رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شعراء عن قصيدة النثر: السلفية ليست خيار ديني فقط بل ثقافي

جريدة الدستور

لا أحد يعرف سر هذا التجاهل من الدولة والمؤسسات الخاصة التي ترعى الجوائز لقصيدة النثر، فبرغم تواجدها الكبير على الساحة وظهورها اللافت في الأونة الأخيرة والكثير من المؤتمرات التي كان آخرها مؤتمر السويس لقصيدة النثر في دورته الرابعة، منذ يومين، لكن لم يلتفت أحد لهذه القصيدة ولا كتابها، وتوقع الجميع عزوفًا من الشعراء عن القصيدة والاتجاه نحو العامية أو التفعيلة، ولكن على العكس راحت القصيدة تنتشر وتضم إلى معسكرها الكثير من الأدباء الشبان، التقت «الدستور» بعض شعراء قصيدة النثر وكان هذا التحقيق.

قال الشاعر فتحي عبد السميع، الجوائز تحطم النص الشعري الجديد، لأن العقلية التقليدية تتحكم فيها بقوة كبيرة، وكلها مخصصة للشعر العمودي وشعر التفعيلة، ومع ارتفاع قيمتها المادية تجذب الشعراء بقوة، خاصة الشباب، فهي تقدم الحافز المغري في ظل ظروف اقتصادية سيئة، وفي ظل تدهور مكانة الشعراء في المجتمع.

وأشار عبد السميع إلى أنه يجد في الفترة الأخيرة ما يشبه الهجوم على الأشكال المطلوبة في الجوائز، ونجد مواهب كثيرة تشكل إبداعها وفق المقاييس المطلوبة، ووفق مزاج المحكمين، وهكذا نجد النص الشعري الجديد يقف منبوذا أو مهجورا لا يتمسك به إلا الشاعر الذي يؤمن بالشعر كقيمة في حد ذاته، وهو العدد الأقل بين الشعراء، والأنجح على المدى البعيد رغم أنف الجوائز.

وقال الشاعر محمد القليني، "بعض الناس هنا لا يعترفون بقصيدة النثر، يقولون إنها قصيدة غير شرعية، والسؤال الآن، هل قصيدة النثر تعد قصيدة غير شرعية؟ وأنا آسف إذ أقول (الآن)، فقد طرح هذا السؤال منذ سنين كثيرة على ثقافات العالم المختلفة، وتم تجاوزه سريعا، باعتبارها قصيدة شرعية، لها أدواتها وجمالياتها المختلفة، أي أنها اختيار جمالي، وليست عجزًا عن كتابة القصيدة الكلاسيكية، بدليل أن رواد كتابتها كانوا شعراء كلاسيكيين".

وأضاف القليني، "لكننا هنا ما زلنا ندور حول أنفسنا، وننتهي عند ما بدأ منه الآخرون، لذلك تجد أغلب الجوائز لا تكترث بهذه القصيدة، ويطرح منظموها أسئلة تتعلق بشرعيتها، وهو أمر يثير الدهشة والريبة".

وأشار القليني إلى، أنه يبدو أن "السلفية" ليست خيارًا دينيًا فقط، وإنما امتدت لتصبح خيارًا ثقافيًا أيضًا، فبعضنا لا يزال يعيش في فلك السابقين، ويتهم كل من يبحث عن جماليات جديدة تعبر عن هذا العصر بعدم الشرعية.

وأضاف الشاعر عبد الغفار العوضي، قصيدة النثر لا تمثل فقط تجاوزًا لأنماط الشعر التقليدية سواء كانت عمودية أو تفعيلية، ولكنها تعبر عن وجود تيار معرفى يتجاوز ويتمرد على حدود وقواعد اللعبة القديمة التى أسستها السلطة، الدولة ليست مجرد مؤسسات تسير وفق سياسات تخص الاقتصاد وعملية إدارة المجتمع فقط، إنها أيضا تقوم باحتكار وسائل إنتاج الأيديولوجيا.

وتابع العوضي، "بدأت عملية هيمنة ثقافية من خلال السيطرة على مجالات التعليم والإعلام والثقافة، وبالتالى لا نستغرب أن تكون قصيدة النثر بفلسفتها المناوئة للسلطة الجمالية السائدة وتتوغل بالتأكيد إلى رفض مؤسسات السلطة باعتبارها مركزا يقوم بالاستغلال والهيمنة وفرض سياسات القهر الإجتماعى".

وتابع العوضي مؤكدًا، "بالتالى قصيدة النثر على مستوى بنيتها الفلسفية والمعرفية تناهض أشكال السلطة الحديثة ومرجعياتها المختلفة سواء كانت عبر استغلال لخطاب دينى يبرر للسلطة قمعها واستغلالها، أو مرجعية إقتصادية تقوم من خلال نموذج الليبرالية الجديدة بتهميش وإفقار الأغلبية العظمى من الشعوب، أو مرجعية سياسية تقوم باحتكار المجال السياسى وقمع كافة أشكال المعارضة الأخرى، أو مرجعية أيديولوجية تقوم على مفاهيم زائفة لتضمن عملية الولاء للسلطة وخطابها الثقافى العام".

واختتم حديثه قائلًا، "هكذا تكون قصيدة النثر الحقيقية مستبعدة ومهمشة من فعاليات السلطة الثقافية وبعيدة عن حسابات الجوائز التى ترسخ أكثر لوجود أنماط أدبية لا تخرج عن القواعد التى أسستها السلطة".