رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متى ننتقل من بيت العيلة إلى بيت العدالة؟


«دمشاو هاشم» اسم قرية نائية تقع فى محافظة المنيا لم أكن أسمع عنها ولا أعرفها من قبل، ولكنها الآن أصبحت محط أنظار وأبصار العالم، وأصبحت قرية مشهورة ومعروفة فى الداخل والخارج، لا لأن أحد أبنائها اكتشف اكتشافًا علميًا مميزًا، ولا لأن بها آثارًا متميزة، ولكن بفضل أحداث التوتر الدينى التى حدثت بها الشهر الماضى، حيث قام عدد من المتطرفين بإثارة الشغب والتعدى على المسيحيين وممتلكاتهم وحرق بيوتهم وتشريدهم لاعتراضهم على بناء كنيسة دون الحصول على تصريح.
أيضًا مؤخرًا تمكنت سلطات أمن بنى سويف من احتواء موقف سلبى شهدته كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بقرية «الزيتون»، التابعة لمركز ناصر بمحافظة بنى سويف، عندما فوجئ المصلون بأحد أفراد قوة تأمين الكنيسة يقتحم «صحن» الكنيسة، وسار حتى مواجهة الهيكل، ثم بادر بالصياح بصوت جهورى، موجهًا حديثه للكاهن والشعب مرددًا «أنتم كفار يا كفرة.. كلكم كفرة»، وتمكن بعض المصلين من السيطرة على الشرطى واصطحابه خارج الكنيسة، وتم تسليمه لباقى أفراد الشرطة المكلفين بتأمين الكنيسة، الذين قاموا بإخطار مأمور المركز، الذى حضر على الفور للكنيسة بصحبة عدد من قيادات الشرطة بالقسم، وقام بإلقاء القبض على الشرطى، وتمت إحالته للتحقيق مع وقفه عن العمل.
إن هذه الأفعال المؤثمة والأقوال الطائشة غير المسئولة، تجسد لنا إلى أى مدى تغلغل التعصب لدى بعض المتطرفين فكريًا، ومن ثم تغلبت النظرة الطائفية البغيضة حتى داخل الدين الواحد.
والتعصب هو آفة الآفات المدمرة للعقل الإنسانى، فالآفة هى كائن حى يسبب الأذى لكائن حى آخر مهم بالنسبة للإنسان، وقد يكون الكائن الثانى الإنسان نفسه، والتعصب آفة ومرض بغيض يتسبب فى تدمير المجتمعات الإنسانية.
ومن اللافت للنظر أنه بعد كل حادث يتم فيه الاعتداء على مواطنين مسيحيين، يدعو البعض إلى عمل جلسات صلح عرفية، ويتحدث البعض عن بيت العيلة وضرورة تدخله، وفى حقيقة الأمر أرى أن مهمة بيت العيلة لا بد أن تكون مقصورة فقط على رفع الوعى المجتمعى بثقافة قبول الآخر الدينى المغاير، وأن تكون التوعية قبل حدوث أى اعتداءات، أما وقد حدثت الاعتداءات فلا بد من تدخل دولة القانون وإحالة الأمر برمته للقضاء، وأن ننتقل من بيت العائلة لبيت العدالة.
وعندما ينتشر التعصب فمن البديهى أن تحدث مثل هذه الأعمال الإجرامية على أساس الدين، ولكن الفرق بين دولة المواطنة وشبه الدولة، هو تطبيق القانون على المخطئ ومحاسبته دون اعتبار لدينه أو انتمائه للأغلبية.
إن دولة القانون هى التى لا تفرق بين مواطنيها على أساس لون أو دين، فإن كنا فى مصر وصلنا إلى هذه الدرجة من الرخاوة، وفشلنا فى أن نتعايش معًا، وأن التعبد للإله الواحد لم يوحدنا، وفشل التدين فى أن يجعل المتعصبين يقبلون التعددية والتنوع، ومن ثم يكثرون من الاعتداء على المغايرين دينيًا، فعلى الأقل لنكن دولة قانون يقف الجميع أمامه متساوين دون أى حسابات أو اعتبارات لأغلبية أو لأكثرية، فبتطبيق القانون نتحول من شبه الدولة إلى الدولة، وأعتقد أنه جاء الوقت لأن ننتقل من بيت العيلة ونذهب إلى بيت العدالة؟!.