رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البطريرك القبطى الذى وقف ضد العالم


اليوم 15 مايو تحتفل الكنيسة القبطية بتذكار مرور 1643 عاماً على رحيل البطريرك القبطى الشجاع البابا أثناسيوس الرسولى البطريرك العشرون «مُعلم الكنيسة».

نشأ أثناسيوس فى الإسكندرية من والدين مسيحيين. وُلد حوالى عام 295م عندما كانت الدولة مازالت تضطهد المسيحية ورأى وهو صبى الاضطهاد الذى قام به الأمبراطور دقلديانوس ضد مسيحى الإسكندرية، إذ كانت الإسكندرية فى ذاك الوقت – كما يقول المؤرخ الكنسى القدير د. منير شكرى «1908 – 1990» – المعمل الذى خرج منه الفكر الدينى المسيحى الذى أضاء ليس فقط على مصر بل على جميع أنحاء الأمبراطورية الرومانية بفضل مدرستها اللاهوتية وكان يجلس على كرسى البابوية باباوات جمعوا إلى القداسة تبحراً فى العلوم اللاهوتية. وفى الوقت الذى كان الرومان الشرقيون يؤسسون فيه الامبراطورية الرومانية الشرقية «بيزنطة» كان آباء كنيسة الإسكندرية يؤسسون دعائم اللاهوت الأرثوذكسى ويكتبون فيه الرسائل ويجمعون فيه المجامع ويشنون معارك لاهوتية ضد فلاسفة الوثنية وضد الهرطقات التى كانت تظهر بين وقت وآخر. فلا يوجد بلد كان له تأثير عميق فى العقيدة المسيحية مثل مصر، وبعبارة أدق لا توجد مدينة كان لها أثر فى ذلك مثل الإسكندرية بل يمكن أن تُدعى الإسكندرية قبل أى مدينة أخرى أنها صاحبة أكبر نصيب فى الجهاد للمسيحية وفى انتصارها. وفى ذلك تقول الأثرية والمؤرخة «مرجريت مرى»: «كان المسيحيون فى مختلف الأصقاع جماعات صغيرة متفرقة، أما مسيحيو مصر فكانوا هيئة منظمة بلغت من القوة حداً أفضى إلى أن قام الأمبراطور ثيؤدوسيوس بأن جعل المسيحية الدين الرسمى للأمبراطورية التى تشمل مصر فى 27 فبرايرعام 380م ولهذا يحق لمصر أن تفتخر بأنها أول قطر مسيحى فى العالم». حقاً لقد أيقظت المسيحية فى المصريين الروح الوطنية التى خبا ضوؤها تحت نير الاضطهاد الرومانى، مما جلب عليهم الكثير من المتاعب والاضطهادات الذى ذهب ضحيتها أعداد كبيرة. هذه الروح المتأججة بلغت ذروتها منذ القرن الرابع، وكان أثناسيوس فيما لاقاه من اضطهادات وفى ثباته وتحديه للظلم ونضاله فى سبيل ما يعتقده أنه الحق خير ممثل للروح المصرية هذه وفى اعتزازها بالكرامة.

تعهد البابا الكسندروس البطريرك 19 الشاب أثناسيوس لِما توسم فيه من ذكاء وتدين واستعداد للعلم، فأدخله مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ليرتشف مما خلفه عمداؤها الأفذاذ من أمثال «بنتينوس» و«أكليمنضُس» و«أوريجانوس» و«ديونيسيوس» فأظهر نبوغاً فى العلوم اللاهوتية تحت إرشاده. وفى عام 313م قصد البرية وتتلمذ للقديس أنطونيوس الذى ذاعت شهرته فى ذاك الوقت لتنسكه وقداسته. ارتقى الكسندروس كرسى أسقفية الإسكندرية وبعد حوالى خمس سنوات طلب الشاب أثناسيوس وجعله شماسه الخاص – كما فعل بطاركة الكنيسة العظام – وفى عام 325م كان أثناسيوس القلب النابض لمجمع نيقية. وفى خلال توحده فى الصحراء أنتج رسالتين «الدعوة إلى الوثنيين» التى كانت الأساس فى دفاعه المجيد عن معتقد الكنيسة «سر التجسد» ذلك الدفاع الذى جعل من حياته مأساة مليئة بالكثير من الآلام. ورفض البابا أثناسيوس خلط السياسة بالدين ورفض تدخل الأباطرة فى الأمور العقائدية فقال كلمته المشهورة: «وأنا ضد العالم».

■ عضو المجمع العلمى المصرى