رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذهنية التقليد ودائرة التكرار الموسمية


يظل التفكير الإسلامى من بين كل الأديان، هو الأقرب والأعمق تمركزًا حول النص، الذى يتم التعامل معه ظاهريًا دون فحص المعانى والغايات التى من أجلها نزل هذا النص، مما يغلق باب أى محاولة للاجتهاد، ويجعل العقلية العربية لا تبارح تصورات وواقع القرون الماضية، فى الوقت الذى يستهلك فيه الإنسان المسلم نتاج الاجتهادات العلمية الغربية، ويحيط نفسه بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة التى أنتجتها ذهنية منفتحة لا تخشى سبر غور الأشياء أو التدقيق، وفحص كل ما يحيط بها من مظاهر الكون.. فلا يوجد أحد فى عالمنا الإسلامى لا يستفيد من تكنولوجيا الصورة والموبايل، حتى الدعاة والقنوات الدينية، يستخدمون النتاج الغربى من أفلام وثائقية وروائية لشرح تصورات ونصوص من الأحاديث حول أحداث يوم القيامة، فى حين أن علماء الدين كانوا يُحرّمون فى البدء كل ما هو متعلق بعالم الصورة.. وفى الوقت الذى يغزو فيه الغرب القمر وينزلون على سطحه، ما زال المسلمون يتجادلون كل عام ويختلفون فى تحديد كيفية الرؤية الشرعية لهلال رمضان أو شوال، هل هى بالعين المجردة أم يمكن استخدام الأدوات العلمية الحديثة؟
أندهش دائمًا من كم البرامج الفقهية وكم الأسئلة التى تأتى للمشايخ للسؤال عن أشياء تبدو بديهية، إن غلق باب التفكير هو ما أوجد هذا الإنسان الحائر الذى يبحث عن سند شرعى لكل ما يفعل حتى لا يقع فى دائرة التحريم، وامتداد دائرة التحريم أو انحسارها يتوقف على صيغ وعبارات لفظية معينة، كلنا يتذكر انتشار ظاهرة الزواج العرفى، والتى اكتسبت شرعيتها بين أى اثنين من مجرد صيغة طلب الزواج والقبول على سنة الله ورسوله، فتنتقل العلاقة من دائرة الحرام إلى دائرة الحلال، بغض النظر عن فساد الظاهرة وما تحمله من قيم سلبية تتمثل على الأقل فى الكذب والخديعة، فى حين تحيط الشبهات والتحريمات بأى علاقة علنية بين رجل وامرأة حتى الزمالة فى العمل.
وتتجلى ذهنية التقليد عند علماء الدين، عندما تواجههم أسئلة عن مستحدثات جدّت فى حياة المسلمين.. منها السؤال السنوى الدائم مع كل رمضان عن مبطلات الصيام.. هل الحقن بأنواعها، البخاخة، الفحص المهبلى للمرأة.. إلخ؟ وتكون الإجابة التى تعتمدها دار الإفتاء قائمة على ما قال الفقهاء.. رغم أن المنطق يقول إنه يجب العودة للأطباء كمرجعية لتحديد تأثير عمل واستخدام هذه الأدوات على جسم الإنسان، وما مدى اتفاق ذلك أو تعارضه مع المفهوم الإسلامى للصيام. هل من العجيب أن تتكرر الأسئلة كل عام؟ لا، ليس عجيبًا.. فقد استفدنا كثيرًا من التكنولوجيا الحديثة فى عملية نسخ وطبع المنقول.. ونسبة الأمية المرتفعة والخوف من التفكير تجعلنا نتعثر كل عام فى الإشكاليات نفسها، ونظل ندور فى الدائرة ذاتها، دون أى احتمال لحدوث إزاحة خارجها.