رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بطريرك شجاع وأمين


حدث فى القرن الثامن الميلادى فى عهد البابا خائيل الأول «743 – 767م» البطريرك 46، أن كان الكرسى الأنطاكى شاغراً بسبب الاضطرابات والأحداث السياسية. فاشتهى أسقف «حاران» ويُدعى «إسحاق» أن يعتلى هذا الكرسى!! وكان على علاقة وثيقة بالخليفة «أبى جعفر المنصورى» الذى ساعده بقوته وسلطانه على اعتلاء كرسى أنطاكية الذى لم يكن حقاً له لأنه كان أسقفاً على إيبارشية. وكان هناك أسقفان مخلصان لقوانين وتقاليد الكنيسة فأعترضا على ما فعله الخليفة!! فما كان منه إلا أن قتلهما. وكان هذان الأسقفان قد قالا لأسقف حاران: «إنك أسقف، وما دمت قد نلت هذه الكرامة وجب عليك الخضوع للقوانين الرسولية القاضية بأن لا يترك أسقف إيبارشيته لغيرها». إلا أن الأسقف إسحاق لم يتراجع ولم يؤنبه ضميره لأن الكبرياء كان قد تمكن منه. وبعد اعتلائه للكرسى الأنطاكى رغب فى استمالة بطريرك الإسكندرية إلى موقفه، لأن بطريرك الإسكندرية كان ذا علم وشخصية وروحانية. أرسل الخليفة إلى البابا خائيل يأمره بإرسال أسقفين لإتمام الرسامة فى أنطاكيا، ويتوعده إن خالف أمره. ولكن البابا الشجاع وجد أن الأمر جد خطير. فجمع البابا البطريرك أساقفة الصعيد والوجه البحرى والكُتاب والعارفين بقوانين الكنيسة واعتكفوا على دراسة قوانين الرسل والمجامع، لأن طلب الخليفة كان مخالفاً للقانون والتقاليد. انتهى الأمر بأن أرسل البابا خائيل رسالة إلى الأسقفين مندوبى الخليفة، أبدى فيها شجاعة واستعدادا لتحمل المسئولية مهما كانت النتائج، قال فيها: «السيف أو النار أو الرمى إلى الأسود أو النفى أو السبى فما يقلقنى ولست أدخل تحت ما لا يجب ولا أدخل تحت حرمى الذى كتبته بخطى أن لا يصير أسقف بطريركاً، فكيف يجب أن أحرم نفسى وأحلل اليوم ما حرّمته بالأمس، وما أنكرته أمس أرضى به اليوم وما أنكره الآباء القديسون قبلى»، حتى أن هذا صار قانوناً يحمل اسم «قانون البابا خائيل 46»، ولم يكن هذا رأياً شخصياً بل هو رأى الكنيسة كلها على مر العصور. وكرر خليفته الأنبا مينا «767 – 775م» البطريرك 47 نفس الحرم.

ما أن تسلم الأسقفان – رسولا الخليفة – رد البابا خائيل على الرسالة التى يحملانها، حتى توجها إلى الوالى يطلبان منه أن يكلف البابا خائيل بالذهاب معهما إلى حاران لمقابلة الخليفة «أبى جعفر المنصورى»، وقد ألح الوالى على البابا أن يقبل طلب الخليفة والأسقف إسحاق خشية أنه يصيبه أى مكروه. إلا أن البابا خائيل الشجاع والأمين على المحافظة على تقاليد الكنيسة، أصر على التمسك برأيه – لأنها تقاليد كنيسة مقدسة جامعة رسولية – وأبلغ الوالى أنه سيغادر إلى حاران. وبينما يستعد البابا الجليل للسفر وفى صحبته أسقف أوسيم وأسقف بابلون، جاءهم خبر موت الأسقف إسحاق – وهو محروم من فم الآباء الرسل ومن آباء المجامع المقدسة – فلم يغادروا البلاد ونال الأسقف إسحاق المخالف لتقاليد الكنيسة جزاء شر أعماله. وهذه عقوبة من يخالف ضميره ويخالف تعاليم الكنيسة.

اليوم – فى يونيو 2016 - مجمع أساقفة الكنيسة القبطية بكامل هيئته – ماعدا اثنين فقط – يوافقان على استقطاع جزء من إيبارشية تأسست عام 2009 ويقومان برسامة أسقف آخر عليها!! بدون أى اعتبار أو احترام لتقاليد الكنيسة لأنه – للأسف الشديد – قد تثبت فى ذهنهم أن تلك التقاليد بالية ويجب تغيرها من أجل التطور!! كم نفس مخلصة للكنيسة تحزن أمام تلك الأمور وتطلب من الله أن يُقّصر تلك الأيام الكئيبة. نحن فى أشد الاحتياج لروح البابا خائيل، ولروح الأنبا أثناسيوس قائمقام انتخابات 1959، ولروح البابا كيرلس السادس البطريرك 116.

■ عضو المجمع العلمى المصرى