رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاعر أبوية دافئة


الأبوة ليست لقباً ولا وظيفة ولا سلطة، الأبوة ليست بالتعيين ولا بالانتخاب ولا بالقوة، الأبوة ليست بالسيطرة ولا بالصوت العالى ولا بالعنف!! بل هى – بالحقيقة - مشاعر داخلية حقيقية تتجلى فى جميع الأوقات وجميع الظروف بكل الصدق والدفء والحنان الأبوى. وبالإجمال الأب هو «راعى صالح».

أرسل لى صديقى د. جورج حبيب بباوى – الباحث المدقق والعالم الجليل والمتخصص فى علم دراسات آباء الكنيسة بالجامعات الأمريكية والمتابع بشغف لأخبار الكنائس المختلفة فى العالم كله – خبراً من الفاتيكان يقول: نشر راديو الفاتيكان – منذ بضعة أشهر – كلمة لبابا الفاتيكان «البابا فرنسيس» قال فيها عن نفسه: «البابا مثل بطرس محتاج إلى الرحمة». و«بطرس» هنا إشارة إلى القديس بطرس – أحد تلاميذ السيد المسيح – والذى فى وسط آلام مُعلمه، أنكر السيد المسيح، بل وأنكره ثلاث مرات قائلاً إنه لا يعرفه وذلك أمام جارية يهودية!! لكن السيد المسيح تقابل معه بعد ذلك ونظر إليه نظرة أبوية وقال له: «يا بطرس .. أتحبنى؟»، وبعدد مرات الإنكار، كرر السيد المسيح السؤال ثلاث مرات أيضاً. وفى النهاية أجاب بطرس قائلاً: «أنت تعلم كل شىء، أنت تعلم إنى أحبك»، وهنا أسند إليه السيد المسيح المسئولية الرعوية وقال له: «ارعى خرافى».

قال بابا الفاتيكان – عن نفسه - «البابا مثل بطرس محتاج إلى الرحمة» قالها أثناء زيارته سجن فى بوليفيا للرجال والنساء الذين حُكم عليهم بالسجن، وقد قابلوه بالترحاب، وأضاف البابا قائلاً بكلمات نابعة من القلب وبكل الصدق – بعيداً عن أى مزايدات ولا ادعاءات أبوة – إذ قال: «كل مرة أمُر من بوابة السجن لكى أقيم القداس أثناء زيارتى، كنت دائماً أفكر: لماذا هم فقط ولست أنا؟ يجب أن أكون هنا. أنا أستحق ذلك لأن سقطات هؤلاء كان يمكن أن تكون سقطتى. أنا لا أشعر بأننى أسمى من هؤلاء الناس الذين يقفون أمامى».

أى مشاعر صادقة عبر بها بابا الفاتيكان عن الذين هم وراء القضبان!! أى كلمات بليغة وجدها بابا الفاتيكان يشارك بها المتألمين والمتضايقين والذين فى المطابق والسجون!! أى مشاركة حقيقية شارك بها بابا الفاتيكان الذين هم فى ظلام السجون وقسوة الحياة. بلا شك أن تلك الكلمات القليلة رفعت من معنوياتهم وأدخلتهم فى أحاسيس صادقة فى أسرة الإنسانية الواحدة. لعل كان يجول بفكر بابا الفاتيكان الحكمة البليغة: «إن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون». ومن هنا يأتى الدافع الحقيقى ليقوم الإنسان بإعمال كثيرة من الرحمة والبر. وفى هذا يقدم بابا الفاتيكان مفهوم رائع للكنيسة – التى ينبغى أن تكون ملازمة ومتلازمة مع أى وطن – أن الكنيسة ليست موجودة لكى تدين البشر، بل لكى تقدم مواجهة مع غِنى محبة الله الرحيمة. فالكنيسة – باختلاف طوائفها - واحدة فى المشاعر وإن اختلفت فى الطقوس.