رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعارضة السياسية


من حق المعارضة السياسية فى أى مكان أن تستخدم كل الوسائل السلمية فى عملها للوصول إلى الحكم، وأن تحل محل النظام القائم مستفيدة من أخطائه التى تصرف الشعب عنه وتريد الخلاص منه.

وليس من حق أى معارضة رفع السلاح أو ارتكاب عمليات عنف أو إجرام أو حتى الخروج على الحاكم إلا بشروط الخروج ومقتضياته، وهذا من المسائل المختلف فيها فقهيًا وتحتاج إلى مزيد من الفقه فى الوقت المعاصر مع أخذ الواقع بحقيقة أوضاعه فى الاعتبار، ليس فقط فى مكان أو بلد الخروج على الحاكم بل فى الإقليم المجاور كله وأحيانًا الواقع فى العالم وخصوصًا إدارات التأثير والهيمنة مثل أمريكا وأوروبا وروسيا والصين فضلاً عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان.

لو أخذنا المعارضة السورية على سبيل المثال - وقد تحدثت مع بعضهم – فى مصر وخارج مصر، فإن بعضهم يطالب بالتدخل الأجنبى لمعاقبة نظام بشار الأسد، وبعضهم لا يطالب بذلك خجلاً أو تعقلاً، ولكنه يتمنى الخلاص من النظام السورى القائم ولو بالتحالف مع الشيطان، حتى وإن كان الشيطان الذى يسميه الخمينى بالشيطان الأكبر يعنى أمريكا.

أحيانًا أرى أننا لم نفهم الدروس العديدة التى تمر بنا وببلادنا، والتى لا تزال آثارها أمام أعيننا. خذ أيها القارئ ما شئت من دروس أو عبر من قضية أفغانستان أو العراق وآثارهما واضحة للأعين.

ولنأخذ على سبيل المثال لتوضيح ما أريد أن أقوله وهو مثال من الحرب الأمريكية البريطانية على العراق فى سنة1990 يقول الشيخ القرضاوى فى صفحة 733 من فقه الجهاد - الجزء الأول، «اختلف العلماء فى مسألة مدى مشروعية الاستعانه بالأجانب فى عملية تحرير الكويت. عقد مؤتمر فى مكة المكرمة لدراسة موضوع الاستعانة المطروح، نظرًا لعجز القوات العربية الإسلامية للتصدى لصدام حسين. وقرر المؤتمر وقد حضره عدد كبير من العلماء رأوا ضرورة الاستعانة مع خطورتها. وإذا كان العرب والمسلمون عاجزين عن مواجهة قوات صدام، وإجبارها على التخلى عن الكويت، فليس أمامنا إلا الاستعانة بقوة أكبر من صدام، وهى قوة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. والاستعانة بهذه القوة الأجنبية (الكافرة) أمر فرضته الضرورة، وللضرورة أحكامها، وما يباح للضرورة يقدر بقدرها».

ثم يضيف العلامة القرضاوى «وكنت ممن وافق عليها (أى الاستعانة) بشرط: أن تأتى هذه القوات لمهمة محددة هى إخراج صدام من الكويت، ثم تعود من حيث جاءت، حتى قلت : إننى سأكون أول من يقاتل هذه القوات إذا بقيت فى المنطقة بعد التحرير يومًا واحدًا!».

هذا عن مؤتمر مكة المكرمة سنة 1990وقد بقيت القوات الأجنبية بل وأقامت قواعد عسكرية فى الخليج، أما العلامة القرضاوى نفسه فيدعو بعد 23 سنة من الاستعانة فى الخليج – ويدعو فى شأن القضية السورية: يدعو لـ «الجهاد» فى سوريا، ردًّا على التدخل العسكرى لجماعة حزب الله الشيعية اللبنانية فى الحرب الأهلية هناك، وتدخل إيران وإجرام نظام الأسد، ويدعو أيضا للتدخل الأجنبى لإنقاذ الشعب السورى وإذا حدث تدخل أجنبى - كما هو متوقع فى أى لحظة ودمرت أمريكا أو الحلفاء سوريا – وأقامت أمريكا قواعد عسكرية كما فى الخليج ولم تخرج من سوريا، أليس هذا فى صالح إسرائيل فقط، حتى لو تحقق هروب بشار أو قتله؟.

هذا سؤال لا يحتاج إلى إجابة، وإجابته واضحة فى كلام الشيخ عن حرب الخليج. من أخطاء المعارضة البارزة فى العالم العربى أنها لا تفكر فى حل للتحديات الكثيرة فى الأوطان، ولكنها تنظر إلى السلطة حتى إذا أتت إلى السلطة منيت بالفشل الذريع كما حدث فى حالة مصر، فى فترة رئاسة الرئيس المعزول مرسى. واليوم يهدد الإخوان بالحشود والخروج إلى الشوارع رغم فشل الجمعتين السابقتين، إحداهما أو كلاهما بسبب إلقاء القبض على أهم القيادات وهروب بعضهم وانقطاع خطوط الاتصال وضعف الحشد وكراهية بعض الشباب على الخروج فى هذه المناسبة بل وانشقاقهم عن تنظيم الإخوان مثل مجموعات، إخوان بلا عنف، ومنشقون، وتحالف الشباب من أجل مصر وهذه المجموعة الأخيرة استطاعت جمع (10)آلاف توقيع من الشباب رافض لسلوك المعارضة المشين منهم (7) آلاف من شباب الإخوان منتظم فى الإخوان حتى التوقيع.

تفشل الحشود أو المليونيات اليوم لأن جزءاً كبيرًا من الشعب أو الأهالى فى معظم المناطق يواجهون تلك الحشود والمظاهرات، فلم تعد الشرطة وحدها بل يدعمها الشعب ضد التحالف من أجل الشرعية، وهذه هى المرة الأولى فى مصر وربما فى العالم العربى التى نجح الإخوان فيها فى حشد قطاع عريض من الشعب ضدهم. فى كل الأزمات السابقة منذ أيام الإمام البنا كان الشعب ظهيرًا للإخوان ولو بالدعاء وكانت مشكلاتهم دائمًا مع النظام، أما اليوم فمشكلاتهم مع قطاع أكبر من الشعب، ولا يمكن أن تكون هناك دعوة مع كراهية الشعب لهؤلاء الدعاة وليس للدعوة نفسها. إن الشعب المصرى شعب مسلم فى غالبيته ومتدين سواء التدين الإسلامى أو المسيحى ولا ينبغى لعاقل أن يدعو باستعلاء، وهو يظن أنه يملك رحمة الله تعالى فيدخل من يشاء الجنة ويدخل من يشاء النار.لا يملك هذا إلا الله سبحانه وتعالى. وليس هذا لنبى وطبعًا ليس لبشر حتى لو كان عاصم عبد الماجد.

وبرزت فى صفوف المعارضة أخيرًا فتنة مشينة واستخدام سلاح الخوارج على الخصم والمعارض. ويا لها من فتنة حذرنا منها من قبل ونحذر منها اليوم ونحذر منها غداً.

والله الموفق