رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلم الذى تبدد فى كنيستنا «4»


اعتاد البابا كيرلس السادس أن يحضر إلى مقر كرسيه بالإسكندرية ويقيم بضعة أسابيع وأيضاً لمتابعة بناء الدير الحديث بمنطقة مريوط. لكن وجدنا أمراً جديداً فى كنيستنا – كما ذكر لنا آباؤنا الأولون – اعتاد البابا كيرلس أن يتوجه إلى الكنيسة مبكراً يومياً – كعادة الآباء الرهبان – للصلاة. فكان يبدأ يومه نحو الخامسة صباحاً، وكانت والدتى تصحبنى أنا وأخوتى فى ذلك الوقت المبكر جداً ونحن أطفال صغار لنتوجه معها إلى الكنيسة المرقسية الكبرى بالإسكندرية للصلاة مع البابا العظيم. كان ظلام الليل مازال باقياً، ولم تكن وسائل المواصلات العامة قد بدأت بعد!! فكنا نسير فى ظلام الليل فى شوارع الإسكندرية نحو الكنيسة المرقسية «نحو نصف ساعة سيراً على الأقدام»، والشىء الجميل أن بقية الأمهات كن يفعلن بالمثل، وعند باب الكنيسة المرقسية كنا نتقابل ثم بداخل الكنيسة كنا نقف بجوار البابا للصلاة. وكم كانت فرحته الأبوية الحقيقية عندما يرى أطفالاً صغاراً يحضرون إلى الكنيسة مبكرين – وهم فى هذه السن – وكلهم حماس وحب واشتياق حقيقى للصلاة. فكان يشجعنا.

كانت الصلاة تنتهى نحو السابعة صباحاً. ثم فى حجرة الاستقبال البسيطة بالمقر البابوى بالإسكندرية «الذى تم إزالته نحو عام 1990» كان يجلس ويبارك كل واحد منا مع ابتسامة أبوية رائعة الوصف. ثم فى فترة المساء كان والدى يصطحبنى أنا وأخوتى إلى الكنيسة المرقسية للصلاة مع البابا كيرلس صلاة ما تُسمى صلاة «عشية» «أى صلاة عشية اليوم التالى». وبالمثل كان يفعل بقية الآباء مع أبنائهم. الشىء الغريب فى هذا الموضوع أن روح الصلاة هذه – التى يرأسها البابا البطريرك أو الأسقف – لم تكن موجودة من قبل ولا حتى من بعد. للأسف رأينا مسئولين يهتمون بتجديد وتحديث مقار إقامتهم ويحرصون على حضور حفلات كورال ويفتتحون دورات مياه وينظمون مؤتمرات للحديث عن الخدمة، لكن روح الخدمة الحقيقية غير موجودة، وغير مهتمين بالصلاة اليومية!!

استمر هذا الوضع مع البابا كيرلس السادس حتى كان يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959، عندما أعلنت جمعية مارمينا العجايبى للدراسات القبطية بالإسكندرية بإعداد أتوبيس خاص لأعضاء الجمعية للتوجه لمنطقة مريوط الأثرية لحضور صلاة ووضع حجر أساس الدير الحديث للقديس مينا بمريوط. ومن الأمور المفرحة أنه قبل هذا الحدث ببضعة أيام وجدت أنا وأخوتى والدنا العظيم بالمنزل يقوم بتسجيل ما سيتم كتابته على حجر أساس الدير على ورق «كلك» على أن يقوم مصنع الرخام بحفر تلك الكلمات على القطعة الرخامية. وعلمنا بعد ذلك أن هذا كان طلباً – بأبوة – من البابا كيرلس السادس، ومازالت القطعة الرخامية هذه موجودة بمعرض البابا كيرلس السادس بالدير – فى مواجهة المزار الخاص به – تشهد على روعة العمل. كانت فرحتنا لا توصف، واستيقظنا مبكرين وتوجهنا إلى الدير، وبعد الصلاة مع البابا الجليل فى المنطقة الأثرية، التففنا حول البابا وسرنا معه جنوباً نحو ثلاثة كيلومترات حيث المنطقة المخصصة لبناء الدير الحديث – بعد موافقة مصلحة الآثار المصرية.

أقام البابا كيرلس السادس صلاة شكر وتبريك يحيط به الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة والشعب، ومن ذلك الوقت بدأ العمل فى إنشاء الدير تحت إشراف الأخوين شاروبيم وفرج إقلاديوس. وبعد انتهاء اليوم عدنا إلى منازلنا فرحين ونحن مسبحرن وممجدون الله على كل تدابيره الصالحة معنا. نستكمل كلمتنا فى الحلقة المقبلة.