رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدين والسياسة وقضية القدس «2-3»


مما لا شك فيه أن تصويت ١٢٨ دولة رفضًا لقرار الرئيس الأمريكى ترامب بجعل القدس عاصمة لإسرائيل، هو انتصار للشرعية الدولية، وكنت فى مقال الأسبوع الماضى، بدأت الحديث عن خلط الدين بالسياسة فى هذا الموضوع الخطير، وفى مقال اليوم أستكمل.
من النصوص الأساسية فى العهد القديم، والتى ترددها الأبواق الإسرائيلية، ومن معها من فرق وجماعات غربية‏ النص الذى نسميه الميثاق الإبراهيمى، نسبة إلى العهد الذى أقامه الله مع أبينا إبراهيم عندما دعاه من أور فى جنوب العراق، ليذهب إلى أرض كنعان،‏‏ والذى نجده فى سفر التكوين ١٢: ١-٧ ثم يتكرر عدة مرات فى نفس السفر، وملخص هذا الميثاق أنه يشير إلى ثلاثة أمور‏:‏ الشعب أو نسل إبراهيم الذى يكون أمة عظيمة كنجوم السماء وكالرمل الذى على شاطئ البحر.
والأرض أرض الميعاد خاصة العبارة، التى وردت فى تكوين ‏١٥:١٨‏ لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات. وأخيرًا أن يكونوا بركة لجميع شعوب الأرض. ونحن نعلم أن الله تعالى عندما يتكلم يعلن عن سلطانه وإرادته الصالحة للبشر. يعلن ذلك من خلال كلامه على فم أنبيائه، ومن خلال أعماله فى التاريخ الإنسانى لتحقيق كلامه ومقاصده‏.‏ كما أن معظم النبوءات القديمة، التى تحدث بها الله، والتى أرسلها على فم أنبيائه فى العهد القديم، كانت تخاطب الشعب القديم فى ظروف تاريخية معينة، لتواجه حاجاتهم وأزماتهم فى هذه الظروف،‏ وبالتالى لا بد أن نبحث عن تحقيق هذه النبوءات فى الإطار التاريخى لذلك الشعب، قبل أن نقفز فوق النصوص والتاريخ والشعب العبرانى القديم نفسه ونربط النبوءات بإسرائيل الحديثة وبعودة اليهود إلى أرض الميعاد الآن‏. وإذا عدنا على هذا الأساس إلى الميثاق الإبراهيمى ووعود الشعب والأرض والبركة،‏ فسوف نترك إلى حين الشعب، ونركز على وعد الأرض، لنرى فى بساطة ووضوح، أن تاريخ العهد القديم نفسه قد حسم قضية الأرض فى أكثر من مرحلة من مراحل هذا الشعب، وهو يشير إلى الميثاق الإبراهيمى وإلى تحقيقه كاملًا. وسوف نكتفى من هذه المراحل التاريخية بثلاث، الأولى سنة ١٤٠٠ - ١٣٠٠ ق. م تقريبًا فى يشوع الرجل الثانى بعد موسى النبى،‏ والذى قاد الشعب إلى امتلاك الأرض فيقول تحديدًا فى‏‏ يشوع ٢١: ٤٣ - ٤٥‏، فأعطى الرب إسرائيل جميع الأرض، التى تكلم لآبائهم فامتلكوها وسكنوا بها، ولم تسقط كلمة من جميع الكلام الصالح الذى كلم به الرب بيت إسرائيل بل الكل صار‏.‏
والمرحلة الثانية ٩٧٠ - ٩٣٠ ق. م تقريبًا فى أيام سليمان الملك بن داود، وهى فترة من فترات ازدهار المملكة القديمة، ونقرأ فى‏ سفر الملوك الأول ‏٤: ٢١ هذه الكلمات وكان سليمان متسلطًا على جميع الممالك من النهر إلى أرض فلسطين، وإلى تخوم مصر‏ كانوا يقدمون الهدايا، ويخدمون كل أيام حياته. والمرحلة الثالثة والأخيرة هى مرحلة ما بعد السبى البابلى فى القرن الخامس قبل الميلاد ٥٢٠ ق. م وسماح قورش الفارسى للشعب اليهودى بالعودة على أفواج‏، وبالفعل عاد منهم من عاد وبنوا الهيكل وللمرة الأخيرة تتحقق النبوءة، ونجد الكلمات القاطعات فى سفر‏ نحميا ٩: ٧، ٨ أنت هو الرب الإله الذى اخترت إبرام، وأخرجته من أور الكلدانيين، وجعلت اسمه إبراهيم ووجدت قلبه أمينًا أمامك، وقطعت معه العهد أن تعطيه أرض الكلدانيين والحيثيين والأموريين والفرزيين واليبوسيين والجرجاشيين وتعطيها لنسله، وقد أنجزت وعدك لأنك صادق.
أما العهد الجديد، فقد عاد إلى الدلالة الإيمانية الكاملة للميثاق الإبراهيمى، وهى التطبيق الروحى الذى يشمل كل البشر‏ وكل من يدخل فى علاقة صحيحة مع الله، ومع الآخرين،‏ فيربط بين الدين والحياة فى أمانة ورحمة وعدل وطاعة من القلب. وهكذا انتهت قضية النبوءة والأرض تمامًا‏.
وللحديث بقية.