رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام مضى وعام جديد «1»


اليوم آخر يوم فى عام 2015 وغداً يبدأ عام جديد. كل عام وأنتم ومصر بخير. مما لا شك فيه أن العام الذى مضى ملىء بالأحزان، ولكنه حمل بريق الأمل الذى يقدر الشعب المصرى على صنعه من وسط الأحزان والأمل. أحزان مصرية وأحزان عربية وعالمية: عام تصدرت فيه صورة إيلان الطفل الكردى السورى الذى جرفت جثته المياه على شط بحر إيجة شاهداً على مأساة شعب سوريا العريق بحضارته العريقة، شاهداً على تشريد ملايين اللاجئين من سوريا هرباً من جحيم بدأ بثورة سلمية ضد النظام فى مارس 2011، واجهها النظام بالسلاح، فدفع بها بعد ستة أشهر لحمل السلاح أيضاً، مما فتح الباب إلى مؤامرة تفتيت سوريا والوطن العربى بيد المتطرفين الإسلاميين عملاء وصنيعة الدول الاستعمارية الكبرى المتوحشة وعلى رأسها أمريكا، وبتمويل وتدريب وتسليح بأذرع تركيا وبعض الدول الخليجية. كل هذا فى خدمة أمن الكيان الصهيونى ليتربع فى قلب المنطقة كدولة يهودية قوية نووية، وفى خدمة الاستيلاء على بترول المنطقة وثرواتها وموقعها الاستراتيجى.

عام تصدرت فيه صور اللاجئين الهاربين من جحيم الحروب أو الفقر من شتى أنحاء العالم التى تدور على أرضها الحروب، أو يسحقها الفقر والبطالة، حيث استمر بنجاح ساحق مشهد غرق المئات فى مياه البحور عبر الهجرة غير الشرعية على مراكب الموت. يغرقون وتغرق معهم أحلامهم بفرصة عمل يدِّر عليهم رزقاً وفيراً يستطيعون من خلاله تحسين أحوال أسرهم، سواء بالإقامة هناك أو بالعودة إلى بلده لتحقيق حلم البيت والزوجة والعائلة. عام تصدرت فيه صور الذبح والحرق والسلخ من مصاصى الدماء الجدد باسم داعش، تتار العصر الجدد، والذين تفوقوا على هولاكو فى التدمير والقتل والحرق وسبى واغتصاب النساء وبيعهم فى سوق النخاسة. كل هذا وللأسف باسم الدين. وفى نفس الصورة برزت مكونات عناصر النازيين الجدد من اليمين المتطرف العنصرى فى البلاد الأوروبية الذين يطالبون بتطهير بلادهم من الأعراق ومعتنقى الأديان الأخرى. عام تصدرت فيه صور رجال الشرطة البيض الأمريكان وهم يقتلون بدم بارد الشباب السود بعنصرية وهمجية وعنجهية وغرور تعيد إلى الأذهان السلوك العنصرى للغزاة الأوروبيين البيض الأوائل الذين قاموا بإبادة الملايين من أصحاب البلاد الحقيقيين من الهنود الحمر. إنه التطرف الذى يولد العنف واستباحة الدم والأموال والأعراض والأوطان. وفى مصر شهد هذا العام عودة من ثار عليهم الشعب المصرى بثورته المجيدة فى 25 يناير 2011. تتشابك أيادى أصحاب النفوذ والجاه والمال منذ أربعين عاماً، تتشابك أيادى المحتكرين مع الفاسدين مع الاستبداديين، مع المضللين بكسر اللام من بعض الإعلاميين، محاولين إعادة أزهى عصور الفساد والخراب والتبعية وإهدار ونهب المال العام، وهم يرددون: «راجعين وفى أيدنا قوانين تجعلنا نتربع على عرش البلاد» مثل التسهيلات الممنوحة للمستثمرين وقوانين تعمل على تحصين عقود الدولة المتسمة بالاحتكار والفساد، وتعمل على التصالح مع ناهبى ثروات الشعب المصرى، وتعمل على المزيد من منح المزايا والإعفاءات الضريبية لكبار الأثرياء الذين يتهربون أصلاً من دفع الضرائب، بل ويبخلون على البلد فى أزمته التى نعيشها الآن فى شتى مناحى الاقتصاد، يبخلون على البلد بحقها رغم المليارات التى تتكدس فى خزائنهم من عرق شعب هذا البلد، ومن نهبهم لثرواته. يحاولون الآن التغلغل فى كل أجهزة ومؤسسات الدولة، وقد ساعدت قوانين انتخابات مجلس النواب الأخيرة على عودتهم متشابكى الأيادى ورافعين علامة النصر. يمد كل منهم يده للآخر تحت شعار «المصالح تتصالح» حالمين بتحقيق حلمهم فى السيطرة على مجلس النواب لسن وتشريع قوانين تساعدهم على حماية نفوذهم وثرواتهم على حساب مصالح الشعب المصرى، والذى يقع أغلبيته تحت حد الفقر، ويعانى من البطالة وغلاء الأسعار وتردى الخدمات فى الصحة والتعليم والسكن والانتقال، وكأن ثورة لم تقم، وكأن شهداءً من أبناء مصر لم يضحوا بأرواحهم من أجل آمال هذا الشعب فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وفى مصر أيضاً عام يشهد المحاولات المستميتة من جانب قوى العنف والتطرف من المتأسلمين لعودتهم للمشاركة فى المشهد السياسى من أجل السعى للسلطة من جديد. هؤلاء الذين خرجوا من عباءة جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى بكل مسمياتهم وأحزابهم وأفكارهم سلفية كانت أم جهادية أم تكفيرية. ورغم هذا يجدون من يمد يده إليهم ويدعو للمصالحة معهم! فى هذا العام بالذات بدأ الإرهاب يطال على نطاق واسع أراضى بعض الدول الأوروبية وأبرزها فرنسا وبلجيكا وأمريكا، وسط تنبؤات بانتشار الأعمال الإرهابية على نطاق واسع فى تلك الدول. ولكن فى نفس الوقت علينا أن نرى شمساً قوية تبرز بين تلك الغيوم تعطينا الثقة والأمل بأشعتها التى يتصدرها شعاع وعى الشعب المصرى العظيم الذى قام بثورتى يناير ويونيه وتعلم منهما تحطيم حاجز الخوف وإصراره على عدم عودة النظامين اللذين ثار عليهما. فالشعب ماشى وعارف طريقة. الشعب سيكون هو السلطة التى تراقب وتحاسب وتمنع العودة للوراء، وهذا يضع القوى الاشتراكية والقوى الوطنية والديمقراطية التى تنحاز إلى العدالة الاجتماعية إلى العمل بدأب ضمن صفوف هذا الشعب العظيم من أجل توعيته وتنظيمه فى مختلف الأحزاب والروابط والنقابات والجمعيات والتعاونيات وغيرها من الأشكال التى تزيد من قوته وتأثيره فى المشاركة فى صنع حاضره ومستقبله ومستقبل أولاده والمشاركة فى تحقيق أحلامه فى الحياة الكريمة.