رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استقبال الأشهر الحرم «1-2»


قال الله تعالى عن الأشهر الحُرُم «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِى كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ». والأشهر الحُرُم هى: «رجب ـ وذو القعدة ـ وذو الحجة ـ ومحرّم». إذن شهر رجب شهر معظّم عند الله تعالى. وسميت الأشهر الحُرُم بالحُرُم: لعظم حرمتها. وحرمة الذنب فيها...

... فالمعصية فى هذه الأشهر أعظم من المعصية فى غيرها ـ وإن كانت المعصية محرّمة فى كل وقت ـ  ولكنها تعظم فى بعض الأوقات والأماكن، كما أن الحسنات فيها مضاعفة.

أتذكر قصة جميلة رغم أنها محزنة: قال لى صديقى: كنت فى رحلة عمرة، وكنت أصلى أمام الكعبة المشرفة وأمامى حقيبتى الصغيرة التى أحملها دائماً فى اليد. خطف لص الحقيبة وجرى بها واختفى بين المعتمرين. أمسكت به فى النهاية فقال لى: هذه حقيبتك كاملة ظننتها لى. افعل بى كل شىء وأى شىء، إلا أن تسلمنى للشرطة لأنها ستقطع يدى وأنا برىء. قلت له لن أسلمك للشرطة ولكن بالله عليك أجبنى، الناس تسرق فى الخارج وتتوب فى الحرم، فإذا سرقت أنت فى الحرم فأين تتوب؟ وهذه القصة للدلالة على عظم الجرم فى الأماكن المقدسة عموماً، وفى الكعبة المشرفة خصوصاً. المسلم وهو يستقبل الشهر الحرام يحتاج إلى أمور عديدة فهو يحتاج أن يتعلم أن الله حكيم عليم: «فالله تعالى لحكمة منه اختار هذه الأشهر الحُرُم وميّزها وجعل لها زيادة فضل».

والإيمان بأن الله «حكيم»، يجعلك كإنسان مسلم، أن تبحث ماذا يجب أن يكون حالى فى الأمر الذى اختاره الله؟ ماذا يجب علىَّ أن أفعل فى هذه الأشهر الحرم ومنها شهر رجب الحالى.

«فالعقول السليمة السوية تتعامل مع الأشياء النافعة بصورة الانتفاع وليس بصورة الاعتراض» حتى لا يسأل المسلم لماذا تميزت هذه الأشهر الحرم؟ فأنت تسأل ماذا أفعل؟ وكيف أنتفع؟ حتى تفهم الحكمة من وراء حكمة الله تعالى.

يحتاج المسلم أن يفهم أن هناك مسألة مهمة جداً وهى مضاعفة الحسنات وتعظيم السيئات فى الأشهر الحرم، خصوصاً إن الحسنات تضاعف على حسب ما قام فى قلبك، فأنت تدخل الشهر الحرام وأنت معظَّم للشهر الجميل، فتجمع مع العمل الصالح، تعظيمك للشهر. {فلا تظلموا فيهن أنفسكم}. وهذا يعنى ألا تنتهكوا أيها الناس، حرمة الشهر بالوقوع فى الذنوب الصغيرة أو الكبيرة.

هذا هو الطبرى وغيره من المفسرين والمحدثين الكبار يفسرون : «الظلم : بأنه العمل بمعاصى الله، والترك لطاعته»، فالظلم له شقان كما يرى بعض المفسرين ومنهم من يقول : لا تظلم نفسك بتفويت العمل الصالح فى الزمن الفاضل.. فهذا زمن مختلف،، هذا زمن معظّم عند الله، ولا تظلم نفسك بعمل المحرّمات فى هذا الزمن الفاضل.

المطلوب منك أيها المسلم فى هذه الأشهر الحرام: التزام حدود الله. أى لا يقع منك تعدٍ لها وترك لتعظيمها. إن ترك تعظيم الله من أسباب موت القلب، ولو عظّمت الله ستلزم الحدود معظمها أو جميعها، ولو بالشعور بالذنب وتحقيق التوبة والبعد عن المعاصى والذنوب. كما يأتى هنا الاهتمام بالفرائض فليس المطلوب منك أن تأتى بأشياء جديدة وتعملها أيها المسلم، بل اهتم بما فرضه الله عليك وأهمها الصلاة، فهى عمود الدين، وهى فرض يتكرر عليك.. فإتقانها مهمة تبذل جهدك فيها،، وتحتاج منك إلى مزيد عناية فى هذا الشهر وفى غيره..

فالمسلم أقرب ما يكون إلى الله تعالى وهو ساجد. فالاهتمام بإطالة السجود والانكسار والذل أمر مهم فى إحياء القلب. والاهتمام بالفاتحة وجمع القلب فى «إياك نعبد وإياك نستعين» فضلاً عن الاعتناء باستهداء الله فى «اهدنا الصراط المستقيم» هو دليل «اهتمامك بالفرائض يعنى حضور قلبك..إن الذُّل والتذلل منك لله تعالى.. وانكسارك.. وإطالة السجود.. كل هذا مما ينفعك الله به». لا تستهِن أيها المسلم بالنوافل ؛ بل زِد إيمانك بالإكثار منها، والسعى لإتقانها. ومن النوافل المتعلقة بالصلاة: التسبيح بعدها.. السنن الرواتب.. فعلى كل مسلم أن يحافظ عليها. وعلى كل مسلم أن يجتنب المحارم كلّ ما حرّمه الله. والذنوب والمعاصى فى الأشهر الحرام عظيمة وأخطر، فالمعصية فى هذه الأشهر أعظم من المعصية فى غيرها، وعظمتها تأتى : من جهة الذنب نفسه،  ومن جهة عظمة الشهر التى تقع فيه المعصية، والوقوع فى الذنوب والمعاصى له صورتان كما يرى بعضهم : صورة يكون الوقوع فى الذنب مرتّب له ومخطط له، وصورة يكون الوقوع فى الذنب غير مرتّب له وإنما يقع كيفما اتفق.

فعندما ترفع أيها المسلم سماعة الهاتف – على سبيل المثال لا الحصر - وتريد أن تتكلم فى فلان وتغتابه، فهذا ذنب قمت به وأنت مخطط له وتعلم ماذا ستقول..وهذا الأمر يختلف فى الحرمة عندما تتكلم وتنطلق فى الكلام فتجد نفسك قد وقعت فى الغيبة. هذان النوعان من الذنوب لابد من اجتنابهما : أما نوع التخطيط فيحتاج منك إلى قوة عزيمة وتقوى، ولتعلم أن الذى يمنع التقوى «قسوة القلب» وأما الأخرى، فعليك أن تتوسل إلى الله تعالى أن يمنعك منها ويحفظك من اقترافها. ثم استجب فورا للمنبّه مباشرة..فقد يأتيك تذكير.. منبّه.. يذكّرك الله تعالى به. اللهم اجعلنا من المتقين، الحافظين لحدود الله تعالى المعظمين للأشهر الحرم. وللحدث صلة لبيان كل ما يتعلق بالأشهر الحرم وتعظيمها. وللحديث صلة. والله الموفق.