رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين تطبيعى والى وزويل والصفقة مع أمريكا


طموحات زويل لم يكن لها سقف وبالتالى بدأ فى زيارات متكررة إلى إسرائيل وجامعاتها ومؤسساتها العلمية من بداية الثمانينيات حتى إنه أصر على دعوة أربعة من العلماء الإسرائيليين لمؤتمر قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة الإسكندرية فى يناير 1983

مازال طلاب جامعة النيل يعتصمون منذ أكثر من ثمانين يوماً دون أن يعيرهم أحد اهتماماً فيما فسره البعض بأن هناك صفقة مع أمريكا لوضع البحث العلمى المصرى تحت الرقابة والولاية الأمريكية الكاملة فأسلحة مصر قادمة من أمريكا وجميع عتادنا العسكرى يعلمه رجال المخابرات الأمريكية وصفقات قمحنا تعلن يومياً على مواقع بورصات القمح ومثلها أيضاً باقى غذائنا ومستشفياتنا ومدارسنا وجامعتنا أحوالها واضحة ولا تحتاج إلى تجسس أو متابعة يبقى فقط البحث العملى والعقول النابهة الموجودة فى الدول النامية والتى تفاجئ الغرب يومياً بإنجازات مبهرة فعندما كنت فى الولايات المتحدة الأمريكية فى عامى 1992، 1993 فاجأنى الزميل الأمريكى الذى كنت أعمل معه بأنه يعلم كيف صنع أغبياء الهند وباكستان القنبلة النووية؟! فهكذا ينظرون إلينا كما ينظرون الآن إلى العقول الإيرانية بعد أن وعوا الدرس الآسيوى، وهناك أيضاً تعرضت للعديد من الاختبارات الأمريكية لقياس علمى وذكائى وعندما عدلت عليهم طرقهم فى استصلاح الأراضى حققت انبهاراً ممزوجاً بالتكابر عن الشاب المصرى الذى حضر إلى أمريكا ليعدل عليهم ويقترح أبحاثاً متطورة لم تدر بخيالهم الشيء الذى استوعبته هناك أننى وجدت عشرات المقترحات لأبحاث علمية مع شرح لأهدافها وخطوات تنفيذها وضعها باحثون مصريون خدعوا بإعلانات فى الصحف المصرية بإمكانية السفر لإجراء أبحاث هناك على أن يتقدموا بخططهم البحثية لتنفيذها فى أمريكا ومن يتم الموافقة عليه يسافر إلى هناك لتنفيذ بحثه.

الغريب أننى اكتشفت أن هذه الخطوات ما هى إلا سرقة للعقول والأفكار المصرية النابهة لإهدائها للباحثين الأمريكان لتنفيذها ، فقد أخطأ زميلى الأمريكى وطلب منى مشاركته فى تنفيذ خطة بحثية مقدمة من باحث مصرى راغب فى السفر إليهم ولكن تم رفض طلبه وخطته البحثية!! فسألته طالما رفضتم خطته البحثية فلماذا تنفذونها؟! كان رده وحجته بأن ميزانية الأبحاث للطلاب الوافدين من الخارج محدودة وبالتالى فهم يوافقون على حضور البعض ثم ينفذون البعض الآخر بأبحاث داخلية مدفوعة وممولة لصالح الأساتذة الأمريكان National Projects طالبت بأن أراجع مقترحات الأبحاث المقدمة من المصريين قبل اختيار بعضها لأشارك فى تنفيذها فوجدت عشرات الأفكار النابهة والخطط البحثية الرائعة التى يحول دون تنفيذها ضيق ذات اليد فى مصر والميزانية المحدودة للبحث العلمى فى نظم حكم لا تهتم إلا بتقوية قواتها العسكرية والشرطية فقط لحمايتها أولاً وفطنت إلى الفكر الغربى النابه فى سرقة العقول من الدول الفقيرة بأبخس الأثمان والأمر لا يكلفهم إلا إعلاناً فى صحيفة كبرى بفرصة للسفر إلى هناك لتنفيذ أبحاث علمية فيتقدم مئات العلماء المصريين بأفكارهم وخططهم البحثية فى إهداء ساذج إلى الغرب فيأخذون عدة أفراد منهم للسفر ذرا للرماد فى العيون ثم يسرقون باقى الأفكار والأبحاث لتكوين قاعدة علمية راقية وينفذونها بأيادى وإمكانيات العلماء الغربيين ويحصل بعضهم على الجوائز العالمية بأفكار علماء الدول الفقيرة.

