رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكري وفاة القارئ المعلم.. "الحصري" أوصى بثلث أمواله لخدمة القرآن

الشيخ محمود خليل
الشيخ محمود خليل الحصري

تحل اليوم الذكرى الـ38 على وفات القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، وعلى الرغم من مرور هذه الفترة الكبيرة إلا أن صوته الجميل ما زال يطرب القلوب قبل الأسماع فى إذاعة القرآن الكريم.

يعتبر أكثر قراء القرآن علما، وخبرة ووعيًا بفنون القراءة، مستفيضا بعلوم التفسير والحديث، فلقد كان يجيد قراءة القرآن الكريم بالقراءات العشر، ونال شهادة علمية فيها من الأزهر الشريف سنة 1958، وكان ملما بهذه القراءات علما وفهما وحفظا بجميع أسانيدها المأثورة.
كانت عبقريته تقوم على الإحساس اليقظ بعلوم التجويد للقرآن الكريم، فكان ذو ورع وتقوى، وملئ صوته رهبة ومخافة، فأثراه خشوعا وخضوعا لله عز وجل، ويؤثر فى أذان سامعيه، إلى جانب أنه قارئ للقرآن الكريم عبر أكثر من أربعين عاما وفى الإذاعات المصرية والعربية والإسلامية.

وكان يحاضر فى كثير من الجامعات المصرية والعربية والإسلامية، حيث كان عالما ذو رسالة نبيلة بل هى أعظم رسالة فى دنيا العلوم والمعارف وهى رسالة حفظ كتاب الله من أى تحريف وتشويه،وكان مراجعا لكتاب الله فى الإذاعة، ومختبرا للقراء الجدد ومراجعا لكتابة المصحف.

ظل شيخا لقراء العالم الإسلامي طيلة عشرين عاما وكان عضوا فى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وبالرغم من كل ذلك ظل متواضعا يحب الفقراء ويجالسهم ويعطف عليهم.

سافر إلى جميع الدول العربية والإسلامية وكذلك روسيا والصين وسويسرا وكندا، وأغلب عواصم العالم، واستقبله عدد كبير من الملوك والرؤساء والأمراء فى معظم دول العالم منهم الرئيس الأمريكي جيمى كارتر.

وأوصى بثلث تركته للإنفاق منها على مشروعات البر والخير ولخدمة المسجدين التى شيدهما للقاهرة وطنطا والمعاهد الدينية الثلاثة الابتدائي والإعدادي والثانوى الأزهرى، ومكتبين لحفظ القرآن الكريم فى المسجدين بالقاهرة وطنطا وحفاظ القرآن الكريم ومعلميه والإنفاق فى كافة وجوه الإحسان.


نشأته

ولد الشيخ محمود خليل الحصري في محافظة الفيوم بقرية شبرا النملة، والتحق بالكتًاب في سن الرابعة من عمره ليحفظ القرآن الكريم وعندما بلغ الثماني من عمره قد أتم حفظ القرآن في مسجد الأحمدي بطنطا حيث كان يحفظ القرآن به ويذهب إلي طنطا لمهمة الحفظ، وفي الثانية عشر انضم إلى المعهد الديني في طنطا.

ثم تعلم القراءات العشر بعد ذلك في الأزهر، وأخذ شهاداته في ذلك العلم (علم القراءات) ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن، كان يقرأ القرآن في مسجد قريته، وفي اجتماعات السكان هنالك، وفي عام 1944 تقدم إلى الإذاعة المصرية بطلب كقارئ للقرآن الكريم وبعد مسابقة حصل على العمل وكانت أول بث مباشر على الهواء له في 16 نوفمبر 1944م، استمر البث الحصري له على أثير إذاعة القرآن المصرية لمدة عشرة سنوات.


حياته العملية والعلمية


تقلد الشيخ الحصري العديد من المناصب بسبب فضل القرآن الكريم حيث عين شيخا لمقرأة سيدي عبد المتعال في طنطا، ثم في 7 أغسطس 1948 صدر قرار تعينه مؤذنا في مسجد سيدي حمزة، وفي 10 أكتوبر 1948 عدل القرار إلى قارئ في المسجد مع احتفاظه بعمله في مقرأة سيدي عبد المتعال. ليصدر بعد ذلك قرار وزاري لتكليفه بالإشراف الفني على مقاريء محافظة الغربية، وفي 17 إبريل 1949م تم انتدابه قارئا في مسجد سيدي أحمد البدوي في طنطا(المسجد الأحمدي)، في عام 1955م انتقل إلى مسجد الإمام الحسين في القاهرة.

