رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدنجوان والجميلة.. كيف صبرت سامية جمال على «جنون» رشدي أباظة؟

جريدة الدستور

كان رشدى أباظة فنانًا استثنائيًا بكل المقاييس، متفردًا فى وسامته ورجولته وموهبته، بل فى جنونه ونزقه، حياته عبارة عن مغامرات لا تتوقف.. فنية ونسائية، كان واحدًا من كبار عشاق الحياة، فأعطته بلا حساب وبسخاء يُحسد عليه.
رجل جامح بتلك المقاييس الاستثنائية لم يكن يصلح معه إلا امرأة استثنائية.. ورغم زيجاته ونزواته الكثيرة، من تحية كاريوكا إلى صباح، ومن كاميليا إلى يسرا، ومن المحليات إلى الأوروبيات، ومن السمراوات إلى الشقراوات.. إلا أن سمراء واحدة هى التى استطاعت أن تمتلك قلبه وأن تتحمل جنونه وأن تظل إلى جواره.. لأنها الوحيدة التى أحبته بصدق.. اسمها سامية جمال.

بدأت قصة حب سامية ورشدى فى كواليس فيلم «الرجل الثانى»، الذى دشن رشدى نجم شباك جديدًا فى السينما المصرية، فقد راهن عليه مخرجه عزالدين ذوالفقار وكسب الرهان، وأثناء أسابيع تصوير الفيلم اقترب رشدى من بطلته سامية جمال ودق قلبه لها وشعر معها براحة كان يفتقدها بعد زيجتين فاشلتين: أولاها مع تحية كاريوكا أشهر راقصات مصر يومها، لكنه لم يطق غيرتها الشديدة عليه، وبعد زواج قصير وخناقات كثيرة أرسل لها خطابًا من خمس كلمات: «تحية.. أنتى طالق.. رشدى أباظة»، ثم كانت تجربة زواجه من الأمريكية الحسناء «باربارا» التى كان أبرز ما خرج به منها هو ابنته الوحيدة «قسمت».
وكانت سامية هى الأخرى خارجة من قصة حب فاشلة مع فريد الأطرش، الذى صدمها بأن أميرًا مثله لا يمكنه أن يتزوج راقصة مهما علا شأنها وسطعت شهرتها.. فكانت هى الأخرى تبحث عن استقرار ينسيها مرارة التجربة.
مع سامية أحس رشدى بأنه أمام امرأة فيها حنان الأم وصدق المحبين، وشعر بأنها كانت وش السعد بعد النجاح الساحق لفيلمهما «الرجل الثانى» فطلبها للزواج.. وكانت أطول زيجاته عمرًا.
فى سبيل الحب تحملته سامية كثيرًا وغفرت له نزوات يصعب على النساء غفرانها، وبينها زواجه «المجنون» من صباح، فقد كان رشدى فى بيروت لتصوير فيلمه «إيدك عن مراتى»، وعزمه منتج الفيلم فى ملهى «الكاف دروا» وجاءت صباح بفتنتها لتشاركهما السهرة، وفى جو من الإثارة ولدته المزيكا والخمر وجد رشدى نفسه يوافق على اقتراح مجنون من شلة السهرة أن يتزوج فورًا من صباح.. وطارت الأخبار إلى سامية فى القاهرة فكتمت غيظها وقررت أن تستعيد حبيبها بطريقتها، وخلال أيام جرى الانفصال بين رشدى وصباح.
كانت سامية تعامله كطفلها المدلل، تعرف نزواته ومغامراته فتصبر عليه حتى يعود إلى حضنها تائبًا معتذرًا.
كانت هى التى تختار له ملابسه وتطبخ له طعامه وتؤكله بيديها.. وكثيرًا ما اعترف بأن سامية هى الزوجة والحبيبة التى منحت حياته الدفء والاستقرار خاصة أنها هى التى تولت تربية ابنته قسمت وعاملتها كابنتها تمامًا.
استمر زواج رشدى من سامية نحو ١٨ سنة لتكون أطول زيجة فى حياة دنجوان السينما، ورغم انفصاله عنها عام ١٩٧٧ ليتزوج من قريبته، نبيلة أباظة، بناء على طلب عائلته فإن سامية ظلت هى الحبيبة، حتى إنه اشترى لها مقبرة بجواره وأوصى بأن تُدفن إلى جواره.
ومات رشدى بعد انفصاله عنها بثلاث سنوات بعد محنة مريرة مع المرض، ورغم أنها حاولت التخفى لحضور جنازته، وارتدت نظارة سوداء كبيرة وإيشارب يغطى رأسها وبيشة على وجهها لكن دموعها التى هطلت بغزارة كانت كفيلة بأن تعلن عن شخصيتها.
ودعت سامية حبيب عمرها.. وعاشت على ذكراه بعدها.. واختارت أن تدفن بجواره كما أوصى.. لتظل بجواره حتى فى القبر.
غدر الحبيب فاتن حمامة تهزم «زهايمر» عمر الشريف



