رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذهب الأبيض.. حكايات الأجداد مع موسم جني القطن

جريدة الدستور

موسم للسعادة تتحول فيه القرى الصغيرة في الدلتا إلى مقرات للاحتفال بالتزامن مع موسم جني القطن، والذي ينتظره الفلاحون في شهر سبتمبر من كل عام لجني الأرباح، واعتمد الكثير منهم في هذا الموسم على تزويج أبنائهم أو شراء أراضٍ جديدة، لأن الأرباح التي كانوا يحصلون عليها منه كفيلة بسداد جميع التزاماتهم المالية، ولكن الوضع لم يبق على حاله، فلم يعد القطن بالنسبة للفلاحين ذهبًا، وتقلصت مساحة زراعته حتى بلغت في هذا الموسم 200 ألف فدان فقط بعد أن وصلت إلى 2 مليون و 82 ألف فدان.

ولهذا اتخذت الدولة عدد من الإجراءات لإعادة إحياء زراعة القطن من جديد، وفي خِضَم ذلك، استعاد معنا الأجداد ذكرياتهم مع موسم جني القطن.

أولى قصصنا كانت مع عطاء أبو العنين، فلاح من محافظة الدقهلية، قال: لدي 7 أخوة من البنات والأولاد جميعنا تزوج بعد موسم جني القطن، فوالدي كي يوفر الأموال المناسبة لتجهيز احتياجات الزفاف كان في حاجة إلى أموال كثيرة كان يوفرها له القطن، الذي كان الأفضل في العالم وتتنافس على استيراده جميع الدول الأجنبية، لذا كان مصدر رزق للفلاح وعملة صعبة للبلد.

"ولكن الأحوال تغيرت تمامًا منذ تسعينات القرن الماضي، وقلت المساحات المنزرعة من القطن حتى تكاد تتلاشى"، هكذا استكمل "عطاء" حكايته لنا، مشيرًا إلى أن والده كان يزرع جميع أراضيهم بالقطن، ومنذ أن أصبح يملك أرضًا زراعية لم يقم بزراعتها قطن.

زرعت مصر في خمسينات وستينات القرن الماضي 2 مليون و82 ألف فدان من القطن، ثم تراجعت هذه المساحة حتى بلغت مليون فدان في السبعينات، فيما بلغت هذا الموسم لعام 2019، حوالي 200 ألف فدان فقط.

تابع "عطاء" أن القطن المصري لم يعد مثلما كان قديمًا فكان يطلق عليه قطن طويل التيلة، تسعى إليه الكثير من الدول الأجنبية، ولكن مع الفساد الذي انتشر في تسعينات القرن الماضي تغيرت البذور وقلت الإنتاجية ولم يعد هناك اهتمام من الدول بزراعته وبالتالي ابتعد عنه الفلاح وبحث عن بدائل تُدر عليه أرباح أفضل.

وأرجع هشام مسعد، مدير معهد بحوث القطن بوزارة الزراعة، عزوف الفلاحين عن زراعة الأرز إلى سوء التسويق للقطن في بعض المواسم، موضحًا في تصريحات صحفية سابقة أن الفلاحين اهتموا بزراعة الأرز على حساب القطن ، ولكن هناك توجه لإجراء توازن بين مساحة القطن المنزرعة، وبين احتياجات السوق المحلي والسوق الدولي منه، حتى لا تتسبب زيادة إنتاجية المحصول في وجود فائض كبير في المحصول دون استغلاله وتراجع سعره.

رضا محمود، فلاح من محافظة الدقهلية، قال إن المحافظة كانت من أكبر محافظات مصر المنتجة للقطن قديمًا، ولكي تعود هذه الزراعة إلى ازدهارها لابد من عودة مكسب الفلاح منه كما كان قديمًا ، ولتحقيق ذلك اقترح عودة مصانع الغزل والنسيج للعمل كما كانت منذ سنوات طويلة، لأن هذه المصانع تعتمد على القطن المتبقي من عمليات التصدير، وبالتالي كانت أسعار مرتفعة وتحقق مكاسب كبيرة.

وتابع "محمود"، خلال حديثه معنا، أن أغلب الأراضي الزراعية التي ورثها وإخوته كان يشتريها بعد كل موسم حصاد للقطن، فوسم الحصاد كان مهرجانًا تحتفل فيه القرية ويحضره كبار رجال المحافظة لافتتاحه.

في عام 2003 بلغ سعر القنطار 1300 جنيه، ولكنه انخفض إلى 600 جنيه في العام التالي مباشرة 2004 ووصلت خسائر القطن في هذا الوقت إلى 2.3 مليار جنيه في عام واحد.

ففي عام 1989 - 1990، كانت مساحة الأراضي المزروعة بالقطن مليون فدان، وتراوحت انتاجيته بين 7 و8 قنطار سنويًا، وانخفضت إلى 550 ألف فدان في موسم 2002/2003،بإنتاجية 4.5 مليون قنطار