رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوقاية والعلاج من مرض الخوف «٢»


تحدثنا فى المقال الماضى عن مرض الخوف وكان لابد أن نعرف اُسلوب الوقاية ثم العلاج، فالخوف مصدره جهل فى التربية وعجز فى الثقافة وعندما يصبح الخوف مرضا قد لا ندرك ذلك وقد لا نملك تكاليف العلاج منه الذى قد يستغرق مدة طويلة.

ومهما كانت القدرة على الإنفاق فإن لم تتغير أساليب التعليم فى المدارس والتربية المنزلية التى تبدأ فى البلدان المتقدمة قبل الحمل وأثناء الحمل وفور الولادة وتستمر إلى أن يتسلم الأبناء مسئولياتهم ليصبحوا هم آباء.

ولمعرفة طرق العلاج ينبغى أن نفرق بين الخوف الناتج عن أمور مخيفة بالفعل كتعرض رجل أو امرأة لمخاوف حقيقية مثل مواجهة لصوص أو أعداء متربصين أو عمليات خطف وانتهاك للكرامة أو تهديد بالقتل أو سبى، وهذا الخوف متوقع كمن يخاف مواجهة الموت أو الاعتداء على النفس أو المال، فالخوف هنا لا يشكل ظاهرة مرضية بل غريزة طبيعية يتشارك فيها الانسان والطير والحيوان، بل هو انفعال متصل بالمحافظة على البقاء، ويطلق على هذا النوع من الخوف بالقلق العصبى والنفسى الذى لا يخضع للعقل وتصعب السيطرة عليه، إنما درجاته نسبية بين شخص وآخر وفقا لأسلوب التربية والبيئة التى نشأ فيها الإنسان.

أما أسباب الخوف المرضى فيمكن تلخيصها فى الصراعات والإخفاقات والاحداث الصادمة والامراض المهددة للحياة لا سيما أمراض الجهاز العصبى من تصلب شرايين المخ وغيره من الأمراض النفسية.

أما مظاهر الخوف المرضى فهى متعددة ، مثل التوتر العصبى والقلق الزائد وقلة ساعات النوم والنرفزة وسرعة الغضب والتعب والإجهاد وزيادة عدد ضربات القلب والإحساس ببرودة اليدين وجفاف الفم مع صعوبة فى البلع للطعام والشراب وضيق التنفس مع شعور بألم فى منتصف الصدر وإحساس بضيق فى التنفس مع دوخة وارتجاف وقشعريرة وغثيان.

أما العلاج من أمراض الخوف، وهو ما يهمنا فى هذا المقال، فمن أهم وسائله الايمان بالله الواحد الذى نثق فى قدرته ومعيته ، ولذا نضع كل تكالنا عليه فهو الشافى بقدرته المعجزية حتى عندما يقول الطب لا فائدة، بل من أنجح وسيلة للعلاج هو دواء الحب، إذ لا خوف فى الحب الثنائى الاتجاه محبة للمخلوق فى اتجاه الخالق ومحبة الخالق فى اتجاه خليقته، إذ إنه جعل لذاته فى بنى آدم فميزه عن سائر خليقته، فهو الفنان الأعظم الذى صنع من خليقته أجمل تكوين وأروع صورة، وبالتأمل والتروى قد يكتشف الانسان أن ما يخافه لا وجود له فى واقعه.

أما سيجموند فرويد «١٨٥٦ وحتى ١٩٣٩» وهو طبيب نمساوى من أصل يهودى وقد تخصص فى دراسة الطب العصبى ومؤسس علم التحليل النفسى وطب الأعصاب، صاحب نظرية العقل واللاوعى والدفاع ضد القمع بالمطلق والعلاج النفسى عن طريق الحوار بين المريض وطبيبه بهدف إعادة الطاقة المحفزة الأولية للحياة البشرية ، والعلاج عن طريق تكوين حلقات للعلاج النفسي، كما اشتهر بتحليل الأحلام باعتبارها وسيلة استكشاف رغبات اللاوعى.

كما يرى فرويد أنه يوجد صراع بين المثالية والأنا، وبين الذات والذات الأعلى، فالمثالية ترى ما هو الأفضل فى كل شىء وتحقيق كل ما أريد، ولكنها صورة غير واقعية على أرض الواقع، فيدعو فرويد هذه المرحلة بأنها عودة إلى الطفولة لاحتوائها على رغبات طفولية بما فيها الجوع وحماية النفس، فدعاها «مرحلة المراهقة الجنسية»، وهذه المرحلة تشمل التشكل والرغبة فى المتعة، وتليها مرحلة أخرى يدعوها «موت الغريزة» التى تميل إلى العنف والتخريب.

أما المرحلة التالية لإعادة التشكيل النفسى والغريزى والانتقال إلى إدراك الواقع وبذل الجهد إلى الاقتناع بحقيقة الواقع وقبول المبادئ المجتمعية اللازمة للاستقرار والترابط المجتمعى وتبادل المنافع، والتوازن بين الرغبة فى الإشباع الكلى والاستحواذ من جانب، إلى إدراك الواقع من الجانب الآخر، كما أن مرحلة إعادة التشكيل هذه تعتمد على النمو العقلى والقدرة على حل المشكلات، ومن هذه المرحلة يمكن الوصول إلى اللا أنانية وصولا إلى الذات الأعلى، وهى مرحلة فهم القيم المجتمعية المستنبطة من مبدأ «لا يصح إلا الصحيح» أى التمييز بين الصواب والخطأ.

كما ينصح بممارسة الاسترخاء عند الشعور بالتوتر أو الضغط النفسى مع ممارسة التمارين الرياضية التى تنظم الهرمونات المسببة للقلق والتوتر مع الاهتمام بممارسة الرياضة بأنواعها والقراءة والكتابة.

كما أنه من الأهمية بمكان أن يذكر الخائف نفسه أنه ليس الشخص الوحيد الذى يعانى الخوف، بل يشاركه كثيرون فى هذا الشعور، وأنه قادر على تجاوز المشكلة لأنه الأقدر على التحكم النفسى والانضباط السلوكي، وشغل فراغه بما يفيد، والتدرب على التفكير الإيجابى، والاندماج المجتمعى، وشغل وقت الفراغ فيما يفيد من كل جانب.