رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا عدلى يا منصور ما يجب أن يُقال هو: الأفضل للببلاوى أن يُقال


أى باحث فى أهداف السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يمكن أن يدرك بسهولة أن هذه الأهداف لم تتغير واستندت إلى ما يمكن تسميته بسياسة (العصا والجزرة) أى التلويح باستخدام القوة العسكرية تارة أو التلويح بمنح أو منع المساعدات تارة أخرى فى التعاطى السياسى والاقتصادى والعسكرى مع دول المنطقة،

وبالطبع لا تنطبق هذه السياسة على إسرائيل لأنها من الناحية السياسية لا تعتبر إحدى دول المنطقة إنما تنصب بالدرجة الأولى على الدول العربية خاصة مصر. وقد ظلت هذه السياسة مستمرة مع تعاقب الإدارات الأمريكية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية فى السبعين سنة الأخيرة ونلاحظ من حيث المبدأ أن استخدام سلاح المعونات مع مصر كان الأكثر بروزًا فى تاريخ العلاقات بين القاهرة وواشنطن ولم تستخدم أى وسائل أخرى. وربطت الولايات المتحدة بين تحقيق أهدافها فى المنطقة وطريقة التعامل مع الإدارة المصرية منذ قيام ثورة 52 وحتى الآن، ففى العهد الناصرى مثلاً وتحديدًا حتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى رغم التآمر «الأنجلو فرنسى» الإسرائيلى على مصر فيما عرف بأزمة السويس كانت الولايات المتحدة لها موقف مختلف يتسم بالمهادنة مع مصر ولكن تغير هذا الموقف بشكل جذرى فى أزمة يونيو عام 1967 بالانحياز الكامل لإسرائيل. وفى أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 تلقت مصر من واشنطن مبلغًا ثابتًا قدره 2.1 مليار دولار منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية و3.1 مليون دولار معونة عسكرية.

وبقراءة تحليلية سريعة نجد أن المعونات الأمريكية لمصر تمثل 57% من إجمالى ما تحصل عليه مصر من معونات ومنح دولية كما أن المعونة الأمريكية لا تتجاوز 2% من إجمالى الدخل القومى المصرى!!

وأتفق مع التوجه الذى يقرن بين تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة واستمرار المعونة لمصر خاصة فى جانبها العسكرى، وفى تصورى أن الإدارات الأمريكية تدرك هذه الحقيقة إلا إدارة أوباما الأمر الذى يجعلنا نتساءل حول دوافع أوباما لاتخاذ قرارات غير مفهومة فى معالجة ما آلت إليه العلاقات المصرية الأمريكية مؤخرًا!.

وتعتبر الخطوة الأمريكية الأخيرة بتعليق المعونة العسكرية فى إطار الضغط الأمريكى على النظام المصرى قرارًا غير محسوب ليس فى صالح الإدارة الأمريكية خاصة أن استخدام المعونة أو التلويح باستخدامها كورقة ضغط على مصر لتحقيق مصالح الولايات المتحدة السياسية ورقة لا قيمة لها الآن لأنه فى الأصل العلاقات الدولية تعتمد على تبادل المصالح.

وإذا عدنا إلى الأرقام والنسب المذكورة من قبل نكتشف أن مصلحة مصر اقتصاديًا فى عدم منح واشنطن أى ميزة نسبية فى التعامل التجارى إنما يصبح تنويع علاقات مصر الاقتصادية الدولية أمرًا ملحًا هذه الأيام بالنسبة لصانع القرار المصرى لأنه سيجبر الإدارة الأمريكية على إعادة حساباتها خاصة إذا أدرك المصريون والأمريكيون أن الالتزامات المصرية تجاه السياسة الأمريكية مقرونة بنصوص معاهدة السلام مع إسرائيل وفى اعتقادى أن أى إخلال بالتعهدات الأمريكية سيلقى بظلال سلبية على الالتزام المصرى ببنود معاهدة السلام.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن التصرفات الأمريكية الأخيرة تجاه مصر تنصب فى الاتجاه المؤثر سلبيًا فى أوضاع إسرائيل فى المنطقة لأنه على المستوى الرسمى سيجعل الحكومة المصرية تعيد النظر فى اتفاقية السلام وعلى المستوى الشعبى تنامى الرفض للعلاقات مع إسرائيل ويشكل المستويان إرادة سياسية متناغمة لا يمكن للولايات المتحدة أو غيرها أن تقف ضدها.

