رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فاروق حسنى يحاكم صنع الله إبراهيم فى قضية جائزة الرواية العربية

فاروق حسنى
فاروق حسنى

وزير الثقافة الأسبق فى مذكراته: أراد «الشو».. وأعماله غير معروفة على المستوى الشعبى

كان ذلك فى الثانى والعشرين من أكتوبر ٢٠٠٣.
اختارت لجنة تحكيم جائزة «ملتقى القاهرة للإبداع الروائى العربى» الأديب صنع الله إبراهيم للفوز بالجائزة، وعقد الحفل الختامى على مسرح دار الأوبرا، بحضور وزير الثقافة آنذاك، فاروق حسنى، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، د. جابر عصفور، ولجنة التحكيم التى ‬ضمت ‬أسماء ‬عربية ‬مرموقة، ‬وجمعًا ‬من ‬الأدباء ‬والمثقفين.

تقدم «صنع الله»، الذى كان يعرف بفوزه قبلها بأيام، لتسلم الجائزة، وسط تصفيق حاد، قبل أن يحدث مشهد سينمائى.
أخرج «صنع الله» ورقة بدا للجميع كما لو كانت تحوى كلمة يعبر فيها عن فرحه بالجائزة، وشكره لأعضاء لجنة التحكيم على اختياره للفوز بها، غير أنه فاجأ الحضور برفض تسلمها، لأنه «يرفض تسلم الجائزة من السلطة التى تعمل على قمع الشعب المصرى وترهن سياستها الخارجية بإسرائيل، وتقبل بوجود السفير الإسرائيلى رغم كل الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى من قمع وسفك للدماء».
ألقى «صنع الله» خطبة عصماء، قبل أن يغادر القاعة، قال فيها: «فى هذه اللحظة التى نجتمع فيها هنا، تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى من الأراضى الفلسطينية، وتقتل النساء الحوامل والأطفال، وتشرد الآلاف وتنفذ بدقة منهجية واضحة خطة لإبادة الشعب الفلسطينى، لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان. وعلى بعد خطوات من هنا يقيم السفير الإسرائيلى فى طمأنينة. وعلى بعد خطوات أخرى يحتل السفير الأمريكى حيًّا بأكمله من العاصمة، بينما ينتشر جنوده فى كل ركن من أركان الوطن الذى كان عربيًا».
وأشار إلى «التهديد العسكرى الفعلى لحدودنا الشرقية» و«الإملاءات الأمريكية» وإلى «تفشى الفساد والنهب»، نافيًا وجود صناعة أو زراعة أو عدل أو مسرح أو سينما أو بحث علمى أو تعليم، وإنما «لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات».
وأضاف أن «الواقع مرعب وفى ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسئوليته».
وتوجه إلى الحضور: «لن أطالبكم بإصدار بيان يستنكر ويشجب، فلم يعد هذا يُجدى، لن أطالبكم بشىء، فأنتم أدرى منّى بما يجب عمله».
انسحب ‬صنع ‬الله ‬إبراهيم، ‬إلا ‬أن ‬فاروق ‬حسنى ‬سرعان ‬ما ‬اتجه ‬إلى ‬الميكروفون ‬ليلقى ‬كلمة ‬قصيرة، معلنًا أن «الجائزة وسام على صدر النظام، فلو لم يكن يسمح بهذا القدر من الحرية لما قال (إبراهيم) كلمته». واعتذر لأعضاء لجنة التحكيم مشيدًا بجهدهم كى ينتهوا إلى هذا «الاختيار الجيد».
وتساءل: «الكاتب وافق على قبول (جائزة العويس) بدولة الإمارات، فهل يرفض الجائزة المصرية لأنها أدنى فى قيمتها المادية (١٠٠ ألف جنيه)؟».
