رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى تذكار تكريس الكنيسة الأثرية بمريوط


فى 22 يونيه «15 بؤونة» تحتفل الكنيسة القبطية بتذكار تكريس كنيسة القديس مينا العجايبى الأثرية بمريوط. والقديس مينا العجايبى «284 – 309م» له شهرة واسعة بين المصريين وفى أنحاء العالم وبالأخص بين اليونانيين والقبارصة والأرمن. هذه الكنيسة تتكون فى واقع الأمر من كنيستين متلاصقتين، بُنيت الأولى فوق قبر القديس مينا حوالى عام 350م وفى عهد البابا أثناسيوس الرسولى البطريرك العشرين، وسرعان ما تبين عدم كفايتها لجموع الزائرين التى وفدت من جميع أنحاء المسكونة، لذلك قام الأمبراطور أركاديوس حوالى عام 400م بتشييد كنيسة أخرى فى عهد البابا ثاؤفيلس البطريرك 23، على أفخم طراز حتى أتت قطعة رائعة من الفن والجمال. كان الماء يأتيها من نبع تفجر بجوار قبر القديس. وما لبثت الصحراء المُقفرة أن عُمرت، والأرض المُجدبة أن أينعت، وتحولت هذه البقعة إلى مدينة كاملة متكاملة. ظلت كذلك حتى القرن العاشر الميلادى حينما تألبت عليها عوامل الشر والتخريب، فأسدلت عليها ستاراً من النسيان، حتى أتى إليها عالم الآثار الأسقف الألمانى كارل ماريا كاوفمان على رأس بعثة أثرية ألمانية خصيصاً للكشف عن هذه المدينة الرخامية، فوفق لذلك عام 1905م.

لكن القديس مينا العجايبى أرسل للأقباط فى عام 1943 مستكشفاً آخر من بنى القبط، أتى هذه المرة فى مسوح الرهبان هو الراهب مينا البراموسى المتوحد، ليفتح صفحة جديدة لهذا الأثر الخالد، لعصر المسيحية الذهبى، فسعى لإحياء الصحراء الجرداء مرة أخرى بإيمان الأتقياء. وتدور الأيام ويعلن الرب إرادته الصالحة الطوباوية بكل وضوح فيختار الراهب مينا المتوحد ليجلس على كرسى مارمرقس باسم البابا كيرلس السادس البطريرك 116، فسارع إلى إتمام العمل الذى بدأه. فطلب من الحكومة حوالى 15 فداناً بمدينة مارمينا «بومينا كما ينطقها بدو المنطقة» فأقام دير عليها يكون بمثابة مركز دينى ثقافى ونقطة إرتكاز لإعادة مجد تلك البقعة. وإذ كانت سيامة الراهب مينا المتوحد فى يوم الأحد 10 مايو 1959، فإنه إستهل خدمته بزيارة تلك المنطقة الأثرية فى يوم الجمعة 26 يونيه 1959 وأقام قداساً فى تلك البقعة الأثرية، ويفتخر كاتب المقال أنه كان من بين الذين حضروا تلك الصلوات وهو يبلغ من العمر 9 سنوات!!

وفى يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 توجه البابا كيرلس السادس مرة أخرى إلى تلك المنطقة وأقام قداساً بالمنطقة الأثرية فى نفس المنطقة التى صلى بها البابا أثناسيوس الرسولى البطريرك العشرون، وبعد انتهاء القداس توجهنا جميعاً – على بعد 3 كيلومترات جنوب المنطقة الأثرية – وقام البطريرك العظيم الذى لن يُعّوض – ووضع حجر أساس الدير الحديث الذى صار الآن أحد روائع منطقة مريوط.

حقاً لقد أعاد البابا كيرلس السادس فى أذهان المصريين عامة والمتخصصين فى الآثار خاصة الأمجاد التى كانت عليها كنيسة مارمينا فى القرن الرابع الميلادى والتى أطلق عليها اسماء: «أشهر وأعظم كنيسة مصرية»، «تحفة من روائع الفن المسيحى»، «مسرة لجميع شعوب مصر»، «المدينة الرخامية». حتى أن عالم الآثار كاوفمان – الذى أكتشفها عام 1905 – أطلق عليها اسم «الأكروبول المسيحى القديم» تشبهاً بالأكروبول اليونانى الذى بمدينة أثينا. ثم يعود البابا كيرلس السادس مرة أخرى فى عام 1961 ووضع حجر أساس لكاتدرائية القديس مينا الكبرى بمريوط. وهكذا تحولت الصحراء بعزيمة أحد أبطال الإيمان إلى شعلة من النشاط والحركة والتعمير.

■ عضو المجمع العلمى المصرى