وفي 1957م عين مفتشا للمقارئ المصرية، وفي 1958م عين وكيلا لمشيخة المقارئ المصرية، وفي نفس العام تخصص في علوم القراءات العشر الكبرى وطرقها وروايتها بجميع أسانيدها ونال عنها شهادة علوم القراءات العشر من الأزهر الشريف، وعين مراجعا ومصححا للمصاحف بقرار مشيخة الأزهر الشريف، وهو أول من ابتعث لزيارة المسلمين في الهند وباكستان وقراءة القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند في حضور الرئيس الأول بالهند في حضور الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس جواهر لال نهرو وزعيم المسلمين بالهند، وصدر قرار جمهوري في عام1961 بتعيينه شيخ عموم المقارئ المصرية.

وكان الشيخ الحصري أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية حفص عن عاصم وظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر على إذاعة صوته منفردا حوالي عشر سنوات.ثم عين نائبا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف ثم رئيسا لها بعد ذلك، 1965م قام بزيارة فرنسا وأتيحت له الفرصة إلى هداية عشرة فرنسيين لدين الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم، وفي 1966م اختاره اتحاد قراء العالم الإسلامي رئيسا لقراء العالم الإسلامي بمؤتمر اقرأ بكراتشي بباكستان.

ومن بين المواقف التي ظلت خالدة في ماليزيا حيث حملت سيارة الشيخ الحصري على الأكتاف وهو بداخلها من شدة إحترام الشعب وحبه له، وهو القاريء الوحيد الذي قرأ القرآن الكريم في البيت الأبيض الأمريكي، وعلى الرغم من كونه أشهر قارئ للقرآن الكريم في مصر والعالم العربي إلا أنه كان يتميز بالتواضع وكان يلبس بناته من نفس ملابس الخادمات عنده فكما يشتري لبناته يشتري لهم.


مؤلفات الشيخ الحصري

قام الشيخ الحصري بتأليف عدة كتب منها:أحكام قراءة القرآن الكريم.القراءات العشر من الشاطبية والدرة، معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء، الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير، أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر.مع القرآن الكريم، قراءة ورش عن نافع المدني، قراءة الدوري عن أبى عمرو البصري، نور القلوب في قراءة الإمام يعقوب،السبيل الميسر في قراءة الإمام أبى جعفر،حسن المسرة في الجمع بين الشاطبية والدرة، النهج الجديد في علم التجويد، رحلاتى في الإسلام.


الشيخان نعينع والطبلاوى عن الحصرى

قال القارئ الدكتور أحمد نعينع، جمعني بالشيخ الحصري رحمه الله موقفين عندما ذهبت للعزاء في دسوقي في قرية " صيفر" وقتئذ كنت قارئ في الإسكندرية في مسجد الشيخ علي السماك التقيت به في العزاء وقرأت بعد قرأته في حضوره وقال لي "أنت ولد بارع ولك مستقبل في التلاوة "وكان سعيد بأدائي وكان في السبعينيات عندما كنت طالب في كلية الطب، وقال لي أنت صوتك أفضل من كثير من قارئ القرآن وقدمني للختام هذا موقف، وفي المرة الثانية اعتمدت في الإذاعة في نوفمبر 1979.

وأضاف في تصريحات له: وفي مارس عام 1980 كان ثالث فجر لي علي الهواء في الإذاعة المصرية، وكنت بسجل حلقات إضافية عندما كان أحمد الملاح نائب شبكة إذاعة القرآن الكريم وعندما جئت إلى مصر لقراءة الحفلة في مسجد سيدنا الحسين بعد اعتمادي في الإذاعة فأبلغوني بأني سأقرأ أنا والشيخ الحصري وسوف يبتهل الشيخ نصر الدين طوبار، وكان هذا بعد فترة زمنية ووقتها لم يتذكرني الشيخ الحصري وهو قد قرأ ولكن ظل في مكانه وبعدها قدمني المذيع والتفت لي فقرأت وانبسط مني جدا وتذكرني وحدثني حديثا سعيدا وعانقني معانقة حارة.

