رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باريس تصعد لهجتها للتصدي لتبعات انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي

إيمانويل ماكرون
إيمانويل ماكرون

صعدت فرنسا لهجتها للتحذير من تداعيات القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني على منطقة الشرق الأوسط والدفاع عن مصالح الشركات الفرنسية والأوروبية المتضررة من هذا القرار والتي أمهلتها واشنطن 180 يوما لإنهاء نشاطها في إيران.

فبعد فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوروبيين في ثني الرئيس دونالد ترامب عن التخلي عن اتفاق فيينا، أكدت فرنسا وبريطانيا وألمانيا التزامها به وتمسكها بسيادة أوروبا وبمصالح شركاتها العاملة في إيران ودعمها لها، في خطوة تعد تحديا للتهديد الأمريكي.

وغداة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، أكدت فرنسا أن الأوروبيين سيفعلون كل شيء لحماية مصالح شركاتهم في إيران بالتدخل لدى الإدارة الأمريكية وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي.

وحذرت فرنسا من نشوب حرب جديدة في المنطقة ومن استئناف إيران لنشاطها النووي العسكري الأمر الذي سيدفع دولا أخرى قلقة من توسع النفوذ الإيراني، لا سيما في سوريا ولبنان واليمن، لاقتناء السلاح النووي مما سيشكل تهديدا لأمن أوروبا.

ورأت باريس أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يسهم في تعزيز عدم الاستقرار في منطقة تعاني بالفعل من الحرب في سوريا ويشكك في اتفاق أقره مجلس الأمن الدولي بالإجماع، فضلا عن تشجيعه على الانتشار النووي ودعاة الحرب من كل جانب.
ووصف وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، التدابير العقابية العابرة للحدود للولايات المتحدة بالأمر "غير مقبول"، معتبرا أن الأوروبيين ليسوا مضطرين لدفع ثمن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق ساهمت بنفسها في إبرامه، مضيفا "إن تدابير الأمريكيين تخصهم".
ودعت فرنسا الأوروبيين إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالح شركاتهم وبدء مفاوضات مع الجانب الأمريكي في هذا الشأن، مذكرة بأن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لا يعني أنه ملغى لا سيما في ظل التمسك به من قبل كافة الأطراف الأخرى الموقعة عليه.
وأكدت أن الولايات المتحدة حليف تاريخي إلا أن ذلك لا يعني الانحياز السياسي في إشارة إلى تباين المواقف بشأن بعض الملفات والتي يأتي من بينها الاتفاق النووي والمناخ وعملية السلام في الشرق الأوسط والرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن مؤخرا على واردتها من الصلب والألومنيوم.
وصرح وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير - أمس - بأنه حان الوقت لأوروبا أن تنتقل من الأقوال إلى الأفعال لحماية سيادتها الاقتصادية من العقوبات التي تريد الولايات المتحدة تطبيقها على الشركات الأجنبية العاملة في إيران.
وأوضح لومير أنه جار العمل على ثلاثة مقترحات لتأكيد السيادة الأوروبية في مواجهة العقوبات الأمريكية العابرة للحدود وهي تعزيز اللائحة الأوروبية لعام 1996 التي تسمح بإدانة هذه العقوبات بتضمينها قرارات الولايات المتحدة الأخيرة ثم التفكير في كيفية مد أوروبا بالأدوات المالية حتى تكون مستقلة عن الولايات المتحدة.
وفي سياق متصل، أكد ايمانويل ماكرون - خلال تلقيه جائزة أوروبية بألمانيا - أهمية الحفاظ على السيادة الأوروبية لمواجهة التهديدات الكبرى واختلال التوازنات في العالم، داعيا إلى تحويل أوروبا إلى قوة جيوسياسية ودبلوماسية وتجارية ومناخية واقتصادية.
وقال ماكرون - في انتقادات ضمنية لترامب، بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني - "إذا قبلنا بأن القوى العظمى الأخرى، بما في ذلك الحلفاء أو الأصدقاء في أصعب الساعات في تاريخنا، يضعون أنفسهم في موقف يسمح لهم بأن يقرروا دبلوماسيتنا وأمننا وأحيانًا بتعريضنا لأصعب المخاطر فلن تكون لنا سيادة".
وتذكر باريس بأن عمليات التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ 2015 أظهرت التزام إيران الاتفاق، واصفة انسحاب واشنطن منه بانه تخلي عن التزام دولي تأسف له فرنسا بشدة.
وتحذر من أن الوضع في الشرق الأوسط أصبح شديد الخطورة "بسبب التداخل بين المسألتين السورية والإيرانية"، ومن أن البديل للاتفاق النووي، الملتزمة به كافة الأطراف باستثناء الولايات المتحدة، سيكون الحرب.
كما تبرز مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون لجمع كل الأطراف المعنية حول مائدة التفاوض لاستئناف النقاش حول اتفاق إطاري أوسع يشمل نشاط إيران الباليستي ونزعة الهيمنة لديها في المنطقة ومصير الاتفاق النووي بعد عام 2025.
تجدر الإشارة إلى أنه على الصعيد الاقتصادي والتجاري، تعد الشركات الأوروبية لا سيما الفرنسية الأكثر تأثرا بالعقوبات الأمريكية على طهران في ظل وجود شركات في إيران مثل عملاق النفط الفرنسي (توتال) الذي وقع عقدا بقيمة 5 مليارات دولار لتطوير المرحلة الـ11 من حقل (بارس) الجنوبي للغاز.
كما سيؤثر هذا القرار على مجموعة (بي.اس.ايه.) الفرنسية للسيارات التي تحتل %30 من السوق الإيرانية، وكانت تعتزم ضخ استثمارات بقيمة 700 مليون يورو خلال السنوات الخمس القادمة وكذلك على (رينو) التي باعت العام الماضي أكثر من 160 ألف سيارة في إيران ووقعت العام الماضي عقدا بـ 660 مليون يورو مع الجانب الإيراني لإنتاج 300 ألف سيارة سنويا.
وتعاقدت شركة (ايرباص) الأوروبية لصناعة الطائرات - التي تتخذ من مدينة تولوز الفرنسية مقرا لها - قبل عامين مع الخطوط الجوية الإيرانية لتوريد مئة طائرة بقيمة 17.5 مليار يورو.
كما هناك شركات فرنسية أخرى متضررة من التدابير الأمريكية مثل (أكور) للفنادق و(سانوفي) للأدوية بجانب تداعيات أخرى مؤثرة على الاقتصاد الفرنسي مثل ارتفاع سعر برميل النفط إلى 77 دولارا وهو أعلى مستوى له منذ نهاية عام 2014.