رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرية الإبداع وتفعيل الدستور«١»


مع احترامى الكامل للقضاء المصرى إلا أننى أيضًا مع حرية التعبير والإبداع والبحث العلمى، مادامت لا تمس الأمن القومى لبلدنا، وأنا أرفض حبس الكتاب والمبدعين والفنانين بسبب أعمالهم المكتوبة أو المسموعة، انطلاقًا من تناقضات غريبة تحدث فى حياتنا ولابد من لفت النظر إليها.

التناقض الأول هو أن الشعب المصرى قد وافق بأغلبية كبيرة على الدستور الجديد الذى جاء بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٤ ضد الحكم الظلامى الأسود، ولكن هذا الدستور لا يطبق، إنه دستور موقوف فى كثير من مواده.

التناقض الثانى هو أن لدينا مجلس نواب جديدًا من بداية هذا العام، لكن النواب لا يقومون بدورهم فى تطبيق المواد ٦٥ و٦٦ و٦٧ من الدستور الجديد والتى تكفل حرية التعبير والفكر والإبداع، وتنص على منع الحبس فى هذا الصدد كما تكفل وتلتزم بحماية البحث العلمى أيضًا، ولا أحد يعرف متى سيقومون بتفعيل مواد الدستور وهم ممثلو الشعب والمطلوب منهم حماية وتفعيل دستور وافق على الشعب بأغلبية كبيرة.

التناقض الثالث أن لدينا ثغرات كثيرة فى القوانين المصرية فى حاجة إلى تطوير، وفى حاجة إلى إعادة نظر حتى لا تتيح هذه الثغرات إيقاف العمل بالدستور وعدم تفعيله، وهناك قضايا تستمر سنوات دون أن يصدر فيها حكم، بينما قضايا أخرى يصدر فيها حكم فى خلال شهر أو شهرين بما يجعل المجتمع يعيش حالة من التناقض وعدم الفهم لمجريات الأمور، فمثلاً قضايا عبارة ازدراء الأديان تصدر فيها الأحكام بالسجن بسرعة مذهلة، وتمكن الثغرات القانونية المتناقضة مع الدستور إصدار أحكام بالسجن مثل ما حدث مع إسلام بحيرى، ومثل ما حدث مع فاطمة ناعوت، وفى شأن حرية التعبير تم الحكم بحبس كاتب جديد هو أحمد ناجى عن رواية كتبها وتم إصدار حكم بالسجن على ناشرها أيضًا «طارق الطاهر حنفى»، إننى هنا أتوقف أمام أحكام صدرت بسرعة رغم أنها ضد الدستور، ولم يتقدم أحد لوقفها لعدم دستوريتها، مما يعنى أن المتربصين بالإبداع والظلاميين الذين يحاربون هذا الإبداع لديهم سطوة رغم الدستور، وأنه لن يجرؤ أحد على محاولة تجديد الخطاب الدينى الذى طالب به الرئيس السيسى، لأن أى تجديد أو محاوله للتجديد ستؤدى بصاحبها إلى حكم بداخل أسوار السجن.

وهناك تناقض رابع، إننا بينما نحاول أن نبنى دولة ديمقراطية تكفل ازدهار الفنون والآداب والإبداع، وتنبذ التطرف والعنف والتشدد، فبدلاً من هذا فإننا نجد أن الدولة لا تنتصر للإبداع ولا لحرية الإبداع، ولا لتطوير الخطاب الدينى.

أما التناقض الخامس فهو أن الحكم على العمل الأدبى أو الفنى لا يكون من خلال الحبس أو القهر أو تكميم الإبداع، وإنما الحكم على الفكر أو الرأى أو العمل الأدبى أو الفنى، فإنه يقوم به نقاد فنيون أو نقاد أدب أو إعلاميون متخصصين، أو يمكن أن يقوم فيه الجمهور بدور إيجابى بأن ينصرف عنه لرداءته أو لفجاجته، أى أن على الجمهورو النقاد دورًا مهمًا فى دعم الإبداع والفن المتميز ونقد العمل الهابط أو الفج أو السىء، إن الموضوع فى غاية الخطورة، لأنه يمكن لأى كاتب أو فنان أو مجدد أن يتم حبسه لفكره أو لرأيه أو للوحة فنية قام برسمها ولم تعجب أحد المتشددين.

إننى أهيب بالرئيس السيسى أن يقف مع الدستور، وأن يقف نصيرًا لحرية الفكر والإبداع والفن، مادامت لا تمس الأمن القومى، وأهيب أيضًا بمجلس النواب أن يلتفت إلى ضرورة تفعيل الدستور الجديد. وللخديث بقية