إذن سياسة (الجزرة الأمريكية) لن تؤثر فى القرار المصرى لا سيما إذا وعى الشعب المصرى التحدى بضرورة الاتجاه للعودة فى أقرب وقت ممكن إلى العمل والإنتاج ومساعدة الحكومة على الخروج من عنق الزجاجة، وفى الوقت نفسه ننصح حكومة د. حازم الببلاوى عدم الوقوع فى هاجس أن حكومته انتقالية مؤقتة وليس فى وسعها أن تفعل شيئًا لحل مشكلاتها المعقدة !!.

حدثنى صديقى المفكر الكبير جرَّاح المخ والأعصاب الدكتور توفيق حلمى، وكان فى كلامه يجرى عملية تشريح للثورات وطبيعتها ونتائجها، فقال: «إن قانون الثورات الشعبية كما يعلمنا التاريخ مثل قوانين الطبيعة، ومن بين تلك القوانين قانون غليان الماء، فأى إناء به ماء يظل باردًا حتى تبدأ النيران أسفله فى الاشتعال، ويصل الماء لدرجة الغليان فى وقت يطول أو يقصر طبقًا لدرجة الحرارة، ولكنه فى النهاية يغلي، فإذا لم تتوقف النيران بدأ الماء فى التبخر وإذ يفرغ الإناء وتستمر النار يحدث ما لا يحمد عقباه بما يؤدى فى النهاية إلى احتراق الإناء كله حتى ينصهر تماما، وقد تعددت ألسنة النيران فى عهد مبارك وبدأت حرارة الشعب تزداد مع ازدياد عدد الألسنة حتى وصل إلى درجة الغليان فى 25 يناير، وكان أن تبخر ماء الفساد بسبب نار الثورة، ولكن حدث أن تم وضع ماء فاسد فى الإناء مرة أخرى، فعادت النار إلى الاشتعال أسفل الإناء حتى تبخر نظام مرسى وإخوانه، وكان من ناتج ذلك أن استثمر الإخوان النار التى لم تكن قد خبت بعد فعادوا إلى إضرامها، ليس ابتغاءً لشىء إلا حرق الإناء كله وصهره، وما الإناء هنا إلا مصر كلها» .

وأطلق المفكر الكبير توفيق حلمى صرخته قائلا : ما لم نتدارك الأمر سيظل الإخوان على مسلكهم التخريبى وليس الثورى ما لم تنطفئ النيران وإلا انصهر الوطن تماما بما فيه ومن فيه .

ويقينا فإن ما قاله الدكتور توفيق حلمى يستحق النظر والتفكر والتدبر، ذلك أننا لم نأخذ خطوة واحدة ناحية إطفاء الحريق، فلم تقم الحكومة إلى الآن بإنشاء مؤسسات تنويرية تستهدف مواجهة الفكر التكفيرى الذى غرسته الجماعة فى نفوس أعضائها، ولم نجد حركة إيجابية من وزارة التعليم لوضع مناهج ومقررات دراسية فى جميع المراحل الدراسية تواجه بها الفكر التكفيرى الذى تغلغل فى نفوس من يسمونهم «شباب الحركة الإسلامية» وبصفة عامة لم نر أى حركة مجتمعية راشدة تواجه هذا المشروع التكفيرى المنحرف وتقوض بنيانه، فالفكر لا يواجه إلا بالفكر . ومن ناحية أخرى فإن المواجهة الأمنية التى تستهدف محاصرة نيران التخريب لم تحقق إلى الآن مبتغاها بالرغم من القبض على أعداد من قيادات الإخوان، ولا أظن أن ذلك راجعا لقصور فى الرؤية الأمنية بقدر ما هو قصور فى الوسائل التى يجب أن تُتبع، إذ عندما أعلنت الحكومة فرض قانون الطوارئ كان هذا حَسَنا، فالإرهاب والترويع والتخريب لا يمكن مواجهته أبدا بالقوانين العادية، ولكن المواجهة الأمثل تكون بمقتضى قانون الطوارئ، وأظن أن التفويض الذى أصدره الشعب ومن أجله خرج يوم 26/7 كان من أجل تفعيل هذا القانون، إذاً كان قانون الطوارئ هو قرار الشعب قبل أن يكون قرار الحكومة، ومع ذلك لم تقم الحكومة أبدا بتفعيل هذا القانون وتطبيق أحكامه على المظاهرات التخريبية التى تخرجها الجماعة كل يوم، كما أن مواده لم يتم تطبيقها على المتظاهرين المجرمين، وحين أرادت الحكومة إصدار قانون ينظم المظاهرات إذا بالمدافعين عن حقوق الإرهاب ! ينفعلون ويشقشقون بكلام فارغ مفاده أنه لولا المظاهرات ما قامت الثورات !! وقد غفل هؤلاء الجاهلون عن أن واقع الثورة غير واقع البناء، فى واقع الثورة لا قانون.

وللحديث بقية