رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل توشكى

توشكى هي المشروع الزراعي الأشهر في مصر، عشرات السنوات نسمع عنها وتتناقض الأقوال من واصف لها بالمشروع الفاشل ومن مبالغ في حقها، بقوله إن المشروع الذي لا قبله ولا بعده، سنوات طوال والمواطن المصري ينتظر الأرقام حتى يحدد موقفه من المشروع الذي لا يقل في طموحه عن مشروع السد العالى.

الأرقام جاءت هذا الأسبوع وأمام عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية ليكون شاهدًا مع الشعب المصري عن ما يدور هناك، ومثل كل الاحتفالات السابقة في مشروعات مختلفة وقف المسئول المباشر عن المشروع يشرح ونحن نستمع، وما إن انتهى شرح الأرقام البيانية وعرض التفاصيل صار من حقنا أن نقول إننا لدينا مشروع قومي كبير يمس بشكل مباشر لقمة العيش اليومية للمواطن، كما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي المصري، وذلك بانتزاع إصبع مصر من تحت أسنان السوق العالمية، خاصة في سلعة استراتيجية مثل القمح. 
وإذا كان المستهدف حسب قول الرئيس السيسي أنه من المستهدف زراعة 4 ملايين فدان خلال مدة زمنية لا تزيد علي عام من الآن.

فلا يمكن وصف هذا الرقم إلا بأننا نشهد ثورة زراعية طالما نادينا بها، وعاشت في أحلامنا حتى نتحرر بحق من ألعاب السياسة الدولية التي تربط متغيرات ما يحدث في العالم كالحروب مثلًا بالأسعار وبالعملة الصعبة.

المطلب الأول لكل المهتمين بمستقبل مصر كان دائمًا هو ضرورة الاتجاه إلى الصناعة والزراعة دون إغفال أهمية مصادر الدخل الأخرى كالسياحة وقناة السويس، ولكن تبقى الصناعة والزراعة هما أهم الركائز لبناء الأوطان وضمان مستقبل الأجيال القادمة، وهذا هو ما يحدث الآن على أرض توشكى لذلك رأينا التعاقد على مصنع للخشب من "جريد النخل" ومصنع آخر لتغليف التمور في منطقة توشكى، فضلًا عن مصنع للبطاطس نصف المقلية في منطقة زراعة البطاطس في شرق العوينات ليصبح التصنيع الزراعي يعمل وفق منظومة منضبطة تدفع الأمان إلى المواطنين وتفتح أسواق العمل كي تدعم المتعطلين عن العمل.

وحتى لا يذهب الذين بقلبهم مرض إلى اختزال ما يحدث في مصنع للشيبسي، أشير هنا إلى فكرة المنهج، وأقصد من ذلك أن المنهج العلمي هو ما يفرض على متخذ القرار عدم اختصام الطبيعة والتعامل معها وفق ما تعطيه، وأن مهمة التخطيط هي تطوير المنتج وإبداع قيمة مضافة للسلعة، وهذا ما حدث ويحدث في مشروعنا القومي بتوشكى.

أما هاجس القمح فهو هاجس مبرر تمامًا ولم يغب يومًا عن ذهن ملايين المواطنين الذين يصطفون في طوابير صباح كل يوم أمام مخابز العيش سواء المدعوم أو غيره، ولم يكت أنه بمجرد نشوب الحرب في أوكرانيا أدرك المصري الفصيح خطورة الموقف على توريدات القمح لمصر، وهنا سوف نستند إلى تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي في إفتتاح مشروعات توشكى، حيث شدد على أن الفجوة الكبيرة في القمح تحتاج إلى تغطية جزء كبير منها قبل الحديث عن منتجات أخرى مثل الفاكهة والخضروات، لأن لدينا تقريبًا  اكتفاء ذاتيًا منها، ولكن كل الجهد المبذول حاليًا في توشكي وشرق العوينات والدلتا الجديدة في "مستقبل مصر" على طريق وادي النطرون، يستهدف زراعة محصولي الذرة والقمح اللذان يتطلب استيرادهما كميات كبيرة من الدولار.
هنا نستطيع القول إننا على الخط الصحيح، وأن شرح اللواء أركان حرب طارق الوشاحي المشرف على تنفيذ المشروع جاء شرحًا وافيًا، حيث أوضح أنه تم تنفيذ عدد 2 محطة رفع مياه رئيسية عملاقة للتغلب على فرق المنسوب البالغ 40 مترًا بعدد 22 مجموعة رفع مياه بإجمالي طاقة 11 مليونًا و300 ألف متر مكعب.
وأن هذه المحطات يتم تشغيلها بنظام المراقبة والتحكم عن بعد، وتتكون المحطة الأولى من عدد 12 مجموعة رفع مياه بطاقة 6 ملايين و300 ألف متر مكعب يوميًا، فيما تتكون المحطة الثانية من عدد 10 مجموعات رفع مياه بطاقة 5 ملايين متر مكعب يوميًا.
هذه المحطات التي تكلم عنها الوشاحي قادرة على بتوفير المياه اللازمة لزراعة 100 ألف فدان في المرحلة الثانية وتكفي لزراعة من 40 إلى 60 ألف فدان في المرحلة المستقبلية.
ويبقى السؤال مفتوحًا وهو: هل الأزمات المتلاحقة بالعالم وضعت الأمن الغذائي على رأس أولويات الدولة؟ الإجابة هي نعم واضحة وكبيرة وبارزة، ونتبعه بسؤال آخر: هل متابعة الرأي العام لتنفيذ المشروعات القومية الزراعية هي متابعة واجبة؟ الإجابة أيضًا نعم واضحة وكبيرة وبارزة، وهو ما فطن إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، وحرص على دخول الإعلام كشريك في هذه المشروعات القومية، وذلك بدعوته للوزراء والمسئولين بضرورة التواصل المباشر مع الكتاب والصحفيين ومذيعي التليفزيون لنقل كل تفاصيل ما يحدث في جنوب مصر بتوشكى إلى مائة مليون مصري باعتبارهم جميعًا شركاء في هذا العمل البطولي وتلك الملحمة.