حكت لى فنانة قديرة كانت متزوجة من سيناريست كبير أنها سافرت معه قبل عشرين سنة إلى باريس، وتصادف أن نزلا بنفس الفندق الذى يقيم فيه النجم المصرى العالمى عمر الشريف، ولما التقته فى «الريسبشن» سلمت عليه وعرفته بنفسها، فسلم عليها بفتور، ولما همست له أنها صديقة فاتن حمامة، عندها لمعت عيناه ببريق فرح طفولى، وأخذها من يدها وانتحى بها فى ركن بعيد، وسألها بشوق عاشق: فاتن عاملة إيه؟.. احكى لى عنها.
عرف عمر الشريف وارتبط بأجمل نساء العالم، لكن ظلت فاتن هى حبه الأول والكبير والأخير.. وكذلك كان هو حبها الأول، صحيح أنها تزوجت قبله من المخرج الكبير عزالدين ذوالفقار وأنجبت منه ابنتها «نادية»، وكانت بطلة لأجمل أفلامه وأحبها عز بجنون، لكن فارق العمر والطباع حالا دون أن يكون فارس أحلام من كانت حلمًا لشباب ذلك الزمان ولأجيال أخرى متعاقبة.
كان قلب فاتن «بِكرًا» رغم زواجها، وينتظر من يخفق له ويستسلم، ولم تنتظر طويلًا، فقد جاء إليها يوسف شاهين بصديقه وزميله فى «كلية فيكتوريا» ليكون بطلًا أمامها فى فيلم «صراع فى الوادى»، ومنذ اللحظة الأولى اخترقتها نظراته النافذة وصوته العميق، وأحست بأنه الحب الذى تنتظره. يومها كانت فاتن هى معبودة الجماهير، بجمالها الهادئ وأناقتها البسيطة وملامحها الملائكية وأدوارها المحببة التى جعلتها قريبة من القلوب. وفى كل أفلامها التى سبقت «صراع فى الوادى» لم تسمح لممثل أن يُقبلها، ومع حبها الجديد والكبير وافقت بأول قُبلة لها على الشاشة، وكانت القبلة قنبلة وحدثًا اهتزت له السينما مثلما اهتز قلبها لعمر، تنازلت من أجله، ثم ضحت باستقرارها العائلى وانفصلت عن عز لتتزوج من عمر، وتمنحه قلبها وتعطيه من مجدها الفنى وتدعمه ليصير نجمًا من نجوم الشباك فى سنوات معدودة. أحبته فاتن بإخلاص وصدق، خاصة بعد أن أنجبت منه ابنها «طارق»، ومنحته أدوار البطولة أمامها فى أعمال كبيرة، المدهش أنه كان بينها فيلم من إخراج طليقها، فقد ارتضى عز فى لحظة جنون فنى طاغية أن يتولى إخراج «نهر الحب» الذى يجمع فاتن مع الممثل الجديد الذى تركته من أجله.
وعندما تحب المرأة بإخلاص فإنها تعطى بسخاء، وبلغ سخاء فاتن أن تركت مجدها كله وذهبت وراء حبيبها فى رحلته إلى العالمية، وبعد أن ذاع اسمه كنجم عالمى بعد فيلمه «لورانس العرب».. تركت نجوميتها وغامرت بمستقبلها الفنى وغابت عن جمهورها سنوات لكى تكون بجوار عمر وهو يصنع تاريخًا جديدًا فى السينما العالمية.. ارتضت أن تكون وراءه ونسيت طموحها الشخصى، لكن طموح عمر كان أكبر من حبه لها، أعمته الشهرة والعالمية وأضواء هوليوود، فكان الانفصال هو الحل الأخير.
وبعد أن راحت «السكّرة» عاد عمر ليبحث عن حبيبته، لكنها كانت قد اختارت حياة أخرى وزوجًا آخر، وتكفيرًا عن ذنبه رفض عمر أن يتزوج رغم الإغراءات الكثيرة، ظلت فاتن هى الحبيبة التى لا تُعوض.
وعندما عاد ليستقر فى مصر بعد «الغربة الطويلة» كانت فاتن هى «المستشارة» التى يلجأ إليها ويثق فى رأيها وعقلها.. ويبدو أنه كان ينسى نفسه فى لحظات، فتنبهه برفق إلى أنها سيدة متزوجة، وأنه فقط والد ابنها.
لكن عمر ظل يشعر بالذنب تجاهها وكأنه لا يريد أن يغفر لنفسه تخليه عنها.. وحتى عندما ضرب «ألزهايمر» ذاكرته فى سنواته الأخيرة لم يستطع أن يمحو فاتن منها.. ولم تكن مصادفة أن يلحق بها فى الدار الآخرة بعد رحيلها بشهور، وكأن الدنيا لم تعد دنيا دون فاتن.