وتابع: قال لي انت جالس فين فقلت في فندق فأخذني إلى بيته بشنطتي في العجوزة واحضر العشاء واحتفل بي، وقال لي إن الشيخ علي ابني مبتهل سيكون معك الليلة القادمة ونمت في السرير الخاص به الذي بجواره شماعة عليها العمامة والكاكولا، وقال نم وسوف اصحيك قبل التسجيل بنصف ساعة قبل الفجر وفي الفجر ظل يوقظني يا دكتور اصحي يا دكتور وفي يده الفطور والشاي بيده مخصوص، وأولاده الشيخ علي والسيد والدكتور محمد قالوا نومك في سريره بعد ما أصبحت قارئ السورة كان إشارة أنك ستكون مكانه على الكرسي الذي كان يقرأ عليه في يوم الجمعة.

وأحضر السيارة بالسائق وذهبنا إلى مسجد سيدنا الحسين وقرأت الفجر والشيخ علي ابتهل واستأذنت منه وذهبت مرة أخري للفندق نمت ونزلت الإذاعة سجلت، ثم بعدها رجعت الإسكندرية.

وفي عام 1980 نوفمبر توفي الشيخ الحصري رحمه الله وقرأت في إذاعة القرآن ذكري الأربعين في ديسمبر وكانت الإذاعة من 5 إلى 11 تقول من أراد من القراء من يقرأ بالاحتفال بالمرور 40 يوما وقبل مسجده في أكتوبر، كنت أقرأ في مسجد العجوزة تحت منزله كل سنة اقرأ فيه علي روحه في الذكري السنوية في نوفمبر وبعدها اقرأ في كل عام في مسجده في أكتوبر وعلاقتي بأولاده طيبة جدًا الحاجة ياسمين والشيخ علي الحصري والشيخ سيد والدكتور أحمد علاقة ود وآخاء هذه كل علاقتي به وكان في أعوامه الأخيرة.

وقال القارئ الشيخ محمد الطبلاوى، نقيب القراء، إن الشيخ القارئ الحصرى يعد امتداد لأجيال العمالقة فى القراءة حيث تميز طوال مسيرة حياته العملية بالكثير من المهارات كالجودة فى حفظ القرآن الكريم وفى أحكام التجويد والتلاوة، وأن الحصرى أثرى القراءة والإذاعة المصرية للقرآن الكريم بالكثير من التسجيلات والقراءات النادرة، وأنه يعد مدرسة فى عالم القراءة وأنه يحب أن يستمع له ويعد من الناس الذين تأثر بهم فى مشواره فى القراءة والتجويد.

وأشار الطبلاوي، إلى أن جيل العملاقة ومن بينهم الشيخ الحصرى كان شاغله الشاغل هو تزويد نفسه بالكثير من المهارات وأحكام التجويد بعيد كل البعد عن المكاسب وجمع الأموال، وأن الحصرى مثالًا رائع ومشرف لتاريخ القراء المصريين، حيث يعد نموذج يحتذى به للقراء الشباب الذين يعدون بمثابة حاملي الراية من بعد عمالقة القراء، وأنه يتعين عليهم الاستماع للحصرى والشيخ محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد وكثيرون من أصحاب الحناجر الذهب الذين ملئوا سماء الدنيا بأصوات وابتهالات أذهلت الجميع فى الداخل والخارج.

وأكد أنه سبق والتقى بالشيخ الحصرى فى مناسبات كثيرة وكان يتحلي بالتواضع وكانا يجلسان في حلقات علم وذكر وتأثرت به كأحد أساتذة القراءة المصرية.


عائلة الشيخ الحصري

تزوج الشيخ الحصري عام 1938م، وأنجب ثلاثة صبيان وثلاثة بنات الدكتور محمد والمنشد علي، والشيخ سيد، والحاجة شوقية رحمها الله، والحاجة ياسمين، والحاجة إيمان، وجميعهم يحفظون كتاب الله، وكانت مسؤولية التربية والرعاية والتوجيه تقع على كاهل الأم نظرًا لانشغال الحصري وأسفاره في الخارج والداخل.


