رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمضان والجنة


انتهى رمضان هذا العام ونسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان فى العام القادم. فاز فيه من فاز وبقى على حاله من بقى. من فاز به هم الذين صام وقام فغفر الله تعالى له «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» والجزاء هى الجنة العظيمة والعتق من النار...


...ومن حيث العدد– كما يقول العلماء - هى نارٌ واحدة وجنة واحدة، لكن كل منهما درجات ومنازل.

وقد يأتى فى السُنَّة ذكر الجنة بالجمع وليس المراد تعدد جنس الجنة وإنما الإشارة إلى عظمتها ودرجاتها وأنواعها أو إلى عظمة أجر من يدخلها كما فى حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تُحَدِّثُنِى عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِى الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِى الْجَنَّةِ وفى رواية إنها جنان كثيرة وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى).

ولا يُعرف تحديداً عدد درجات الجنة، وقد قيل إنها بعدد آيات القرآن الكريم أخذا من حديث عبدالله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها».

وقال المنذرى فى الترغيب: قال الخطابى: جاء فى الأثر أن عدد آى القرآن على قدر درج الجنة فى الآخرة، فيقال للقارئ ارق فى الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آى القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة فى الآخرة، ومن قرأ جزءا منه كان رقيه فى الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة.

وأعلى درجات الجنة هى الفردوس كما ثبت عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة».

ومعنى «أوسط الجنة» أى: أفضلها وأعدلها، ومثله قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}، وقد جاءت السنَّة ببيان بعض الأعمال وبيان درجات أهلها، ومنها: الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين. عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدرى الغابر أى النجم فى الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذى نفسى بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين». ومنها: الجهاد فى سبيل الله. عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض».

عن سهل بن حنيف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه» ومنها: الإنفاق فى سبيل الله. عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: جاء الفقراء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون...).

ومنها: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة.. عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط.

ومنها: حفظ القرآن. لحديث عبدالله بن عمرو الذى سبق ذكره عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها»، فعلى من سمت همته أن يتطلع للأعلى، ويعمل لينال رضى الله، ويدخل جنة الفردوس، وها هى الأعمال قد وعد الله أهلَها بتلك الدرجات، فكم بين زهد الناس عنها وتشميرهم لها.

ولما كانت أعلى مراتب الجنة هى الفردوس الأعلى، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علينا أن نسأل الله تعالى هذه الدرجة العالية، (فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فإنه أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرحمن وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ).

وأعلى منزلة منها الوسيلة، وهى خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله سلم: وهى الواردة فى حديث عبدالله بن عمرو أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِى الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِى الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِى إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِى الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». رزقنا الله وإياكم الجنة وبلغنا رمضان فى العام القادم.. وبالله التوفيق