رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤلفة "المرأة الكردية": القوى الدولية لا تعترف سوى بمصالحها

جريدة الدستور

إطلاق النار، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة "الدستور" التقت بشرى على الناطق باسم "رابطة جين النسائية" ومؤلفة كتاب "المرأة الكردية من أين وإلى أين" التي فضحت الممارسات القمعية ضد الأكراد من نظام أردوغان.

وإلى نص الحوار.


- وقعت قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية اتفاقًا الأحد الماضي يقضي بتسليمهم المناطق الواقعة تحت سيطرتهم شمالي سوريا لمواجهة الهجوم التركي؟ هل يستفيد الأكراد من هذا الاتفاق ام سيرجعون إلى وضعهم قبل 2011 في سوريا؟

أولًا، لم يكن هناك اتفاق بمعنى الكلمة، بل كان هناك تفاهم بضمان روسي ومصادقة أمريكية. وقد قضى هذا التفاهم بقيام الجيش السوري بمهامه وواجباته الوطنية في حماية حدوده ضد الغزو التركي الفاشي. وقد صرحت الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا عدة مرات في هذا الخصوص. ما يعني أنه لا رجعة إطلاقًا إلى الوضع ما قبل أحداث سوريا، أي إلى ما قبل عام 2011. بل هناك دعوة للجيش السوري بتحمل مسؤولياته في حماية حدوده. وهذا ما يجري فعلًا حتى الآن.

- توصلت قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الى هذا الاتفاق برعاية روسيا، هل ستضمن روسيا عدم وقوع انتهاكات ضد الأكراد في المناطق التي سيدخلها الجيش السوري أم ستتخلى عنهم؟

لا يمكننا استباق الأحداث منذ الآن في هذا الخصوص. لكن المعلوم أن كل القوى الدولية العظمى، أو بتعبير آخر: قوى الحداثة الرأسمالية الدولية، وأولها روسيا وأمريكا، لا تعترف سوى بمصالحها المنفعية، والتي تقوم على بسط نفوذها، ولو على حساب شعوب المنطقة، سيما منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا. بالتالي، وأيًا يكن، فإن هذا التفاهم خطوة إيجابية بل ومهمة جدًا على صعيد التعاون الداخلي (بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري) بهدف درء العدوان والغزو التركي، الذي يهدد أمن واستقرار جميع شعوب ومكونات سوريا، وبالأخص شمالها وشرقها. وتبقى الأمور الأخرى موضوع كفاح سياسي لنيل الحريات والحقوق المسلوبة، وتتويج النضالات الباسلة الحاصلة حتى الآن بالنجاح المؤزر، وضمانها بدستور ديمقراطي عادل ومعاصر يعترف بالتعددية الثقافية والتنوع الإثني والهوياتي الموزاييكي في البلد السوري.
- برأيك هل تخلت الولايات المتحدة والغرب عن الأكراد في سوريا بعد دعمهم في محاربة داعش ووصف ترامب للأكراد بأنهم "ليسوا ملائكة"؟

كل القوى الدولية العظمى تعترف بمبدأ المصالح المنفعية الذاتية أساسًا لا ثاني له. بالتالي، وعندما ذاع صيت المقاتلين الكرد في محاربة داعش، وعندما سطع نجم المرأة الكردية المقاتلة بصورة خاصة في هذا المضمار، اضطرت تلك القوى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى التعاون مع وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة الكرديتين ضمن إطار التحالف الدولي لمحاربة داعش، لانتزاع جزء من هذه الشرعية التي تميزت بها تلك القوات المقاتلة الباسلة في مقاومة كوباني.
لكننا لم نجد الحماس نفسه أثناء احتلال الجيش التركي ومرتزقته لمدينة عفرين المسالمة. وهذا خير دليل على ما ذكرناه آنفًا بخصوص المصالح الجليدية للقوى الدولية. أما فيما يخص الغزو التركي الأردوغاني الفاشي ومرتزقته المأجورة على شمال وشرق سوريا، فقد انقلبت الآية رأسًا على عقب منذ أول يوم من مقاومة الكرامة التي تصدّت لهذا الغزو، وما تزال، بكل جرأة وشجاعة. إذ تعالت الأصوات المنددة بهذا الغزو، والمؤيدة لمقاومة الكرامة، والمؤكدة على وحدة الأراضي السورية، وعدم جواز اقتطاع أجزاء منها بهدف ضمها لدولة أجنبية. وهذا ما زاد من شرعية مقاومة شعوب ومكونات شمال وشرق سوريا على اختلافها، وضاعف من الجهة الأخرى من عزلة أردوغان، وسرّع من إسقاط القناع عنه، وفنّد بما لا يقبل الجدل كل مزاعمه في محاربة الإرهاب.
بالتالي، ووفق هذه النظرة، لا يمكننا تسمية ذلك بالتخلي عن الحلفاء كما يشاع في الإعلام. أما إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية التعاون الأمريكي-الكردي في محاربة داعش، فيمكننا الإجابة بنعم كبيرة في هذا السياق. وهذا ما يؤثر في مدى محاربة إرهاب داعش، لاسيما معتقليه وعوائله المتواجدين تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. ومع ذلك، فإن ردود الفعل إقليميًا وعالميًا كانت إيجابية – على الرغم من هزلها واقتصارها على الكلام والتنديد والشجب – وتصبّ في خانة القوات المحاربة للإرهاب.
- ما هي أوجه التعاون الآن بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري في التصدي للهجوم التركي؟

