رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الدولية والإقليمية.. أردوغان بين هوس السـلطة ووهم الخلافة


صرح رجب طيب أردوغان فى مؤتمر انعـقـد فى تركمانستان ذات العـرق التركى يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2015، بأنه يُمكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة أن ترفع الحصار عن غـزة، وأن تصرف التعـويضات للضحايا الأتراك التسع الذين كانوا على متن السفينة التركية مرمرة التى كانت ضمن أسطول الحرية، والتى أطلقت عليها إسرائيل النيران عندما كانت تحاول فك الحصار عن غزة وتقديم المعـونات الإنسانية لأهلها فى 2010، وفى المقابل صرح مصدر سياسى إسرائيلى «وفقاً لما أوردته جريدة يديعوت أحرنوت» بأن إسرائيل ترفض شروط أردوغان لتطبيع العلاقات بل وتتمسك باحتلال غـزة، وأن الرئيس التركى قد لجأ إلى تركمانستان لتكون بديلاً عن روسيا لإمدادها بالغاز الطبيعى، حيث تُعـد رابع أكبر دولة فى العالم امتلاكاً للغاز، وفى الوقت نفسه يهدف أردوغان من تطبيع العلاقات مع إسرائيل إمداد بلاده بالغاز الإسرائيلى عن طريق خط أنابيب يصل بين تركيا وإسرائيل تحت مياه البحر المتوسط، والاستغـناء نهائياً عن الغاز الروسى، خاصة أن تفاعلات العلاقات التى أحدثتها إسقاط المقاتلة الروسية فى الأراضى السورية المتاخمة للحدود التركية كما أكدتها البصمة الحرارية للطائرة قد تستغرق زمناً طويلاً.

والغريب أن أردوغان قد مارس فى العراق ما ينهى عـنه إسرائيل، فقد اخترق حدود العـراق، وانتهك سيادته على أقاليمه، واحتل جزءاً من أراضيه، وحاول أردوغان تبرير تواجد قواته بأنها تقوم بتدريب العـناصر الكردية التى تحارب داعش، وهو ما يتناقض مع موقفه الرافض أساساً لوجود دولة كردية على حدود تركيا، وأعلن فى غـطرسة مجَة بأن قواته لن تنسحب وأنها باقية فى «بعشيقة» ولن يقوم بسحبها لدواعى الأمن القومى لتركيا، وفى مفاجأة غـير متوقعة قرر سحب قواته من العراق تنفيذ لقرار سيده فى الولايات المتحدة بالرغم من هذا أن القوات هى التى كانت تقوم بتأمين وصول شحنات خام النفط الذى ينهبه داعش من آبار شمال العراق إلى بلاده، كما كان يهدف تواجد هذه القوات على مقربة من الموصل أو الـبـئـر الذى لا ينضب من خام البترول لينقض عليها، والتى كانت يوماً ضمن دولة الخلافة العـثمانية وتنازل عنها أتاتورك فى منتصف العـقد الثالث من القرن الماضى، والتى تُعـتبر الآن داخل نفوذ إيران التى تسيطر الآن على العـراق بأسره، وقد أعلنت إيران أن خفض إمداداتها من الغاز الطبيعى لهضبة الأناضول التركية بنسبة قد تتعدى الـ 40% تعـود إلى أسباب فنية، وهى إشارة واضحة فاضحة لتبرير موقفها إذا اضطرت لأن تتوقف عن إمداد تركيا بالغاز تعـزيزاً للموقف الروسى أولاً، ما لم يتسق دور تركيا مع موقفيهما، أى موقف روسيا وإيران الداعمين للنظام السورى، ويبدو أن الحلقة قد بدأت تضيق على تركيا بعـد أن أصبحت كل دول محيطها الإقليمى المباشر «روسيا وسوريا والعراق وإيران» مناهضة لسياستها ودورها كتابع أمين للولايات المتحدة تأتمر بأوامرها.

وواهم من يظن أو يتصور، أن التعاون بين تركيا وإسرائيل قد انقطع يوماً، بل قد ازداد تماسكاً وارتباطاً، خاصة فى المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، حتى فى أحرج فترات توترالعلاقات بينهما، سواء أزمة مقتل الأتراك التسعة الذين كانوا على متن السفينة التركية مرمرة، أو عـندما افـتعـل أردوغان أزمة انسحابه من منتدى دافوس بعـد أن امتنع رئيس الجلسة عن منحه الوقت الكافى للرد على خطاب رئيس إسرائيل، فانسحب وسط تصفيق الحاضرين، فقد كشف أوباما عن المكالمة التليفونية التى قدم فيها نتنياهو اعتذار إسرائيل لأردوغان عـن مقـتـل الأتراك الذين كانوا على متن السفينة مرمرة، حيث أبلغـه استعـداد إسرائيل لتقديم تعـويضات لأسر الضحايا، فقبل أردوغان هذا الاعتذار على الفور بعـد أن أظهر تشدداً وتمنعاً كبيراً من قبل، ولكنها طبيعة الرئيس الأمريكى الذى وعـد الجميع بكل شىء، لكنه لا يُعطى أحداً أى شىء، وطبيعة نتنياهو المتشككة والضالعة فى انتهاز الفرص وابتزاز الآخرين حتى حلفائه الأقرببين، وطبيعة أردوغان الدؤوب دائماً على أن يكون محور الأضواء، خاصة بعـد أن تمكن من الجمع بين السلطة التنفيذية كاملة غير منقوصة، والتى لم يتنازل عن أى كبيرة أوصغـيـرة منها عـندما كان رئيساً للوزراء.

ويشير الواقع إلى أن أردوغان قـد استطاع توظيف هذين الحدثين بمهارة فائقة، خاصة بعـدما تعـمد الإعلام الأمريكى والتركى والقطرى «قنوات الجزيرة» إبرازهما، حتى بدا هذان الحدثان من أهم الأحداث التى طُرحت على الساحة الدولية، إلى الحد الذى استُقبل فيه أردوغان استقـبال الفاتحين بعـد الأزمة الأولى، وجعـل منه بطلاً غازيـاً فى الأزمة الثانية، فصار بطلاً قومياً يدغـدغ مشاعـر مؤيديه.