طبعًا أحباب نهال كمال تبيع كل شىء لعيون الأبنودى


أمه شجعته على الزواج من نهال قائلة: «هىدى اللى ح تبقى أم أولادك»

طلبت مرة من «الخال» أن يكون ضيفى فى حلقات صحفية كنت أنشرها عنوانها «غراميات المبدعين»، يحكون فيها عن قصص حبهم ونزواتهم العاطفية، خاصة ما سجلوه منها فى إبداعاتهم، ويومها ضحك «الخال» طويلًا وهو يقص علىّ حكاية طويلة ملخصها أنه اعترف لعبدالحليم حافظ مرة بأنه بكى بالدموع عندما سمعه يغنى «تخونوه» فى فيلم «الوسادة الخالية» وستره ظلام قاعة السينما، فلم يلحظ أحد دموع الفتى الصعيدى.. وفضحه عبدالحليم، وجعل من دموعه نكتة يقصها على أصحابه فى سهراته، ومن يومها قرر الأبنودى ألا يبوح بدموعه وأسرار قلبه.
لكنه يومها عدل عن قراره وجلس ليحكى لى قصة غرامه الوحيدة الصادقة من نهال كمال.
عاش الأبنودى عمره مخلصًا لشعره فقط، ربما كانت فى حياته نزوات وزيجتان، لكنه لم يسلم قلبه لامرأة، ويعترف لك ببساطة بأن هذه المشاعر المتدفقة فى أغانيه وقصائده هى نتاج للموهبة والصنعة، ولم تكن ثمار تجارب حقيقية من الحب واللوعة والمشاعر الحقيقية، فقد قرر أن يهب عمره للشعر، القصيدة هى مولاته التى لا تقبل شريكة فى قلبه، بل تدليلًا على إخلاصه الكامل لقصيدته قرر ألا ينجب أطفالًا «خوفًا من أن يؤثر ذلك على صدق المسيرة ويؤدى إلى تراجعات فى الفكر والسلوك».
كطائر حر طليق عاش الأبنودى يرفع شعار صديقه محمود درويش: لا شىء أملكه فيملكنى، إلى أن كان على مشارف الخمسين من العمر عندما أطلت نهال كمال على حياته، فإذا بها تحطم كل السدود والموانع التى وضعها الشاعر على قلبه.
توهج الحب سريعًا، وباركته «فاطنة قنديل»، الأم التى حرضته على الزواج من تلك الجميلة العاقلة الرزينة، وقالت له بقلب أم: البنت مليحة.. وهى دى اللى ح تبقى أم أولادك.
ورغم فارق العمر، وفارق الطباع والطبقات وافقت نهال، ولم تتردد فى الزواج من شاعر، كانت تعرف أن حياته مرهونة لشعره، وأنه متقلب بالليل والنهار، مشدود الأعصاب كسلك عار، أو كما قال المتنبى: على قلق كأن الريح تحتى.
تجربة حب كانت الأكبر والأعمق فى حياة الأبنودى، فكتب لنهال وفيها ثلاث أغنيات ليست شبيهة ببقية أغنياته، فكانت تعبيرا عن مشاعر حقيقية وتجربة فعلية وليست وليدة الصنعة والموهبة، غنت منها وردة اثنتين: قبل النهارده.. وطبعا أحباب.. وغنت نادية مصطفى الثالثة: سنة واحدة وعملت كده فىّ.
من أجله تخلت نهال عن حلم البنات فى الفستان والطرحة وقبلت بحفل زفاف عائلى بسيط، والأهم أنها قبلت أن تكون زوجة لشاعر كبير، كانت تعرف حجم موهبته، فوفرت له مناخًا مثاليًا للإبداع، فكانت سنواته معها هى الأغزر إنتاجا وخصوبة.
حكى لى الأبنودى أنه يوم ميلاد ابنته «آية» ذهب للمستشفى متأخرًا، وكانت هناك قصيدة تطارده فى رثاء أستاذه الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، واتصل به صديقه جمال الغيطانى يستعجل القصيدة لتلحق النشر فى العدد الجديد من «أخبار الأدب»، فانتحى الأبنودى جانبًا قصيًا فى المستشفى ليكتب القصيدة، ولما أخبرت الممرضات نهال بما حدث بعد أن أفاقت من البنج ضحكت وقالت: عارفة وموافقة إنى أكون زوجته التانية بعد الشعر.
منحته نهال أجمل قصيدتيه «آية» و«نور».. ومنحها حبًا خالصًا طيلة أكثر من عشرين عامًا كانت فيها الملهمة والزوجة وأم حبتى قلبه.
تركت نهال مستقبلها المهنى وتفرغت لحبيبها الشاعر وارتضت أن تنتقل معه إلى تلك القرية النائية على أطراف الإسماعيلية، لأن جوها مناسب لرئتيه المتعبتين.
مات الأبنودى فى حضنها.. وعاشت بعده لتمنحه من عمرها.. لتظل نهال كمال أصدق أغنية كتبها وعاشها عبدالرحمن الأبنودى.