رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإدارية العليا تعزل طبيبين أصابا سيدة بعاهة مستديمة


قضت المحكمة الإدارية العليا بمجازاة كل من د. (ع.م.ث) رئيس قسم الجراحة والأورام وجراحة المناظير بمستشفى المطرية التعليمى ود.( ھ.ب.ب) أخصائى تحليل الأنسجة والأورام بذات المستشفى بعقوبة العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش لإجرائهما جراحة خاطئة بمستشفى المطرية التعليمى للسيدة (ن.ع.ع) ترتب عليها استئصال ثديها فى غير الأحوال الموجبة لذلك حال خلوها من الورم السرطانى مما أصابها بعاهة مستديمة وفقًا لما أكده تقرير الطبيب الشرعى فى القضية رقم 6967 لسنة 2017 جنح المطرية، وأيدت قرار مجلس تأديب الأعضاء العلميين بالهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية الصادر عام 2019 بعزلهما.

وصدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى ونبيل عطا الله وأسامة حسنين نواب رئيس مجلس الدولة.

أكدت المحكمة أن كل عضو في الفريق الطبى مسئول عن عمله وحده أثناء العملية الجراحية، وفقًا للقواعد والأصول الطبية لمهنته، وأن الخطأ الطبى الجسيم للطبيبين حرم السيدة من التمتع بجزء من جسدها باستئصال ثديها دون وجه حق بعد أن دبرت لهما مبلغ 11 ألف جنيه من قوت أسرتها لإجراء العملية تبين أنه مجرد التهاب خُراج وليس ورمًا سرطانيًا ويتعين عزلهما من مهنة الطب، وبهذا الحكم تكون المحكمة قد وضعت حدًا للأخطاء المهنية الجسيمة فى مهنة الطب داخل غرف العلميات بوجوب العزل بعد الرجوع إلى الطب الشرعى للوقوف على مدى جسامة الخطأ الطبى.

وقالت المحكمة، إن الدستور أكد على حق المواطن فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها، والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل، وأعلى من شأن الإنسان وحرمة جسده فلم يسوغ المساس بها وجَرم كل صور الاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به، ولم يجز إجراء أي تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقًا للأسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية وفقًا لما ينظمه القانون.

وأضافت المحكمة أن المسئولية التأديبية للأطباء تدق إبان مباشرتهم لعملهم الطبي وخصوصًا أثناء العمليات الجراحية التي يشاركهم في إجرائها فريق من المعاونين من تخصصات طبية مختلفة سواء كانوا أطباء أو ممرضين أو فنيين أو عمال كل منهم له دور محدد يباشره وفقًا للأصول الطبية والفنية والنظام الإداري العلاجي المتبع، وكذلك العرف الجاري في هذا الخصوص، كما يتولى الطبيب الجراح رئاسة الفريق الطبي الذي يعاونه في إجراء العملية الجراحية من الناحية الإشرافية بما يمكنه من إجرائها وفقًا للأصول والقواعد المهنية والفنية التي يقتضيها علم الطب، وبالتالي يكون كل عضو في هذا الفريق مسئولًا عما يباشره من عمل يختص به وحده أثناء العملية الجراحية وفقًا للقواعد والأصول الطبية لمهنته، ويضاف إلى ذلك أن التزام كل منهم بعمله بما يتفق مع المبادئ الحاكمة للوظيفة العامة من ضرورة أن يؤدى الموظف العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة.

وأشارت المحكمة إلى أن التشريعات الوضعية عهدت إلى الأطباء بمباشرة أقدس المهن، إذ يلجأ إليهم المرضى من أحاد الناس حاملين إليهم آلامهم التى يشتكون منها، طالبين منهم العلاج فيسلمون إليهم أرواحهم لتكون أمانة بين أيدهم ثقة فيهم بما يوجب عليهم اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة للمحافظة على المرضى، لذلك حرصت التشريعات الوضعية والأحكام القضائية على إحاطة مباشرة مهنة الطب بالكثير من القواعد والإجراءات والأصول العلمية والطبية والقانونية التي تقتضيها مباشرة هذه المهنة للحفاظ على حياة المرضى بين يدي الأطباء، كما تكفل للأطباء الاستقرار والسكينة في مباشرتهم لعملهم منها أن يؤدوا أعمالهم بأنفسهم بدقة وأمانة، كما أنه ليس من شك في أن الطبيب ليس ملتزمًا بنتيجة، وإنما منوط به بذل عناية الرجل الحريص الذي يتعين عليه أن يتخذ كل الاحتياطات اللازمة للمريض أثناء الجراحة طبقًا للأسس العلمية المتعارف عليها الفنية والطبية المسلم بها، والتي يقتضيها علم الطب في مثل العملية الجراحية التي يتم إجراؤها، وإجراء كل الفحوصات اللازمة قبل إجراء العملية.