ليس من الغريب أن تذهب إلى جامعة فى أمريكا فتجد أن جميع أعضاء هيئة التدريس فى جميع أقسام الكلية قد حصلوا على جائزة نوبل فالحصول على الجوائز صناعة أمريكية خالصة حدث هذا معى عندما زرت جامعة بيركلى فى ولاية كاليفورنيا وذهبت إلى قسم الكيمياء لأجد جميع دكاترة هذا القسم حاصلين على نوبل ولذلك يطلقون عليها جامعة نوبل!! وفى أثناء عملى بجامعة جنوب كاليفورنيا منذ نحو عشرين عاماً والقريبة جداً من معهد كالتاك الذى يعمل فيه الدكتور زويل وكان اسمه قد بدأ فى البزوغ فسألت عنه فقيل لى استرح فهو لن يقابلك أبداً حتى لو كنت أعظم علماء مصر وفهمت من محدثى أنه يجرى إعداده لشىء مهم فعندما عمل زويل فى المعهد وجد حوله عدداً كبيراً من العلماء الحاصلين على نوبل وهم بالتأكيد ليسوا الأفضل فى تخصصاتهم ولا إنجازاتهم العلمية ولكن يتم صناعتهم وتجهيزهم باحترافية لنيل الجائزة سأل زويل كل من حوله عن الطريقة التى يمكن بها الحصول على الجائزة بخلاف البحث العلمى فقيل له العبارة الأمريكية الشهيرة «العلم ليس له وطن» وأنت كأمريكى عربى فإن حصولك على الجائزة فى تخصص علمى وليس فى الأدب أو الشعر التى عادة ما يتركونها لدول العالم الثالث، سوف يكون مرتبطاً بتدعيم علاقتك بالجامعات الإسرائيلية والمؤسسات العلمية فيها. طموحات زويل لم يكن لها سقف وبالتالى بدأ فى زيارات متكررة إلى إسرائيل وجامعاتها ومؤسساتها العلمية من بداية الثمانينيات حتى إنه أصر على دعوة أربعة من العلماء الإسرائيليين لمؤتمر قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة الإسكندرية فى يناير 1983 مع تعاون علمى كثيف بينه وبين الإسرائيليين توج بحصوله على جائزة «وولف برايز» العلمية الإسرائيلية عام 1993 أى قبل حصوله على نوبل بست سنوات كاملة كانت مصر قد بدأت فيها تطبيعاً رسمياً بأوامر رئاسية مصحوبة برفض شعبى وإعلان متعاقب مع جميع النقابات والنوادى والهيئات بحظر التطبيع أو السفر لأعضائها لإسرائيل وكاد التطبيع أن يكون مقصوراً على الزراعة والسياحة ثم الصناعة مرغمة باتفاقية الكويز للتصنيع المشترك لصادرات المنسوجات مع إسرائيل. من هذا نستنتج أن التطبيع المصرى الإسرائيلى كان تطبيعاً رسمياً وتوجهات رئاسية محضة بينما كان تطبيع زويل مع إسرائيل شخصيا وبتخطيط أمريكى لصناعة عالم يحصل على نوبل لم يكن ممكنا له الحصول عليها دون مباركة وترشيح إسرائيلى وبالتالى كانت طموحات زويل الشخصية أكبر كثيراً من الصالح العام المصرى ولم تكن مصر فى خاطره طوال الثمانينيات والتسعينيات والتى تصرف فيها كمواطن أمريكى صالح ومطيع ولذلك فأنا أستغرب من كثرة اللعنات التى طالت يوسف والى وزير الزراعة الأسبق بسبب طاعته للأوامر الرئاسية بالتطبيع الزراعى مع إسرائيل والذى دفعت الزراعة المصرية فيه ثمناً فادحاً وليس بطموح شخصى منه وبالغوا فى التشهير به واتهامه بغير حق بأن له جذوراً يهودية وفى المقابل نجد أن التطبيع الزويلى الشخصى مع إسرائيل لم يتطرق إليه أحد بل إن كبار علمائنا الذى وجهوا سهام نقدهم لوالى وتطبيعه مع إسرائيل باركوا تماماً تطبيع زويل وزياراته وجائزته من إسرائيل لأن اختيارهم فى مجلس أمناء مدينته وضع الماء فى أفواههم. منذ عشر سنوات اكتشف الرئيس المعزول التوجه الأمريكى لزويل وبالتالى أوقف مشروعه ومدينته العلمية المزعومة منذ عام 2000 ثم انتهى المشروع تماما بتناول زويل لمصر بسوء عام 2001 فى إحدى الدول الخليجية وبشكل عدائى لا يليق بمصرى تجاه وطنه، ولكن الحكومة الحالية تصر على عودة زويل ومدينته على أنقاض جامعة النيل اسم شريان مصر ومن أجل اسمه الشخصى فقط فيما يبدو كما يراه بعض المحللين بأنه صفقة مع أمريكا بوضع البحث العلمى المصرى تحت الوصاية الأمريكية ورجلها زويل وأنه لن يخرج بحث ولا مشروع تنموى إلا بعد موافقة زويل عليه أى موافقة أمريكا على الرغم من وجود مدينة برج العرب البحثية والجامعات ومركز البحوث الزراعية والمركز القومى للبحوث ومركز بحوث الصحراء ولكن مدينة زويل ستكون الواجهة التى تلغى كل هذه المراكز من أجل وضع البحث العلمى تحت الوصاية الأمريكية الخالصة وبذلك لن يلتفت النظام الحالى لطلاب جامعة النيل ولو استمروا شهوراً أخرى لأن الصفقة غير قابلة للإلغاء.

■ كلية الزراعة- جامعة القاهرة