رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يُحبون مصر.. ولكن!


على نيل القاهرة، اجتمعت وصديقين من المستثمرين السعوديين، أبديا لى ما يشبه الندم على خوضهما تجربة الاستثمار فى مصر، بعدما مر عليهما عام كامل، واضطراب الشارع المصرى يحول دون استكمال بنية هذا الاستثمار، أو أن يكون هناك بوادر على بعض ثمار الملايين الذين أنفقاها،

فى بلد يعشقانها ويقدران مكانتها وتاريخها ودورها بين أمتها، ولكن رأس المال جبان، خاصة إذا كان أمانة من أناس عند أناس قاموا عليه بهدف إنمائه.. وقد كان حرى به أن ينمو، وهم من يمتلكون استثماراً فى «ميديا» جديدة فى مجال الإعلان، غير مسبوقة فى السوق المصرية، ولكنهما يريان أنه تأثر تأثراً بالغاً بفعل العنف فى الجامعات ومحاولة إشاعة الفوضى فى الشوارع، بين حين وآخر.. لأفاجأ بهما يفكران فى الرحيل، و«الخسارة القريبة أفضل من المكسب الذى لن يأتى» إذا استمر الحال على ما هو عليه، من عدم الاستقرار فى الشارع المصري، خاصة أن علاقة الفرقاء فى الشارع تظل حتى الآن غائمة، لا تشى بشىء من الاستقرار المحتمل، يمكن أن يدفع نحو تحمل بعض آخر من الخسارة، إذا كان مداها قريبًا وانتهاؤها وشيكًا.

قال صديقى «أبا بدر» إنه عندما أتى إلى القاهرة فى أعقاب ثورة يناير، كان يرى ــ وقتها ــ أن الشعب الذى ثار على نظام عانى ويلاته سنوات طويلة، يمكن له أن يهدأ سريعاً ويبدأ فى إعادة بناء بلده، لكن الذى حدث، هو ذلك النفق الذى أدخل فيه البعض بلادهم، حتى شككنا ــ فيما بعد ــ إن كان ما حدث من هؤلاء مشاركة فى إعادة الكرامة للوطن واسترداد مجده، أم أنهم أناس ركبوا الموجة لتحقيق أغراض لهم، فلما فشلوا فى تحقيقها، انقلبوا على البلد برمتها، ولسان حالهم يقول «يافيها ياخفيها».. ليضيف صديقى «أبا فراس» ذلك الذى حدث وضعنا فى موقف حرج مع مجلس إدارة مجموعتنا فى بلدنا، لأننا اخترنا الوقت الخطأ للاستثمار فى مصر.. واستطرد: صحيح نحن ننعم بجمال مصر وهدوئها لأننا نلمسه على أرض الواقع، حتى إننا نستغرب فرق الصورة بين ما نعيشه هنا بالفعل، وبين ما تنقله قناة الجزيرة وأذيالها إلى بلادنا، تلك التى تصور لنا القاهرة وكأنها شعلة من نار أو ركام من دمار، وربما كان هذا سر قلق أعضاء مجلس مجموعتنا الذين لا ترون ما نراه هنا، ولا يصدقون ما ننقله نحن إليهم، لأن ما يزيد الطين بلة عندهم، هو تعثر مشروعنا الاستثمارى إلى اليوم، الذى لا تلعب السوق فيه الدور الأعظم، بل للبيروقراطية وتعقيدات العمل الدور الأبرز فيه، مما يجعل ما يمكن إنجازه فى أسبوع يستغرق ــ للأسف ــ شهوراً، ورأس المال لا يحتمل هذا التلكؤ الذى يهدر المال عبثاً.. ومازال الأمر غير واضح لنا، إلى أين تسير مصر؟.. وما المدى الزمنى المطلوب ليعود هذا البلد إلى استقراره، ومن ثم عودة الحياة إلى طبيعتها ودوران عجلة الإنتاج التى ننتظرها جميعاً بفارغ الصبر، لأن مصر منظومة متكاملة، تتأثر كل ناحية فيها بالأخرى، وعدم استقرار الأوضاع وعودة الهدوء إلى الشارع، معناه أن الحياة كلها عبث، وأنه لا شىء ننتظره فى بلد هو ــ يقيناً ــ مصدر ثر للخير.

وبقدر التشاؤم الذى بدا فى كلام صديقى، بقدر ما كان لزاماً عليّ أن أعطيهما تطمينات عما ستؤول إليه أحوال البلاد فى المدى الزمنى القريب، خاصة أن مؤسستي، التى أنتمى إليها، سيصيبها بعض من الخسارة، إذا ما فكر هذان الرجلان أن يحملا أوراقهما ويرحلا عن البلد، مكتفين بما أصابهما من خسارة على مدى عام مضى.

وجدتنى أقول لهما إن شدة إسوداد الليل دليل على اقتراب الفجر، وإن آلام المخاض التى لا تُحتمل، برهان على قرب الميلاد.. وهكذا مصر.. فقد نالت من وبال خوارج هذا العصر وغيرهم من «المخنثين» وطنياً، ما يبشر بصبحها الجديد الذى يجب أن ننتظره معاً، فالفجر آت، وقد أفلح من احتمل الصبر على المكاره، والصبر دائماً مفتاح الفرج.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.