وذكرت المحكمة أن الثابت من الأوراق، أنه نسب إلى الطاعنين قيامهما بإجراء جراحة خاطئة بمستشفى المطرية التعليمى للسيدة ( ن.ع.ع) ترتب عليها استئصال ثديها فى غير الأحوال الموجبة لذلك وحال خلوها من الورم السرطانى مما تخلف لدى المريضة من جراء هذا الخطأ الطبى الجسيم عاهة مستديمة متمثلة فى استئصال الثدى الأيسر، وبسؤال السيدة المذكورة أقرت فى التحقيقات أنها ذهبت إلى مستشفى المطرية إثر معاناتها من التهابات فى الثدى الأيسر، وعرضت حالتها على الطاعن فى الطعن الأول فطلب منها إجراء بعض التحاليل ثم أخبرها بضرورة إزالة خُراج بذات المستشفى وأن تكلفة العملية 11.000 جنيه، وأخبرها بضرورة وجود الطاعن فى الطعن الثانى كطبيب تحاليل، وتم تحديد إجراء يوم العملية بعد تلك الزيارة بيومين، وأضافت أنها وهى على فراش المرض قبل العملية علمت من زوجها أن الطاعن فى الطعن الأول تواصل مع زوجها ليخبره بوجود ورم سرطانى يجب استئصاله فأخبره الزوج أن هذا غير ما اتفق عليه قبل إجراء العملية بعدم حصول استئصال للثدى، ثم تركه ليكمل العملية، ثم جاءت نتائج تحليل العينة التى تم استئصالها بمعمل الطاعن فى الطعن الثانى بما يفيد خلو العينة من المرض السرطانى، وعليه قامت بعمل محضر بقسم شرطة المطرية ضدهما.

وأوضحت المحكمة أن تقرير الطب الشرعى فى القضية رقم 6967 لسنة 2017 جنح المطرية عن الواقعة الماثلة ثابت فيه أن السيدة ( ن.ع.ع) تعانى من التهاب بالثدى الأيسر باتساع بسيط بقنوات الثديين وتضخم بالغدد الليمفاوية تحت الإبط ثم تكون خُراج مزمن بالثدى الأيسر، وأن ما تعانى منه السيدة المذكورة ليس ورمًا سرطانيًا، ولكن قد يظهر عليها بعض الصفات الإكلينيكية التى تحدث لبسًا بينها وبين صفات سرطان الثدى مثل تكون كتل نسيجية بالثدى أو خروج إفرازات من حلمة الثدى أو انكماش حلمة الثدى للداخل، وهو ما يحتاج إلى توافر معلومات من ثلاثة فحوصات سريرى وإشعاعى وباثولوجى للتفرقة بين الحالتين، حيث يصعب التفرقة بينهما عن طريق الفحص السيتولوجى للخلايا فقط، إذ كان يجب علاج الحدث المؤثر أولًا، وهو الالتهاب، ثم إعادة أخذ العينة مرة أخرى للوصول إلى قرار جازم بشأن وجود خلايا سرطانية من عدمه، ومن ثم يؤخذ على الطاعن فى الطعن الأول كطبيب جراحة اتخاذه قرارًا خاطئًا بالتدخل الجراحى متمثلًا فى استئصال الثدى الأيسر خاصة وأنه فحص عينة الشاكية المجنى عليها كانت قد اُخذت منها وهى تعانى من التهابات صديدية بالثدى الأيسر على هيئة خُراج مما يلتبس معه التشخيص النهائى للحالة، وهو يعد منه خطأ فنيًّا جسيمًا.

كما يؤخذ على الطاعن فى الطعن الثانى أنه كطبيب مُجرى الفحص المجهرى كان يتعين عليه إما الانتظار حتى يتسنى علاج المريضة من تلك الالتهابات الصديدية بالثدى الأيسر وتمام شفائها مع أخذ عينة أخرى لفحصها مجهريًا لتفادى الالتباس فى التشخيص وإما اللجوء إلى طريقة طبية أخرى لسحب تلك العينة من الطرق الطبية المتعارف عليها إما عن طريق السحب الإبرى المركزى أو عن طريق السحب الإبرى الموجه بالتصوير الإشعاعى، الأمر الذى يعد منه خطأ فنيًا جسيمًا، ومن ثم فإن الخطأ المهنى الجسيم يتحقق بشأن الطاعنين فى الطعنين الماثلين الذى تخلف عنه لدى المريضة عاهة مستديمة متمثلة فى استئصال الثدى الأيسر.

واختتمت المحكمة، أن المخالفات المنسوبة للطاعنين ثابتة في حقهما ثبوتًا يقينيًّا على النحو المرفق بالتحقيقات وما أكده تقرير الطبيب الشرعى فى القضية رقم 6967 لسنة 2017 جنح المطرية، ويتعين أخذهما بالشدة الواجبة لكونهما من كبار الأطباء بما ينبغى على الطاعنين اتخاذ كل الإجراءات والاحتياطيات اللازمة وفقًا للأصول العلمية والفنية لمهنة الطب حفاظًا على صحة المريضة والحيلولة دون حرمان السيدة المذكورة من التمتع بجزء من جسدها واستئصال ثديها فى غير الحالات الموجبة له، وهو ما ينال من واجبهما بأداء العمل المنوط بهما بدقة وأمانة، ويضر بحسن سير المرفق الذى ينتميان إليه ضررًا بالغًا، مما يفقدهما الثقة والاعتبار اللازمين لتولى الوظائف العامة والاستمرار فيها، الأمر الذى يشكل فى حقهما ذنبًا إداريًّا جسيمًا يستوجب مجازاتهما عنه تأديبيًّا بما يردعهما عن تنكبهما جادة الصواب، ويكون مجازاتهما بعقوبة العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش، على النحو الذى ذهب إليه مجلس التأديب فى القرار المطعون فيه حقًا وصدقًا.