا إلى ربهم وهم يُساعدون الناس على النجاة ويخففون آلامهم في مواجهة هذا الفيروس. أدعوا الله أن يُصبركم على فراقهم ويجعل صبركم هذا في ميزان حسناتكم.