رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شباب.. وشيوخ


منذ بدء الخليقة، وهناك صراع دائم بين القديم والحديث، وتتعاقب الأجيال وبينها فجوة تتسع دائرتها حينما يسود التعصب الذى يؤدى إلى التصادم الفكرى بين الأجيال المتعاقبة، فالجيل القديم فى أغلبه رافض لكل فكرٍ جديد، رافض للتغيير، محب للاستقرار، متمسك بالعادات والتقاليد، وبكل ما اكتسبه فى مشوار حياته من خبرات ويرى أنه الجيل الأفضل والأنضج والأقوى بل والأذكى أيضاً، وعلى يقين بأن الجيل الحديث جيل تافه بلا فكر ولا أدب ولا أخلاق ولا تعليم ولا يفقه شيئاً فى أمور الحياة، ويجب عليه الإنصات إلى نصائح من يكبرهم سناً، والتنفيذ دون تفكير، ودون نقاش وفى المقابل ينظر جيل الشباب إلى جيل الشيوخ بأنه جيل، قد أكل عليه الزمن وشرب، جيل شاخت أفكاره، وتحجرت عقوله،وأن ما يتمسك به من عادات وتقاليد أصبحت بالية لاتصلح لهذا الزمان، وأن ما اكتسبوه من خبرات مازالت تحتاج إلى تعديلات حتى تساير هذا العصر، معللين ذلك بأن لكل وقت آذاناً، وأنه آن الآوان ليكون لهم دور فى مجتمعاتهم بما يتفق مع متطلبات العصر، وعجلة التطور التى لا تتوقف نعترف أن الجيلين بينهما اختلافات كثيرة من الصعب أن تجعلهما يلتقيان ويتوحدان ويؤمنان بنفس الأفكار والمعتقدات، فالجيل القديم، جيل الأمس، نشأ وسط إمكانيات مادية واجتماعية وثقافية وتعليمية وتكنولوجية بسيطة، لكنه استطاع أن يعيش ويتعايش معها، كما أنه فرضت عليه بعض القيود الصارمة كالتمسك بالعادات والتقاليد، والحفاظ على صلة الأرحام والترابط الأسرى، والزواج المبكر، واحترام الكبير، والنزول إلى مجال العمل فى سن مبكرة وتحمل المسئولية، وعلى الرغم من تلك القيود إلا أنها أفرزت علماء ومبتكرين ورجال علم ودين أما الجيل الجديد فقد توفرت أمامه ما لم يتوافر للجيل الذى سبقه، حيث تحسن مستويات التعليم، وتحسن الأوضاع المادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى اتساع دائرة الحرية والتعبير عن الرأى، والتقدم التكنولوجى، الذى وسع مداركه، وجعل الكون أمامه عبارة عن نافذة يتابع من خلالها أخبار العالم، ويتعرف على عادات وتقاليد أخرى غير التى نشأ وتربى عليها، فأصبح هذا الجيل يتمتع بالعلم والثقافة والفن والفكر والقدرة على المحاورة والمناقشة وإبداء الرأى بحرية بلا خوف لكنه مع كل هذا استغنى بإرادته عن أشياء أفقدته الكثير، فقد أصبح منغلقاً على نفسه، قاطعاً للرحم، تتمحور علاقاته الإجتماعية حول ما يخرج من شاشة الكمبيوتر ومواقع التواصل الاجتماعى عبر شبكة الإنترنتالدولية ومايستطيع أن يكتسبه من خلالها من صداقات وهمية مع أشخاص وهميين يشاركونه نفس الأفكار والمعتقدات.

وحقيقة الأمر أنا لا أستطيع إلقاء اللوم على أى من الجيلين، لأن الشيوخ دائماً ماستجدهم متمسكين بكل ماهو قديم ومألوف ويرفضون الانسياق وراء كل جديد، والجيل الجديد يميلون بشكل طبيعى إلى الانفتاح، والبحث عن كل جديد، والرغبة فى تجربة كل حديث، وكراهية كل قديم، وكل مألوف، وكسر الروتين والجمود ونتيجة هذا التباين بين الجيلين ينشأ الصراع الذى يؤدى إلى تمرد جيل الشباب على كل أو بعض تلك العادات والتقاليد التى يقدسها الشيوخ.

والسؤال هنا .. هل الأفكار الجديدة التى يميل إليها الشباب ويتبناها وينقلها عن الغرب ويحارب أجداده كى تكون له أسلوب حياة .. هل استطاع استخدامها بالطريقة الصحيحة وجنى إيجابياتها وتجنب سلبياتها؟

الإجابة .. أن معظم الشباب استخدم تلك الأفكار بالطريقة الخاطئة، فقد حاول أن يكون مختلفاً عمن سبقوه ليثبت أنه موجود وأن له رأياً يخالفهم ولكن اختلافه لم يكن للأحسن ولكن للأسوأ، فما نراه فى جيل اليوم هو التقليد الأعمى للقيم الغريبة الدخيلة باسم التطور ومماشاة الواقع الجديد، حتى انتشرت فى عصرنا هذا الأوبئة الاجتماعية والجرائم البشعة التى تصور مدى عقوق الأبناء لوالديهم، وعدم احترام الكبير، وجرائم هتك العرض، والخيانة، وعدم الانتماء للوطن، ورفض الرأى الآخر حتى لو كان صائباً، فقد أصابه الغرور إلى درجة أفقدته منطقية التفكير.

ومن ثم، فإن المسئولية الدينية والأخلاقية تلزمنا جميعاً بترشيد توجيهات الشباب، وتنمية الوعى لديهم، وتعديل الميول عندهم، ويجب حث الشباب على أخذ كل جديد مفيد، ورفض كل حديث مضر.وتوجيه الشباب نحو الاستفادة من منجزات العصر العلمية والتقنية والمدنية، ورفض الرذائل الأخلاقية المصدرة إلينا من الغرب أو الشرق.

كما أن من الضرورى للآباء تفهم متطلبات الجيل الجديد، ومحاولة فهم ما يفكر فيه الشباب والفتيات، والاقتراب منهم أكثر، والتعامل معهم كأصدقاء فذلك هو الطريق الأقصر لمعرفة مايدور فى عقولهم من أفكار، وفى قلوبهم من عواطف، كى يتمكن الآباء «جيل الشيوخ» من توجيه الأولاد نحو الخير والصلاح والفضيلة والإيمان، ومعالجة المشاكل التى تنشأ لديهم نتيجة التغيرات الكبيرة، والغزو الثقافى والفكرى الذى يشنه الإعلام ضد عقولنا وأفكارنا وثقافاتنا.

 إعلامية بالهيئة العامة للاستعلامات