الابن الأكبر يتحدث عن أبيه

قال الدكتور محمد محمود الحصري، منذ نشأتنا عودنا الشيخ الحصري علي حسن معاملة الغير واحترام الكبير، وعلى سبيل المثال لو هناك شخصا أناديه باسمه كان يقول لي لا تقول فلان بل قل يا عم فلان أو يا أستاذ فلان، وحدث موقف عندما كنت في الثانوية تلميذا وأخي حدث معه موقف مع معلم مادة التوحيد وذهبت له وجلسنا في مكتبه وتناولت كوب من الشاي معه وعندما علم بذلك حزن وقال كيف تشرب الشاي معه، فالمعلم له احترامه وهيبته ولا يصح أن تشرب أمامه أو تجلس معه بل تقف عندما يتحدث معك.

واستكمل من الأشياء الطيبة التي كان يفعلها أبي عندما كان يسافر ويشتري لإخوتي البنات ملابس وأقمشة كان يشتري لعاملات النظافة والخادمات من نفس النوع، وعندما كانت تعترض أخواتي كان يقول لهن هم جاءوا لخدمتكم وتركوا أمهاتهم وأنتم في حضن أمكم.

وتابع، كانت تصور على الجنينة في الفيلا أشجار المانجو وتميل على فلل الجيران وعند جمعها كان يرسلها لهم سواء مسيحيين أو مسلمين، ولم يدخلها البيت وكان يقول للجار حق، وكان دائما عندما يأتي له ضيف يعطي له مصحف، وعندما يري شخص ظروفه المادية متعسرة من الضيوف كان يضع له مبلغًا من المال في المصحف بحيث لا يحرجه أمام الآخرين.

وأتذكر موقفا في يوم نزل أبي من السيارة وقبل دخوله البيت في الجنينة خلع ملابسه وكانت عمامة وكاكولا وأعطاها لقارئ بسيط قال لأبي أريد أن أحضر عزاء بثياب من عندك فأعطاه له للأبد، وكان قراء القرآن لهم منزلة عنده، والقارئ الكفيف حدد له مكافأة آخرى للمرافق.

وقال عندما كنا في المعهد الابتدائي كنا نحفظ القرآن إلى وقت صلاة الظهر، وبعدها نحفظ الجزء الخاص بما يتلي علينا، وكان أجازة نصف العام لحفظ القرآن فقط، فكان الحصري يحترم مشايخ الأزهر ويحبهم وكان معظم سفرياته مع شيوخ الأزهر، وأول سفر له مع الشيخ شلتوت إلى جنوب آسيا حدث موقف في تلك السفرية أن مرض شتلوت وحدثت سيول غزيرة في تلك المنطقة ومنع دخول سيارات فيها فحمل أبي الشيخ شلتوت على أعناقه إلى المستشفي، وسافر مع الشيخ محمود عبدالحليم إلى أمريكا.

ومن أبرز الشخصيات التي تأثر بها الحصر ويجلس معهم وتترد علينا الشيخ الفحام وعلماء الأزهر، ومن القراء المنشاوي وعبدالصمد.

وعندما بني المسجد الأول كان في شبرا النملة، وبني بجواره معهد ديني ابتدائي وإعدادي وثانوني، وتم بناء أكبر معهد ديني لغات في أكتوبر ويدعمه شيخ الأزهر.

وسبب تسميت عائلة الحصري بهذا الاسم، أن جدي الحاج سيد الحصري فلاح ومزارع، وجاء لقب الحصري عندما رأي حصر المسجد مقطعة فبدأ يجمع الخوص ويفرش المسجد وكان مجانا فسمي بذلك، والأساس لم يكن هناك "حصري" ورأي في المنام أنه نازل من على ظهره عنقود عنب فذهب لتفسير الحلم وقال له زوجتك حامل فقال نعم فقال علمه القرآن هو وذريتك وحفظ أبي القرآن في مسجد الأحمدي وعلمنا جميعنا وحفظنا القرآن.


وفاته

أوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحُفَّاظه، والإنفاق في كافة وجوه البر. توفى مساء يوم الاثنين 16 محرم سنة 1401 هـ الموافق 24 نوفمبر 1980 بعد صلاة العشاء بعد أن امتدت رحلته مع كتاب الله الكريم ما يقرب من خمسة وخمسين عامًا.