رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشخصية القومية للدولة


يشير الدكتور السيد ياسين فى كتابه «الشخصية العربية بين المفهوم الإسرائيلى والمفهوم العربى» ص 48 إلى أهمية دراسة سمات الشخصية القومية بقوله : «لقد ساعدت الحرب العالمية الثانية على تعزيز الاهتمام بدراسة سمات الشخصية القومية لدى القوات المتحاربة لكونها حاجة من حاجات كسب الحرب، ومن أجل اكتشاف نمط الشخصية اليابانية إذ تؤمن تلك الشخصية بالخلودبعد الموت مباشرة ولا سيما إذا كان فى سبيل الوطن والحرية، وما جرّه هذا الاعتقاد من ويلات وخسائر على الأمريكيين ولا سيّما فى المجال الجوى، إذ كان ذلك من جملة الأسباب التى دعت أمريكا لتفجير قنابلها الذرية فوق مدينتى هوريشيما وناجازاكى انتقاماً من الشخصية اليابانية الفدائية المضحية، لقد أثار نمط هذه الشخصية قلق الإنتربولوجيين الأمريكان فتداعوا لدراسة : الكتبالمدرسية والمناهج والدوريات والمطبوعات السياسية والتاريخية والأدبية اليابانية، كما درسوا الأفلام السينمائية اليابانية، والفعاليات الثقافية والإعلامية التى أثرت فى تشكيل البنيان الكلى لتلك الشخصية، كما طبقوا الاختبارات النفسية على أسرى الحرب والجرحى والمهاجرين اليابانيين، ودرسوا سيرهم الذاتية، فتوصلوا إلى اقتناع كامل مؤداه أن هناك جدلاً إيجابياً بين العناصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واللغوية والفلسفية والسيكولوجية والتربوية ينتج عنه تشكل الشخصية الثقافية أى الشخصية القومية»، وقد أصبح دراسة مقومات الشخصية القومية للشعوب، وطرق التغيير فيها والتأثير السلبى عليها من الآليات الأساسية التى يتبعها الغرب فى حروبه الحديثة .

على ضوء ذلك نستطيع أن نتبين مدى أهمية دراسة مقومات الشخصية القومية المصرية والعمل على استعادة وتأصيل نقاط القوة فيها، ونحن نخوض حرب الوجود التى تواجه بلدنا الآن وتهدد بقاءه، ونستطيع أن ندرك أيضاً خطورة التراخى فى المسألة الثقافية بوصفها من أهم المقومات الأساسية التى يتعزز الوجود القومى بتعزيز بنيانها، ويصيبه الوهن والتصدّع عندما تضمر أو تهدد بالتلاشى والإمحاء، إن الاستعمار الحديث الذى تتعرض له منطقتنا لم يعد نهجه الاستعمارى مقتصراً على استغلال الشعوب وسرقة ثرواتها، وإنما تعدى ذلك إلى حدود عمليات اجتثاث الأصول الثقافية والجذور التاريخية لتلك الشعوب من أجل فصلها عن تراثها القومى، ومن ثم من أجل تفكيك شخصيتها القومية، وإن المتأمل فى التغيير الذى أصاب الشخصية القومية المصرية يدرك بوضوح حقيقة ذلك، ولذلك فإن استعادة الشخصية القومية المصرية وتدعيمها من أهم ما يجب العمل عليه فى أى تصور إصلاحى نهضوى لبلدنا .