إلى هنا انتهى الأمر، لكن فاروق حسنى اختار أن يعود إليه مجددًا فى مذكراته الصادرة مؤخرًا تحت عنوان «فاروق حسنى يتذكر.. زمن من الثقافة»، عن دار نهضة مصر للنشر والتوزيع.
لنقرأ معًا شهادة «فاروق».
«‬هذه ‬الجائزة ‬لم ‬تمنحها ‬له ‬الوزارة ‬ولا ‬الحكومة، ‬وإنما ‬منحتها ‬لجنة ‬من ‬الأدباء ‬العرب ‬ترأسها ‬الأديب ‬السودانى ‬الكبير ‬الطيب ‬صالح، ‬وهى ‬جائزة ‬استحدثناها ‬فى ‬المجلس ‬الأعلى ‬للثقافة ‬للرواية ‬والشعر ‬العربى، ‬انطلاقًا ‬من ‬مكانة ‬مصر ‬ودورها ‬الثقافى، ‬وكان ‬د.‬ جابر ‬عصفور ‬قد ‬أخبرنى ‬قبل ‬الحفل ‬بثلاثة ‬أيام ‬بفوز ‬الأديب ‬صنع ‬الله ‬إبراهيم، ‬فقلت ‬له: ‬لا ‬تخبره ‬حرصًا ‬على ‬عنصر ‬المفاجأة ‬الضرورى ‬لأى ‬جائزة، ‬إلا ‬أنه ‬كان ‬قد ‬أخبره ‬بالفعل، ‬لذا ‬كان ‬لديه ‬الوقت ‬ليرتب ‬هذا ‬‮«الشو‮‬، ‬فقد ‬وقفت ‬لجنة ‬التحكيم ‬فى ‬استقباله ‬على ‬المسرح، ‬وصعد ‬وسط ‬تصفيق ‬الحضور، ‬ليعلن ‬رفضه ‬الجائزة، ‬ويغادر ‬المسرح ‬مزهوًا ‬بنفسه.
‬كان ‬مشهدًا ‬تمثيليا ‬باهتًا، ‬أصاب ‬أعضاء ‬اللجنة ‬بالوجوم، ‬وأسقط ‬فى ‬يد ‬جابر ‬عصفور ‬الذى ‬شعر ‬بحرج ‬شديد، ‬إلا ‬أننى ‬استوعبت ‬الموقف ‬بسرعة، ‬ولم ‬أشعر ‬بالحرج ‬ولا ‬بالأسى، ‬وأمسكت ‬الميكروفون ‬وقلت: ‬إن ‬رفض ‬صنع ‬الله ‬إبراهيم ‬الجائزة ‬يعد ‬شهادة ‬للحكومة ‬المصرية ‬ومناخ ‬الحرية ‬الذى ‬تعيشه ‬مصر، ‬وإن ‬فوزه ‬بها ‬دليل ‬ينفى ‬ما ‬قاله، ‬وأشدت ‬بلجنة ‬التحكيم ‬وحيادها ‬والجهود ‬التى ‬بذلتها ‬لاختيار ‬الفائز، ‬موجهًا ‬الشكر ‬لهم ‬وصفق ‬الحضور ‬وأعضاء ‬اللجنة ‬التى ‬كانت ‬تضم ‬عددًا ‬من ‬كبار ‬الأدباء ‬العرب».
ويضيف: «فى ‬الحقيقة ‬لم ‬يرهبنى ‬الموقف ‬برمته، ‬بل ‬إننى ‬أثناء ‬إلقاء ‬كلمته ‬كنت ‬أخشى ‬أن ‬يتطوع ‬أحدهم ‬ويقطع ‬الصوت، ‬أو ‬ينزل ‬ستار ‬المسرح ‬عليه، ‬لأنه ‬لو ‬حدث ‬سيعكس ‬خوفنا ‬مما ‬يقوله، ‬وبالتأكيد ‬سيعتبرها ‬بعضهم ‬‮(‬تعليمات ‬الوزير)‬، ‬وأذكر ‬أنه ‬فى ‬صباح ‬اليوم ‬التالى ‬لهذه ‬الواقعة ‬تناقل ‬البعض ‬أن ‬مباحث ‬أمن ‬الدولة ‬ستلقى ‬القبض ‬على ‬صنع ‬الله ‬إبراهيم، ‬اتصلت ‬بالرئيس ‬ورويت ‬له ‬ما ‬حدث، ‬وقلت ‬له ‬إننى ‬أخشى ‬أن ‬يتم ‬القبض ‬على ‬صنع ‬الله ‬إبراهيم ‬فيتحول ‬إلى ‬بطل ‬قومى، ‬فقالى ‬لى: ‬(إيه ‬الكلام ‬الفاضى ‬ده‬‮)، ‬وأكد ‬أنه ‬لن ‬يحدث ‬شىء ‬من ‬هذا ‬أبدًا، ‬وقال ‬بالحرف ‬الواحد: «هو ‬حر ‬يقول ‬ما ‬يشاء، ‬وردك ‬عليه ‬جاء ‬حاسمًا».
يستطرد الفنان: ‬«لاشك ‬أن ‬موقف ‬صنع ‬الله ‬إبراهيم ‬أدهشنى، ‬وأفقده ‬مصداقيته ‬عندى ‬ككاتب ‬كنت ‬أقرأ ‬له ‬أعجب ‬برواياته، ‬لكن ‬أدركت ‬أن ‬كتاباته ‬تشبه ‬تصرفه، ‬وأنه ‬أحد ‬الباحثين ‬عن ‬الشهرة فهو ‬غير ‬معروف ‬على ‬المستوى ‬الشعبى، ‬ويبدو ‬أن ‬هذا ‬الأمر ‬ظل ‬يؤرقه.. ولو ‬كان ‬صادقًا ‬لاعتذر ‬حين ‬تم ‬إعلامه ‬بفوزه ‬بها، ‬ولأصدر ‬بيانًا ‬كما ‬يريد، ‬لكنه ‬جاء ‬لتسلمها ‬وصعد ‬إلى ‬المسرح ‬ثم ‬وقف ‬يعلن ‬رفضه ‬لها، ‬لقد ‬أراد ‬أن ‬يعمل ‬‮(‬شو‮)‬ ‬لا ‬أكثر، ‬إلا ‬أن ‬هذا ‬الموقف ‬أساء ‬إليه ‬قبل ‬أن ‬يسىء ‬لأحد ‬آخر».