رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلم الذى تبدد فى كنيستنا «13»


اليوم نستعرض أعمالاً مجيدة لبطريرك جليل هو البابا كيرلس السادس. طوال فترة معايشتنا للبابا كيرلس منذ أن جلس على الكرسى المرقسى فى يوم الأحد 10 مايو 1959 وحتى انتقاله من هذا العالم فى يوم الثلاثاء 9 مارس 1971، لم نعرف – وحتى لم نسأل – عن تاريخ ميلاده، بل علمنا بهذا التاريخ بعد انتقاله، إذ صدرت العديد من الكتب التى تتناول تاريخ حياته بالكامل، إذ كان طوال فترة خدمته فى البطريركية يسلك سلوكاً رهبانياً، ففى بداية رهبنته تمت صلاة الموتى عليه لأنه ارتضى – بمحض إرادته – أن يموت عن العالم، فكيف – بعد ذلك – يعود إلى أركان العالم الضعيفة!! كان منشغلاً بالصلاة، والاهتمام باحتياجات كل فرد، ويفكر فى خلاص نفسه التى هى أثمن من كل كنوز العالم. وأذكر أنه بعد انتقاله بعشرات السنين علمت بهذه القصة من أحد تلاميذه المخلصين. حدث أن قام هذا التلميذ بالتعاون مع رئيس شمامسة الكنيسة المرقسية الكبرى – فى تذكار ميلاد البابا كيرلس الذى كانوا يعرفونه وهو 2 أغسطس 1902 – وأعدا زجاجة رائحة بسيطة لتقديمها لقداسته.

لكن المشكلة كانت: من الذى يقوم بتقديمها؟ وبعد مداولات استقر رأيهما أن يقوم التلميذ بتقديمها إلى مُعلمه. ذهب التلميذ إلى البابا كيرلس السادس ومعه زجاجة الرائحة بداخل ورقة هدايا وقال للبابا بخجل شديد: «دى حاجة بسيطة لقداستك»!! نظر إليه البابا وقال له: «ما هذا؟»، فأجاب: «بمناسبة عيد ميلاد قداستك»، وهنا انتهره البابا وقال له: «هو قداسته له عيد ميلاد؟ يا ابنى إحنا متنا من زمان. إياك أن تكرر هذا الأمر مرة أخرى»، ولكى لا يحرج تلميذه تقبل منه الهدية، وقام بتقديمها بعد ذلك لأحد المترددين على المقر البابوى. اليوم يقيمون الاحتفالات بأعياد الميلاد ويتم تقطيع تورتة بمناسبة الميلاد!! ويتم توزيع الحلوى والمأكولات والمشروبات على الحاضرين فى وسط التصفيق والتهليل مرددين: «فرحانين.. فرحانين»، وكأن الحياة الرهبانية انتهت من قاموس حياتهم.

أذكر فى إحدى السنوات بينما البابا كيرلس السادس كان موجوداً بالمقر البابوى بالإسكندرية، كانت هناك صلاة جنائزية بالكنيسة المرقسية الكبرى بالإسكندرية على شقيقة البابا كيرلس السادس، فلم يتحرك من مقره، ولم يتقبل عزاء فى شقيقته، بل كان لسان حاله – كما علمنا السيد المسيح: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ».

وهنا أتذكر القصة الحقيقية الآتية: فى أواخر عام 1975 أن قامت الكنيسة التى بتورنتو بإرسال رسالة إلى البابا شنودة ليوافق على إيفاد الراهب القمص متياس السريانى «الذى سبق وأن هرب من الأسقفية» إلى تورنتو ليساعد فى الخدمة، وقام أعضاء مجلس الكنيسة بتسجيل اسم الراهب بجامعة تورنتو لدراسة مقرر مكثف فى اللغة الإنجليزية. وفعلاً وافق البابا شنودة دون تردد، وحضر إلينا الراهب متياس السريانى للخدمة – وكنت وقتها طالب ماجستير بجامعة يورك بتورنتو، وأقام فى حجرة بجامعة تورنتو. وفى أحد الأيام وصلت مكالمة تليفونية من البطريركية بالقاهرة لكاهن الكنيسة بضرورة إبلاغ الراهب متياس السريانى أن والدته توفيت. كانت مشكلة أمام الكاهن ومجلس الكنيسة فى كيفية إخطار الراهب بالخبر!! فتوجهوا إليه بمقر إقامته بالجامعة وكانوا مترددين فى إخطاره!! فقال لهم: «عاوزين تقولوا إن والدتى توفيت!! أنا أقيمت علىّ صلاة الموتى من قبلها، والميت لا يحزن»!! وهنا التزموا الصمت أمام إيمانه العظيم. اليوم يرأسون صلوات التجنيز ويتقبلون العزاء ويقيمون صلوات الثالث والأربعين !! نستكمل فى الحلقة القادمة.