حسب ما نتابعه من المعنيين أو من وسائل الإعلام، فإن التعاون بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري منحصر الآن في المجال العسكري البحت، وفي حماية الحدود السورية، وفي تحرير المناطق السورية المحتلة من رجس الاحتلال التركي الغاشم ومرتزقته الإرهابيين.

- جاء وفد من مجلس سوريا الديمقراطية إلى القاهرة على ضوء اجتماع الجامعة العربية بشأن سوريا، هل يسعى أكراد سوريا إلى إدخال القاهرة أو دولا عربية كوسيط بينهم وبين الحكومة السورية؟

أعتقد أن الحوار السوري-السوري كان وما يزال يشكل المطلب الرئيسي لمجلس سوريا الديمقراطية، الذي تنضوي تحت رايته الكثير من الأحزاب والحركات والتنظيمات والشخصيات السورية من مختلف أنحاء سوريا. بالتالي، فإن التعريف بهذه المطالب، ونيل الدعم والمؤازرة من الدول العربية الأخرى، لاسيما الدول الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها مصر، هو خطوة إيجابية ومهمة ولا بد منها. ذلك أن المصير الذي ستؤول إليه الأحداث السورية لن تنحصر تداعياته في شمال وشرق سوريا، بل ولن تقتصر بنتائجها على سوريا فحسب. بل ستؤثر في عموم منطقة المشرق المتوسط وشمال أفريقيا. فهذه المنطقة كانت وما تزال تتأثر وتؤثر ببعضها بعضًا كما الجسد الواحد. وهذا هو النهج الصحيح.

- هل توجد خطط الآن للجماعات الكردية للتعامل مع عودة النظام السوري إلى المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتهم وكانت تمثل حوالي 27 % من مساحة سوريا؟ أم سيعودون كما كانوا من قبل؟

بالنسبة إلى ما ستؤول إليه أوضاع الشعب الكردي في سوريا بصورة خاصة، وبقية الشعوب والمكونات الموجودة في سوريا بصورة عامة، فإنها متوقفة على عدة عوامل ومؤثرات. ولعل أهمها، التوازنات الإقليمية والدولية المتقلبة والمتبدلة بسرعة تفوق أحيانًا سرعة الضوء. بالإضافة إلى مدى تكريس المشروع الجذري البديل الذي يستطيع الوصول بالبلاد إلى بر الأمان والاستقرار واستدامة السلام.
ففي خضم الفوضى، لن تنفذ من المخاطر سوى القوى التي تملك مشاريع بديلة جذرية وسديدة. ولعل هذا ما يفسر مدى التفاف مختلف مكونات شمال وشرق سوريا حول مشروع الأمة الديمقراطية المبني على التعايش المشترك وثقافة التسامح والعدالة الاجتماعية والاعتراف المتبادل بالحقوق والحرياتقد تشهد هكذا مراحل فترات من الصعود أو الهبوط بالتناوب. لكن وضوح الأهداف الاستراتيجية، وتحديد الأدوات والسبل السليمة في الوصول إلى تلك الأهداف، وترجمة المشاريع البديلة إلى خطوات ملموسة ووطيدة تحتضن وتستوعب كل الاختلافات وفق مبدأ المساواة، هو الذي سيحسم الأمر في نهاية المآل.
بمعنى آخر، فإن النضال والصراع السياسي سيكون أصعب وأعقد من النضال العسكري بطبيعة الحال. وللمثقفين والمتنورين والنافذين في كل بلدان منطقتنا العريقة دور كبير في تسليط الضوء على التجربة الوليدة والفريدة التي يسطع نجمها في شمال وشرق سوريا، والتي بإمكانها أن تصبح مؤهلة للتحول إلى منبر تهتدي به كل شعوب المنطقة للوصول إلى السلام المستدام والاستقرار الوطيد.

أي أن التحالف بين الشعوب والقوى الديمقراطية الفاعلة في المنطقة هو الذي سيسرع من وتيرة هذا الصراع وتتويجه بالنجاح المظفر. وهذا ما نعاني منه كأحد أكبر الثغرات الجادة التي لا بد من ردمها بأقصى سرعة. وللمرأة في هذا السياق دور محوري واستراتيجي في تعزيز التضامن والتكافل بين مختلف القوى الديمقراطية والشعوب المضطهدة، ليسطع نجم الحرية التي تستحقها الشعوب الأصيلة والعريقة في هذه المنطقة المباركة.