رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة ملش تكتب: سهام طايشة


يا أبلة لازم تردى، ده كلام ما يخصش شرفك وسمعتك لوحدك، لأ ده يخص شرفنا وسمعتنا إحنا كمان.. أبلة حكمت: «إنت بتقول إيه أنا أرد على كلام تافه زى ده، أنا أعرض حياتى الشخصية على صفحات الجرايد، الكلام ده مجرد سهام طايشة ماصبتنيش، ومجرد اهتمامى بيه ح يديه قيمة».
كنت صغيرة للغاية عندما عُرض هذا المسلسل، أذكر أننى كنت فى السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية، وهو مسلسل «ضمير أبلة حكمت» للراحل العبقرى أسامة أنور عكاشة، أسطى أسطوات الدراما المصرية، والذى قامت ببطولته سيدة الشاشة العربية بجلالة قدرها فاتن حمامة، ومن يتابع أعمال عكاشة بتركيز يكتشف أنه كان مدافعًا شرسًا عن المرأة، أغلب أعماله كانت تدور حول المرأة القوية التى تواجه الحياة بمفردها بتحدٍ وقوة وصلابة، وفى فلكها تدور بقية الشخصيات، وفى مسلسل «ضمير أبلة حكمت»، الذى عُرض تقريبًا عام ١٩٩٠، كانت بطلته سيدة حكيمة، راقية، مربية فاضلة، لديها مبادئ وقيم لا تحيد عنها مهما كانت الظروف وهى أبلة حكمت، ورغم صغر سنى أثناء عرضه الأول، إلا أننى أذكر هذا المشهد جيدًا، وكان قد لفت انتباهى بشدة وأصابنى بالحيرة، غير أننى انبهرت حقًا بحكمة هذه السيدة، التى تعرضت لحملة تشويه شنيعة، بعد أن خاض فى سمعتها ونال من شرفها الأوغاد، من خلال حملة شرسة على صفحات الجرائد وجلسات النميمة، وقد التقط أعداؤها الخنجر للتجريح فيها بنشر هذه الأكاذيب، مستغلين هذه الفرصة، توقعت فى هذا الوقت أنها ستملأ الدنيا صراخًا دفاعًا عن نفسها، خاصة بعد أن ذهب إليها أشقاؤها وطالبوها بالرد ونفى هذه الأكاذيب وضرورة الدفاع عن نفسها، لأن ما يتردد يتعلق بالعِرض والشرف، وبثبات شديد أدهشنى صمت أبلة حكمت ولم ترد على ما يقال ولم تنف ما يتردد، بل إنها انفجرت غاضبة فى وجه أخيها عندما طلب منها أن ترد فى نفس المكان الذى تتعرض فيه للهجوم، وهو الصحف والمجلات، أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعى الأن حلت محل الصحف فى هذا الوقت، فيما يخص نشر الأكاذيب والادعاءات، فمن يرد استهداف أحد لأى غرض يستغل هذه المواقع.
قالت أبلة حكمت لأخيها وهى منفعلة من هذا الطرح، والذى أعتقد أن المؤلف ربط بين اسمها وشخصيتها، وجعل لاسمها نصيبًا منها- إنها لن تعرض حياتها الشخصية على الملأ فى الجرائد ليقرأها الجميع، وإن مجرد اهتمامها بهذا الكلام التافة وهذه الأكاذيب هو ما سيعطيها الأهمية، فهو كلام غير مهم على الإطلاق ولن ينال منها، ولكن من ينشره سيحقق غرضه إذا تفاعلت معه، لأن تفاعلها هو الشىء الوحيد الذى سيعطيه أهمية، وقالت أيضًا إن هذه الأكاذيب مجرد سهام طايشة لم تصبها، ووصل غضبها إلى أنها طردت أخاها الذى طالبها بالرد على صفحات الجرائد من منزلها.
كنت مندهشة جدًا من رد فعلها، ومن تعاملها مع هذه الأزمة، كم الحكمة أصابنى بحيرة شديدة، وخالف تصوراتى بصراحة، وتأملت أبلة حكمت ووجدت أنها فعلًا أرقى وأكبر من أن ترد على ذلك، بل إنه لا ينبغى أصلًا أن تشغلها هذه الأكاذيب، ولكنى أيضًا انبهرت من أنها وهى فى قلب ما يحدث كيف وصلت لهذه الحقيقة، من الممكن أن يرى من هو خارج المشكلة الحل ويكتشف الحقيقة أسرع بكثير من الشخص الذى يكون فى قلب المشكلة، لأنه عادة يكون مشوشًا، ولكن هذه السيدة الذكية فعلت ذلك وهى فى قلب عاصفة الأكاذيب التى تستهدفها.. وصلت لحقيقة ما يحدث ورأته جليًا، فهو كلام مجرد كلام لن يغير من الحقيقة شيئًا، لن يهدم كيانها الذى يحترمه ويقدره الجميع، لن يمس سمعتها الطيبة بين الناس، لن يقلل من قدرها وشأنها العالى الذى تراكم وشيد عبر السنين، وعلى طريقة يا جبل ما يهزك ريح، لم تهتز أبلة حكمت ولم تعر هذه الشوشرة أى أهمية، وكأن شيئًا لم يحدث على الإطلاق.
صحيح أننى اندهشت من موقفها، ولكنى تعلمت هذه الحكمة، التى من الصعب أن يصل إليها إنسان، كلنا معرضون لحملات تشويه، من مرضى النفوس، ومن الحاقدين وكذلك من أصحاب المصالح، وفى لحظة الانفعال قد نخطئ أكبر خطأ فى حق أنفسنا، عندما نتورط فى الرد والدفاع، خاصة أنه أحيانًا يدفعنا سبب مستفز للرد، وهو عدم ترك الساحة خاوية للطرف الآخر ليقول ما يقول براحته، لازم نرد، ولكنك هنا تقع فريسة للاستفزاز وتحقق هدف عدوك، لأن الرد ينال منك، فأنت أكبر من أى كلام، وأصدق من أى أكاذيب، والتجاهل هو السلاح الوحيد الفعال فى هذه الحالة، تجاهلك فقط هو ما سيلقى بهذا الكلام وصاحبه فى سلة المهملات، وهو ما يجعل الكلام يموت وصاحبه أيضًا يموت غيظا، كمل طريقك بقوة وثقة وثبات، فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.. يقول رب العالمين فى القرآن الكريم: «اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ».