رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قضــاة لا دعــاة


قال لى صاحبى وهو يحاورنى لماذا تنتقد الإخوان وقد كنت منهم ؟ ثم لماذا تنتقدهم علناً أليس من الأجدى أن تحمل إنتقاداتك وتذهب بها إليهم سراً فى مقرهم حتى لا يشمت فينا أعداء الحل الإسلامى، وحتى لا يترتب على نقدك هروب المقبلين على الحركة الإسلامية

، إذ إنك آنذاك ستكون منفراً لهم، كما أن قومك المتعاطفين مع الحركة الإسلامية سيجهلون مقصدك وسيعتبرونك من الهادمين لبنيان حركتهم المتعاونين مع أخصامهم، فقلت للذى لامنى: على رسلك يا أخى فحتى لو جهل قومى مقصدى فإننى كتبت ما كتبت لله لا للإخوان، ابتغاء مرضاة الله وعلى هذا تدور حياتى أو أحسبها كذلك ولا أذكى نفسى، كما إننى أكتب من واقع خبرتى وتجربتى وعمرى الذى قضيته بين جنبات هذه الجماعة أفرح بأفراحهم وأحزن لأحزانهم وأدافع عنهم وليست النائحة كالثكلى، ولا ينبئك مثل خبير، لقد كنا نقرأ ليل نهار ونحن فى الإخوان أن الحق لا يُعرف بالرجال ولكن الرجال يُعرفون بالحق وقد قرأت قبل أن أكتب لرموز الحركة الإسلامية الذين أصّلوا فى كلمات عذبة رقراقة تفيض علماً وخشوعاً هذا الحق واعتبروه من الركائز التى تقوم عليه الدولة، ويتملكنى العجب ممن يجهلون هذا الأمر أو يرفضونه، ففى غياب النقد العلنى غياب للشفافية، وقد يدفع هذا التعتيم إلى استمراء البعض لخطأهم، كما قد يحوّل هذا الأمر أولئك الرجال إلى مستبدين باسم الإسلام وباسم الإخوة، ولا يخدعنك أحد فيقول لك إن النصيحة ينبغى أن تكون فى السر لأن من تصدى لأمر الأمة وانشغل بحالها وهمها ينبغى وفقاً للقواعد الأصولية الصحيحة أن ننصحه فى العلن، ولست مبتدعاً فى ذلك ولكنى أقتفى أثر أساتذتى وأشياخى الكبار، ولك أن تقرأ كتاب العلامة الدكتور القرضاوى «الحركة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد» فقد وضع فيه فصلاً كاملاً يحتوى على انتقاد حاد لحركة الإخوان المسلمين، النقد فى السر أو النصيحة فى السر يا عزيزى تكون فى الخصوصيات كأن أنتقد أخى أو أنصحه فى أمور حياته الشخصية، أما إذا نصحنا جماعة أو حكومة أو حزباً أو حركة تتصدى لمصالح الأمة، وتحكمها، فإننا ينبغى أن ننصحهم علناً وعلى رؤوس الأشهاد، وما تقدم الغرب إلا بذلك، وما تأخرنا إلا عندما جهلنا هذا الحق، لذلك أصبح الحكام لدينا مقدسين مبرأين من الخطأ، وأصبحت كلمة الحاكم أو الزعيم أو المرشد حكمة وإشارته عبقرية، وبما أن أفراد جماعة الإخوان من هذه الأمة ويزعمون أنهم يحملون كلمة الحق، فضلاً عن أنهم أصبحوا حكاماً فإنهم يجب أن يضربوا المثل بحث أتباعهم على النقد والترحيب بنقد الآخرين لهم .

أما عن الانتقاد فحدث ولا حرج، فهو من الحقوق التى تعلمناها فى الإسلام ولكننا غفلنا عنها فأصبح كل انتقاد يوجه إلى حركة إسلامية مجرد «سب» فى عيون أنصار هذه الحركة، ونحن قد عبنا عبر عقود على الأنظمة التى حكمتنا استبدادها ورفضها الرأى الأخر، ثم نقع فى نفس ما عبنا به تلك الأنظمة المستبدة .

وكون حركة الإخوان حركة تزعم أنها تبتغى الإسلام وتبتغى رفع رايته فإن هذا لا يعطيها قداسة ولا يعصمها من الخطأ فإذا سكتنا عن أخطائها فإننا نكون قد شاركنا فى استمرار الخطأ ... هل قرأت يا عزيزى «رحم الله امرءً أهدى إلىَّ عيوبى» ؟ وهل تعرف «الدين النصيحة ... قلنا لمن يا رسول الله .. قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ؟ ونظراً لأننا فى مجتمع شرقى لم يجرب عبر عقود طوال الحق فى الانتقاد، والحق فى المراجعة، فإننى سأواجه حتماً بمن سينظر إلى نظرة الاعتراض لأننى فى زعمه «أفشيت سر جماعة كنت فيها» مع أن هذا الفهم يتناقض مع تعاليم الإسلام الذى يحث ويحرض على المراقبة والمساءلة والانتقاد بشكل علنى، وتذكر كتب السيرة أن سيدنا عمر بن الخطاب دعى الناس ذات مرة ووقف على المنبر قائلاً: لهم أتذكرون «عمراً» عندما كان «عميراً» يرعى عا إبل فلان فى شعب كذا، فعجب الناس وسأله بعضهم لماذا قلت ذلك يا أمير المؤمنين؟! فقال: أحسست فى نفسى بشىء من العجب فأردت تأديبها ثم قال ما تفعلون بى لو ملت برأسى هكذا وهكذا، فرد عليه أحد المسلمين نفعل لك بحد السيف هكذا وهكذا، ونظراً لأننى باحث أبحث عن الحقيقة أينما كانت فإننى سأغض الطرف عن «أصحاب الشكوك» وسأناقش وأُسائل وأنتقد»

فقال صاحبى: أصبت كبد الحقيقة ولكن ما قولك والإخوان يمثلون الإسلام ويطرحون أفكاراً مستمدة من صحيح الإسلام ومن الذى أجمع عليه الفقه فإذا انتقدتهم فإنما تنتقد من يحمل الراية بما يفت من عضده ويقدح فى الصحيح الذى يحمله للناس .. فقلت له : أما عن أفكار الإخوان وتصوراتهم السياسية فأنا أحترمها ولكننى أختلف معها ولا أقبلها كما أختلف مع الإخوان جذرياً فى طريقتهم السطحية فى الحكم، أختلف مع فهمهم السياسى للنصوص الشرعية وأرفض ضيق صدرهم أمام المخالفين ... ألتمس لهم فى بعض الأحيان الأعذار ولا أجرد بعضهم من الإخلاص، ولكن إذا أختلفت معهم فلا ينبغى لهم أبداً أن يجردونى من الإسلام أو يتوغلوا فى ضميرى ويحاسبوا نيتى لأننى أختلف مع حركة أو تنظيم ولا أختلف مع الإسلام ... لا تعتبروا الإخوان إقنيماً مقدساً لا ينبغى الاقتراب منه أو «يوتوبيا» فاضلة لا ينبغى المجاهرة بانتقادها ... فطالما أن الإخوان حركة إسلامية عامة علنية تسعى للعمل العام وأصبحت حكومة ونظاماً فإنها يجب أن تقبل النقد العام العلنى من جميع الأفراد حتى ولو كانوا لا ينتمون إليها ... هكذا تعلمنا من الإسلام.

وقد ذكر الدكتور يوسف القرضاوى فى كتابه «الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد» فصلاً عن وجوب الترحيب بنقد الآخرين وقال: (ردت امرأة على أمير المؤمنين عمر وهو على المنبر – أى علناً – فرجع عن قوله قائلاً أصابت امرأة وأخطأ عمر، ورد رجل على أمير المؤمنين على فقال له: أصبتَ وأخطأتُ وفوق كل ذى علم عليم، وقد قال أحد الرعية لعمر – علناً - : اتق الله يا عمر فأغضب هذا بعضاً من حوله ولكن عمر قال: دعه فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها ... وهذا ينطبق على الأفراد كما ينطبق على الجماعات والحركات) واسترسل القرضاوى بأنه فعل ذلك علناً فى كتابه «أين الخلل» فلامه البعض ولكنه قال لهم: لا يصح إلا الصحيح .. وأنا أقول كما قال الشيخ لا يصح إلا الصحيح