رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النواب بين الحصانة والرقابة والتشريع


بينما أشرع فى كتابة هذا المقال فى الصباح الباكر من يوم الثلاثاء كانت النتائج الأولية للمرحلة الثانية للانتخابات البرلمانية قد بدأت فى الظهور. ووسط إقبال من الناخبين يزيد عن المرحلة الأولى. وكان عدد المصوتين بالخارج أكثر قليلاً من 37 ألف صوت بزيادة قدرها سبعة آلاف صوت عن المرحلة الأولى، وسط إقبال كبير فى الكويت والسعودية، كما أشارت الأنباء إلى فوز المرشح الدكتور سمير غطاس بمدينة نصر من الجولة الأولى متخطياً عددا ًكبيراً من المرشحين ومتصدياً لكبار حيتان المال السياسى الذين أنفقوا بكثرة فى هذه الانتخابات. وأيضاً فوز المخرج السينمائى الثورى خالد يوسف فى دائرة كفر شكر بالقليوبية أمام رموز النظام السابق من محترفى الانتخابات ومعتادى استخدام المال السياسى. يؤكد هذا ما قلناه سابقاً من أن هناك بعض الأمل فى دوائر وقف فيها المصوتون ضد ثلاثية الفلول والمتاجرين بالدين ومستخدمى المال السياسى.

وقبل أن أبدأ الحديث عن الحصانة البرلمانية أقدم كل التحية لأهالى سيناء الكرام الذين أقبلوا على الانتخابات فى طوابير طويلة متحدين الخطر والإرهاب والعناصر المتطرفة «والتى تعتبر سيناء بيئة حاضنة لها». لسان حال أهالى سيناء يقول: «نحن جزء أصيل من شعب مصر وطننا». وما حدث أيضاً فى سيناء يدل على أنه كلما كان هناك مرشحون أقوياء قادرون على حشد أنصارهم يكون الإقبال على الانتخابات أكبر. ودلالة أيضاً على قوة التأمين من قوات الجيش والشرطة. فى الأسبوعين الماضيين كان لى شرف الحضور فى عدد من المؤتمرات الانتخابية فى بعض المحافظات، وكانت الفرصة سانحة للتعرف على مطالب أهالى مصر الكرام من النواب داخل البرلمان المقبل. ما زالت هناك أولوية لشعب مصر فى كل أنحائها وربوعها، فى ريفها ومدنها، لتحسين أحوالهم المعيشية والخدمات. وكانت الأولويات للصحة والتعليم والزراعة وتشغيل الشباب، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة، وتضمين موازنة الدولة جزءاً كبيراً للإنفاق على خدمات الصرف الصحى والطرق خاصة فى القرى المصرية، والتأكيد على تشريع قوانين خاصة بالصحة وزيادة ميزانيتها كما جاء فى المادة 18 من الدستور إلى 3% من الناتج المحلى الإجمالى، وتعميم التأمين الصحى ليشمل جميع المصريين، وتوفير المستلزمات الطبية فى الوحدات الصحية والمستشفيات العامة.

وأيضاً التأكيد على تشريع القوانين الخاصة بالتعليم، وزيادة ميزانيته كما جاء فى المادة 19 بالدستور. التعليم الأساسى: 4%، والجامعى 2% والبحث العلمى 1%، أى 7% من الناتج المحلى الإجمالى، مع بناء مدارس جديدة وترميم وصيانة المدارس الحالية. كما كانت هناك تفصيلات خاصة بالتكدس فى الفصول ووحش الدروس الخصوصية الذى يلتهم ميزانية الأسرة. تناول الحديث فى جميع القرى وضع الزراعة الذى يرثى له، وحال الفلاح الذى أصبح هو والعدم سواء. فبعد بذل مجهود شاق طوال السنة، وتكلفة المحصول، ودفع قيمة إيجار الأرض، لا يجد الفلاح تسويقاً للمحصول، أو يتم تسويقه بسعر يقل عن تكلفته، مما يدفع عدداً كبيراً من الفلاحين للهروب من الزراعة. وأنا أضم صوتى إلى صوت هؤلاء الفلاحين وأطالب النواب الذين ينحازون لفقراء هذا الشعب ولعماله وفلاحيه أن يهتموا بوضع تشريعات تنصف الفلاح مثل عودة الدورة الزراعية والإرشاد الزراعى وعودة دور التعاونيات الزراعية التى تقوم بمد الفلاحين بمستلزمات الإنتاج الزراعى وتلتزم بتسويق المحصول بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح كما جاء بالمادة 29 بالدستور المصرى.

كما طالبوا بإعادة بنك التسليف الزراعى الذى يقوم بتسليف الفلاح بفائدة قليلة بدلاً من بنك القرية الذى خرب بيوت الفلاحين بفرض فوائد تجارية عالية ومصروفات إدارية عالية يصل مجموعهما إلى 24% من قيمة السلفة. كما طالب الحاضرون فى هذه المؤتمرات خاصة الشباب، بتوزيع الأراضى على شباب الخريجين لاستصلاحها وزراعتها، بدلاً من بيعها بالبخس لحيتان المستثمرين المصريين والأجانب الذين نهبوها فى عهد نظام الفساد البائد، ولم يزرعوا معظمها، وحولوها إلى منتجعات وتجمعات سكانية. كما اتفق الجميع على المطالبة بتفعيل التأمين الصحى على كل الفلاحين. كما تناول العمال فى حديثهم أهمية أن يتبنى النواب تشريعات خاصة بالحقوق الاقتصادية لتحسين الأحوال المعيشية وإلزام الدولة بإعادة فتح المصانع المغلقة التى تعد بالآلاف، لتشغيل العمال، مع تدريبهم وتأهيلهم. كما طالب أصحاب المصانع المنتجة فى قطاع النسيج فى المنوفية والغربية والمحلة الكبرى حل مشكلات هؤلاء المنتجين من شعب مصر لإعادة الازدهار لصناعة الغزل والنسيج التى كانت مصر تفخر بها، وكانت المنتجات القطنية المصرية هى أغلى المنتجات على رفوف المحلات فى الدول الأجنبية الكبرى. لقد بدأ الشعب المصرى يعى بعد ثورتى يناير ويونيه دور النائب فى الرقابة والتشريع، وليس فى الخدمات فقط، وأن مجال الخدمات هو المحليات وأجهزة الدولة التنفيذية.

وكانت المفاجأة مطالبة جميع الحاضرين بأن تقتصر الحصانة البرلمانية للنواب على دورهم تحت قبة البرلمان فقط حتى لا يستغلها النائب كما حدث فى البرلمانات السابقة لمصلحته الشخصية، أو كما كان يستغلها البعض فى بعض الأعمال غير المشروعة مثل الدخول والخروج من قاعة كبار الزوار بالمطار دون تفتيش مما يسهل تهريب أموال أو آثار أو مخدرات. كما كان البعض يستغلها فى نهب أراضى الدولة، وتعيين أقاربه فى الوزارات المختلفة، وبالتأكيد من يفعل ذلك لا يستطيع أن يراقب أو يحاسب أو يستجوب الوزراء والحكومة، فالمثل يقول: «أطعم الفم تستحى العين»! إن الشعب المصرى يحتاج إلى نائب يتمتع بالحصانة تحت قبة البرلمان لتحميه حين يناقش بكل صراحة مشكلات ومطالب الشعب.