رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان المزيفون


الأحداث التى تمر علينا فى مصر فى الفترة الأخيرة تطرح العديد من التساؤلات، حيث يتعجب البعض من تلك الطاعة المطلقة التى يبديها الشاب الإخوانى لكل قرارات قياداته حتى ولو لم يكن يعرف ما هذه القرارات وما هى دوافعها؟ والمثل الأكبر

على ذلك هو خروج شباب الإخوان فى مظاهرات لتأييد قرارات الرئيس مرسى الأخيرة قبل أن تتصدر هذه القرارات وقبل أن يعرفها أحد ! وقد عبر البعض عن هذه الطريقة الإخوانية الغريبة بعبارة ساخرة هى: ( الإخوانى الثائر هو من يثور ليؤيد القرارات ثم يهدأ ليعرفها من الأخبار ) ولأن الشأن الداخلى لجماعة الإخوان لم يكن محل اهتمام الرأى العام قبل الثورة لذلك يصبح كشف «نفسيات الإخوان» وطريقتهم فى التفكير فرض وطنى سأمارسه رغم أنف تجار الدين.

فكما الأفراد تكون الجماعات، حيث تخلق لنفسها « مثلث برمودا « أو « اللاشعور « الذى يكون بمثابة مساحة غير مرئية تختفى فيه بعض الأفكار والأنباء، ولكنها ودون قصدٍ أو تعمدٍ منها تظهر فى صورة تصرفات، فإذا ما صادفك أى تكوين إنسانى يتدثر أمام الناس بالفضيلة والغايات النبيلة والقيم الروحية الأصيلة ثم يمارس أفراده الكذب والخداع والتزوير على العامة الذين لا ينتمون إليهم، ويتفانون فى إهانة الكرامة الإنسانية لمن يختلف معهم فى الرأى، أو حتى لمن يشتط فى الخلاف معهم فاعلم أن الدافع لهذه التصرفات المغايرة للقيم الظاهرة التى يدعون لها بعض أفكار مستترة ومخفية فى مثلث برمودا أو منطقة لا شعور الجماعة.

حين دخلت إلى التنظيم كنت أدخل تنظيما دعويا يرى أن الدعوة هى أصل حركتها، وأن الناس كلهم، كل الناس، هم أحبابنا ولو كانوا يرغبون فى استئصال شأفتنا، فإن قابلونا بالكراهية قابلناهم بالحب، هكذا حدثتنى أفكار من استمعت إليهم، وهكذا قرأت فى كتب الإخوان، وهكذا تعلمت من كتاب « دعاة لا قضاة» لا شك أننى كنت أعرف أن هذا التنظيم يمارس قدرا من السياسة ولكنه يمارسها بقدر، بحسب أنه رأى أن طريق « شمولية التنظيم « هو الحل، ولكن لم يرد فى بالى أننى ألتحق بتنظيم سياسى له أفكاره الباطنية، يمارس الدعوة فى بعض الأحيان، والسياسة الغالبة أو المُغـَالـِبة فى معظم الأحيان، أو أننى ألتحق بجيش يتم إعداده ليكون «جيش الإسلام» الذى ينظر للآخرين نظرة الكاره للكاره والعدو للعدو، جيش الإسلام الذى عليه أن يحارب حتى يرفع راية « لا إله إلا الله « التى يرى أنها سقطت، وهنيئا له من يعيدها مرة أخرى، هنيئا له من سيعيد الإسلام للعالمين .

وجيش الإسلام هذا يجب أن تكون هناك أدوات لتربيته وتشكيل نفسيته وصياغة أفكاره، وأول ما يشكل نفسية الإخوانى هو تربية الأخ من بداية التحاقه بالجماعة على ركنين من أركان البيعة هما ركن الفهم وركن السمع والطاعة، فجماعة الإخوان مثلها مثل أى جماعة ذات حوزة مغلقة تسعى إلى الحفاظ على كيانها من التفتت وإلى ضمان تنفيذ القرارات الفوقية فكان أن وضع حسن البنا فى رسالة التعاليم ركن السمع والطاعة من ضمن أركان البيعة إذ دونه لن تكون للقيادة- أيا كان موقعها- تأثير أو نفاذ.

والناظر لحركة الإخوان فى الحقبة الأخيرة يرى أنها تحوصلت حول ركن «السمع والطاعة» وركن «الثقة فى القيادة» وقد استترت قيادات الإخوان خلف هذين الركنين فى معظم ما أصدروه من قرارات وسهل تمرير القرارات أو تزويرها من خلال هذين الركنين، وعبر سنوات طويلة وأى أخ داخل الصف يخضع لتربية إخوانية تشكل نفسيته على أساس أنه « ليس علينا إلا السمع والطاعة باعتبارنا «جنود الدعوة» وأننا يجب أن نثق فى حكمة القيادة لأنها ترى ما لا نرى وأحيطت بما لم نحط به وأننا ننظر إلى جانب واحد فى حين أنها تنظر إلى جميع الجوانب» .

