رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتحاد المُلاك .. وثقافة التملك


 والمؤكد أن الأمور لن تسيرعلى ما يرام لزيادة التجانس والتلاحم فى العلاقات الإنسانية بين جيران العقار الواحد، إلا بالتحلى بما يسمَّى «ثقافة التملك» والقناعة بمقرراتها ومحدداتها، والعمل على تنفيذ بنودها بكل القناعة والرضا، دون التقاعس عن التمويل الذى قد يخلق بعض الضغائن بين النفوس، وزيادة التباعد وانفصام العلاقات التى تحافظ على نسيج المجتمع ووحدته

بالتأكيد .. نتفق جميعًا على أن الأسرة هى الخلية الأولى فى تشكيل المجتمع، ليصبح مثل «عنقود العنب» المتماسك البنيان والقوة، وهذه القوة تستمد تماسكها وترابطها من الجذع الرئيس الذى تتفرع منه مايشبه الشجيرات الصغيرة التى تصنع الشكل النهائى لجمال هذا العنقود، والجذع الرئيس فى عنقود المجتمع هو الدولة وأجهزتها السيادية القوية التى تحافظ بقوة على ألا تنفرط حبات هذا العنقود. وهذا لن يتأتى إلا باستصدار القوانين المنظمة للعلاقات الاجتماعية والمعاملات بين أفراده، مع الأخذ فى الاعتبار أن استصدار القوانين ليس هو الهدف فى حد ذاته، بل المتابعة الجادة الصارمة للتنفيذ هى غاية المراد ومربط الفرس، وحتى لاتكون حبرًا على ورق! ولابد أن يعلم الجميع، حكامٌ ومحكومين، أن المشاكل فى المجتمع المصرى التى تمتلئ بها محاضر الشرطة وتكتظ بها قاعات المحاكم ـ تبدأ من الاحتكاكات البسيطة بين الأفراد، جرّاء المعاملات اليومية فى البيع والشراء والمرور والنظافة والصيانة، والقوانين العادلة التى يتم تطبيقها بصرامة دون تمييز على الجميع، تعمل على اكتساب حب الجماهير وقناعتهم بمبادئ التعايش السلمى الملتزم بحق الجيرة والمحافظة على الوشائج التى تربطهم جميعًا، وهى أشياء لابد أن تكون نابعة من ثقافة الذات المؤمنة بالقوانين غير المكتوبة، وهى العُرف والتقاليد المجتمعية السامية.

ولنأخذ لقطة سريعة من داخل المجتمع، نعدها مثالاً صارخًا لإرهاصات تلك المشكلات، التى تتفاقم وتكبُر سريعًا كـ «كرة الثلج»، وتنتهى بأطرافها فى أروقة أقسام الشرطة، أو ساحات المحاكم، تاركة خلفها مساحة لا نهائية من الكراهية والعداءات والتربص بين جيران البيت الواحد. فهناك ما يسمى بـ «اتحاد المُلاَّك» أو «اتحاد الشاغرين»، لتنظيم العلاقة بين السكان، ويضع التفاصيل الكاملة لكيفية التعامل مع مشكلات النظافة والترميم والصيانة، وكذا متابعة الصيانة للمصاعد المستخدمة فيه حفاظًا على الأرواح من كل الأخطار المحتملة . وهذا الاتحاد يتكون من كل شاغلى العقار، الذين يصبحون مثل الجمعية العمومية وهدفها الأساسى ضمان حُسن الانتفاع وحُسن إدارة وصيانة الأجزاء المشتركة فى العقار محل السكن. والمتعارف عليه أن الإنفاق على الصيانة يتم عن طريق إنشاء «وديعة» خاصة بالعقار بأحد البنوك، يتم تمويلها بنسبة متساوية من شاغلى العقار بصفة دورية، بحسب المحدد لها فى بنود الجمعية العمومية، وتتم متابعتها بمعرفة من يتم تعيينه كمراقب مالى يتمتع بالشفافية والثقة من الجميع، يتولى عمليات سداد فواتير الخدمات المشتركة مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحى وصيانة المصاعد ـ إن وجدت ـ، ويقوم بتقديم الميزانية السنوية التى توضح بالتفصيل بنود الموارد والإنفاق على مستلزمات العقار، ولكن ـ للأسف ـ فإن مايحدُث من تقاعس بعض الشاغلين عن السداد لحصته المقررة، يؤدى إلى توقف كل أعمال الصيانة والحراسة ورفع المخلفات وأعمال الترميمات المطلوبة، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية عمل بوليصة تأمين للعقار ضد أى مخاطر محتملة ـ لاقدر الله ـ مثل حريق أو سيول أو أى أمور طارئة آخرى.

فتبدأ على إثر ذلك سلسلة طويلة من المشاكل التى لاتنتهى غالبًا إلا على أوراق محاضر الشرطة لإثبات الحالة فقط، وتقف الشرطة عاجزة عن إلزام المتقاعس عن السداد، تاركة الأمر لأعضاء الجمعية العمومية لما يتخذونه من قرارات، وتحديد الخطوات التى يجب أن تتخذ لتطبيق قرارات الاتحاد، مع ضرورة أن يكون هناك هيئة رقابية تشرف على مجالس اتحاد الملاك لضمان سيرها فى الطريق الصحيح.

والمؤكد أن الأمور لن تسيرعلى ما يرام لزيادة التجانس والتلاحم فى العلاقات الإنسانية بين جيران العقار الواحد، إلا بالتحلى بما يسمَّى «ثقافة التملك» والقناعة بمقرراتها ومحدداتها، والعمل على تنفيذ بنودها بكل القناعة والرضا، دون التقاعس عن التمويل الذى قد يخلق بعض الضغائن بين النفوس، وزيادة التباعد وانفصام العلاقات التى تحافظ على نسيج المجتمع ووحدته. وهنا لابد من وقفة جادة لتفعيل القوانين واستصدراها من مجلس الشعب المختص بالتشريعات الضرورية لحماية المجتمع، والتدخل من أجل وضع الحلول للمشكلات التى تواجه السكان، وذلك عن طريق إنشاء مراكز صيانة معتمدة تابعة للدولة، سرعة إصدار أو تعديل بنود قوانين تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وضرورة أن تلزم الحكومة المالك أو اتحادهم المُشهر بأعمال الصيانة، وفرض عقوبة على الأفراد ممن يتخلفون عن سداد تلك المستحقات. على أن تقوم الإدارات المحلية بتشكيل اتحادات للشاغلين جبريًا داخل الأحياء فى حالة تقاعس السكان عن تشكيلها طبقاً للقانون، لأن العقار يولد بدوره حركة داخل الشارع المصرى ويؤثر ويتأثر بالمجتمع المحيط، حيث يتحصل على خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحى من قبل الإدارات المحلية التابعة الأمر الذى يجعل إهمال إدارة العقارات بشكل جيد تقصيرًا تجاه المجتمع ككل.

نهيب بكل من يهمه أمر المجتمع وصلاحه وتماسكه، أن يحافظ على عدم انفراط حبات «عنقود العنب»، لأن انفراطه حبات سيؤدى بالضرورة إلى انهيار المنظومة المجتمعية السويَّة وتقاليدها العريقة التى عرفها العالم عن مصر المحروسة منذ فجر التاريخ، وعلى جدران المعابد يتم الرصد للأسر الفرعونية ، فيقولون الأسرة الخامسة والأسرة السادسة، فنحن من ترك للعالم تراثًا حضاريًا خالدًا على مر الأحقاب التاريخية .. فلا تبددوه على أوراق محاضر أقسام الشرطة وقاعات المحاكم.