رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الولاء والبراء


■ هناك خلل كبير لدى بعض المسلمين فى فهم قضية الولاء والبراء، فهم يرون أن علينا التبرؤ من كل من هو غير مسلم، ولا نحب ولا نود إلا المؤمن فقط، وذلك لفهمهم الخاطئ لقول الله تعالى: «يَا أيُهَا الذِين آمَنُوا لاَ تَتَخِذُوا اليَهُود والنَصَارى أوليَاء بَعضهم أولِياءُ بَعض، وَمَن يَتولهُم مِنكم فَإنَه مِنهُم إن الله لا يَهدِى القوم الظالمين».



ففهموا منها أن الإسلام يوجب قطع العلاقات مع غير المسلمين، بل وكراهيتهم والتبرؤ منهم.

■ والحقيقة أن الولاء والبراء مصطلح حربى وليس اجتماعيًا ينطبق على حالة الحرب فقط.. فعند وقوع حرب بين المسلمين وعدو لهم، تنطبق هذه الآية وعندها يكون أمرا طبيعيًا ومنطقيًا فى عرف كل الدول والشعوب، فلا أحد يقبل الولاء للعدو المعلن للعداء والحرب دائرة بين الطرفين.

■ والدليل المؤكد على هذا الفهم الخاطئ لقضية الولاء والبراء، وجود العديد من النصوص فى الكتاب والسنة المؤكدة على رعاية حقوق غير المسلمين، بل وبرهم والإحسان إليهم.

■ يقول تعالى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } فالقسط هو العدل، والبر هو الإحسان وهو شىء فوق العدل، والعدل أن تعطى الحق، والبر أن تتنازل عن بعض حقك أو حقك كله.

وقد ذكر الفقيه الأصولى شهاب الدين القرافى فى معنى البر: «الرفق بضعيفهم و إعانة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم، وحفظ غيبتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم».

■ وقال القرطبى: «آية البر محكمة»، أى أن هذا هو الأصل فى التعامل مع غير المسلمين.

أما إذا أردت أن ترى التطبيق العملى لذلك.. فستجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عاد المرضى من غير المسلمين، وقبل الهدايا من غير المسلمين، وقدم الهدايا لهم، واستأمن على نفسه فى الهجرة دليل من غير المسلمين وأباح طعام غير المسلمين وأكل وشرب معهم، وأمر بحماية كنائسهم ومعابدهم، وأحسن إلى رهبانهم وأسكن نصارى نجران المسجد النبوى أثناء حواره معهم، وقَبِل أن يصلوا فيه صلاتهم.

وجعل النجاشى ملك الحبشة المسيحى قبل أن يسلم وكيلًا له فى زواجه من السيدة أم حبيبة، عندما كانت مهاجرة بالحبشة. فهل المتشددون أكثر تدينًا من رسول الله، أم أنهم أكثر فهمًا للولاء والبراء من رسول الله؟.. الولاء والبراء فى الحرب فقط.. أما غير ذلك فالأصل هو العدل والبر والتعاون والتراحم مع كل الناس.

الإسلام دين السلام للعالم.. والنبى بُعث رحمة للعالمين.