وبذلك وبمثله أصبحت كلمة «إخواننا فوق» عبارة مقدسة لا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها فـ «إخواننا فوق فى الدعوة» يرون مالا نستطيع رؤيته ويفهمون ما لا طاقة لنا بفهمه وفى وسط هذه الأجواء غاب الحق فى مناقشة القرارات قبل صدورها وتمركزت القرارات فى ثلاثة أفراد وهؤلاء الثلاثة هم «إخواننا فوق» وهم فى حقيقة الأمر ذلك الطلسم الذى استعصى حله على الجميع إذ كنت منذ نعومة أظفارى الدعوية أبحث عن «إخواننا فوق» إلى أن أتاحت لى الأقدار أن أكتشف ذلك الوهم الذى عشش فى عقول الجمهور الطيب وعرفت حل الطلسم الذى يصدر وحده تلك القرارات العجيبة دون أن يسعى لتدويرها أو مناقشتها أو أخذ الشورى شأنها متسلحًا بركن السمع والطاعة متشلحًا من ركن الفهم.

وإن كانت ثقافة السمع والطاعة قد طغت فى التكوين النفسى لمعظم الإخوان حتى باتت حاكمة ومتحكمة فى تصرفاتهم، فإن هذه الثقافة لم تنجح إلا فى عسكرة المواقف الإخوانية وابتعدت بها عن الشفافية والوضوح وأصبحت بعض الملفات الإخوانية شديدة الغموض لا يستطيع أحد الإقتراب منها مثل ملف «ميزانية الإخوان» ورواتب الإخوة المتفرعين ومخصصات بعض القادة المالية ومصير الاشتراك الشهرى الذى يدفعه كل أخ والنفقات التى تنفق فى الانتخابات وغيرها حتى إن أحدهم أقسم لى إن نفقات الانتخابات فى عام فاقت ما دفعه الإخوان فى ذات العام لانتفاضة الأقصى إلا أن كل هذه الانتقادات تظل مجرد آراء لأصحابها لأن ملف «الميزانية» ظل وسيظل بعيدًا عن المناقشة.

الأمر الثانى الذى يتم غرسه وتثبيته فى قلب الأخ هو أن «التنظيم هو الإسلام» فالإخوان يعتبرون العمل فى تنظيم فريضة إسلامية، ومن أعلى الفرائض لديهم كما يقولون فى الجماعة هو أن إسلام المرء لا يتم إلا إذا انضم لجماعة الإخوان، وكل من يعمل خارج الجماعة هو من أصحاب الإسلام المنقوص الذى يقترب به من الجاهلية.

فإذا ما ترسخ فى نفسية الأخ أنه يعمل داخل تنظيم هو «فريضة إسلامية» تصبح الجماعة نفسها فى ضميره هى أحد أركان الدين أو هى الدين نفسه، وبالتالى يصبح من ينتقد الجماعة فى عيونهم منتقدا للإسلام، كارها للدين، ومن هنا يصبح من حق الإخوة استخدام جميع الوسائل والطرق لمواجهة هؤلاء المعارضين أو المنتقدين.

ولا يظن أحد أن هذا الفكر تسلل حديثا للجماعة ولكننا عندما نقرأ رسالة التعاليم التى وضعها حسن البنا نجده يقول فى البند الخامس والعشرين من الرسالة وهو يوجه تعليماته للإخوان وما يجب أن يفعلوه فى حياتهم « أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامى، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التى تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة».

هذا بعض من كل ولنا عودة إن كتب الله لنا عمرا أو حرية .

الناظر لحركة الإخوان فى الحقبة الأخيرة يرى أنها تحوصلت حول ركن «السمع والطاعة» وركن «الثقة فى القيادة» وقد استترت قيادات الإخوان خلف هذين الركنين فى معظم ما أصدروه من قرارات وسهل تمرير القرارات أو تزويرها من خلال هذين الركنين

الأمر الثانى الذى يتم غرسه وتثبيته فى قلب الأخ هو أن «التنظيم هو الإسلام» فالإخوان يعتبرون العمل فى تنظيم فريضة إسلامية، ومن أعلى الفرائض لديهم كما يقولون فى الجماعة هو أن إسلام المرء لا يتم إلا إذا انضم لجماعة الإخوان